الأربعاء، 29 أبريل 2009

حول ندوة "الكلمة، بين فضاءات الحرية وحدود المساءلة"

حول ندوة "الكلمة بين فضاءات الحرية وحدود المساءلة"

أرى أن الندوة التي أقيمت حول حرية الكلمة ومسؤوليتها تشكل علامة فارقة ولحظة تاريخية من أكثر من جانب، فالندوة تمثل المجتمع المدني الذي يقوم بفعلين رئيسيين هما (1) فعل قراءة الواقع قراءة نقدية تسائل عناصره وتستفهم حول مألوفاته استفهام الحركة لا استفهام السكون، وكذلك (2) فعل السعي لتغيير هذا الواقع نحو واقع مرغوب أفضل في نظر هذا المجتمع. هنا إذا لحظة وعي ولحظة تغيير.

هناك كذلك الدولة التي لا ريب أنها كشفت عن إدراك عميق بالتغير والتغيير، وساهمت فيه مساهمة متفاعلة مع وعي المجتمع ورغبته التغييرية. أضع المجتمع والدولة في جانبين هنا رغم صعوبة التمييز الحقيقي بين المجتمع والدولة في عمان، فهما، في كثير من الجوانب، متداخلان يعضد كل منهما الآخر.



"حرية الكلمة" مفهوم إشكالي



تستمد الندوة أهميتها من أكثر من بعد. فهناك بعد موضوع الندوة ذاته، والمتعلق بحرية الكلمة. ومفهوم "حرية الكلمة" مفهوم إشكالي من المنظور الفلسفي ومن المنظور الواقعي كذلك. ففلسفياً يعد تعريف الحرية أمراً عسيراً للغاية: فما الحرية؟ وكيف نحددها؟ والحرية من ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ وهي من المنظور الواقعي أمر صعب التحديد كذلك: فمن الذي يحدد الحرية؟ ومن صاحبها؟ وماذا لو أضرت الحرية بالمجموع المجتمعي؟ ماذا لو قرر مجتمع ما بضرب من "الوعي" عدم الرغبة في "الحرية" أياً كان مفهومها؟ (ترجمت قبل فترة مقالاً نشر حديثاً للكاتب الأمريكي "مارك توين" عنوانه "فضيلة القبر" يقول فيه إن الحرية لا يمكن أن ينالها الإنسان أبداً إلا في قبره، فهناك دائماً أمور لا نستطيع البوح بها، درءاً للضرر الذي سيأتينا من قبل الآخرين).

ولكن بعيداً عن هذه الاشكاليات الفلسفية والواقعية التي تكتنف مفهوم الحرية إلا أنه موضوع مهم ومحوري في الحياة الانسانية، فتعذر التعريف وصعوبته لا يعنيان التقليل من أهمية الموضوع.

تستمد الندوة أهميتها من دلالات حدوثها، فالندوة كما أشرت توحي بتغير اجتماعي مهم للغاية، ينبغي أن يتوقف أمامه من له اهتمام بحراك المجتمع العماني. كانت الندوة مجتمعاً يتحرك ويتحدث عن قضاياه بصوت مسؤول بعيد عن التشنج والتوتر والزعاق. تحدث أغلب المتحدثين حديثَ من ينطلق من المقاربة المتأملة المدركة لمسائل في واقع الحياة العمانية تتطلب التغيير، وحديث من يقارب هذا الواقع من منظور مخطط وليس اعتباطياً، فهناك على سبيل المثال مقاربة القوانين من خلال تتبع ما رآه بعض المتحدثين تضاربا في المنظومات القانونية المؤطرة للكلمة والنشر والاتصال، وهناك كذلك سرد سيرة المنتديات الشبكية العمانية مثل "سبلة العرب" و"سبلة عمان" وما واجهتها من إشكالات، وهناك الصحافة العمانية ونماذج على المشاكل التي تواجهها وتؤثر على الكلمة فيها.

المجتمع والمنظومة العالمية

أمر آخر ينبغي الإشارة إليه في معرض الحديث عن الندوة يتعلق بالتأطير القانوني لقضية الكلمة والنشر والاتصال في عمان. لا ريب أن المجتمع العماني قد تغير في العقود الأربعة الأخيرة نتيجة التعليم والإعلام والوعي المستمد من مناهل شتى، إضافة إلى التداخل العالمي الذي فرض قيماً وممارسات جديدة مشتركة بين المجتمعات الإنسانية جميعها (لنتذكر فقط تأثير العولمة من خلال منتديات الانترنت على سبيل المثال على حراك المجتمع العماني المعاصر).

دخل المجتمع العماني المنظومة العالمية في الوعي وفي قيم العولمة، التي أزالت الأطر التي كانت تحدد طبيعة المجتمع العماني في السابق (مثل عناصر القبيلة والبلدة وغيرها من الانتماءات). لم يعد المجتمع العماني المعاصر هو المجتمع العماني القديم بل أصبح مجتمعاً ذا نواة (أو نويات) عمانية لكنه يحمل عناصر عالمية الطابع وعالمية القيم وعالمية الرغبات كذلك. ولعل استخدام مفهومٍ عالمي مثل مفهوم "حرية الكلمة" لهو دلالة أكيدة على دخول المجتمع العماني في إطار العالمية، إضافة إلى استخدام ذات مناهج المطالبة العالمية من قراءة للواقع القانوني والمؤسساتي المتعلق بالنشر والاتصال والرغبة في تغييره، والسعي للتغيير من خلال أفعال المجتمع المدني مثل الندوات.

هذا التغيير والدخول في العالمية من ناحية المطالب والمناهج ينبغي أن يتم إدراكه إدراكاً واعياً من قبل الدولة. فلا شك أن النظم القانونية القائمة الخاصة بالنشر والإعلام لم تعد نافعة لأكثر من سبب. وأول الأسباب هو أن الزمن قد تجاوزها واقعياً، فهناك التطور التقني الهائل الذي لا مرد له والذي يفرض أنماط اتصال ونشر خارج إطار القوانين الموجودة. كما أن هناك أمراً مهماً للغاية وهو أن الندوة تمثل دليلاً على أن المجتمع المدني أخذ يقدم طروحاتٍ مهمة تطالب بتغييرات أساسية في القوانين، وهذا مهم لأنه يغير من المعادلة المألوفة التي كانت فيها الدولة هي الطرف الوحيد الذي "يشعر" بما ينبغي أن يوجد من قوانين ويرسم هذه القوانين وينفذها. مفهوم الدولة التقليدي لم يعد قائماً إذاً، فها نحن الآن أمام مجتمع مدني فاعل ممثل في جمعية الكتاب والأدباء العمانية التي أقامت ندوة تهدف، إضافة إلى نشر الوعي بقضية الكلمة وحريتها ومسؤوليتها، إلى إحداث تغيير في أمر القوانين التي كانت حكراً على الدولة.

ويمكن تعزيز مسعى المجتمع المدني الذي بدأته الندوة من خلال استغلال مؤسسات الدولة القائمة مثل مجلس الشورى ومجلس الدولة، وعن طريق قيام المعنيين من المثقفين وغيرهم بتوضيح ضرورة إحداث تغيير قانوني، بطرق تمثل الطرح الايجابي البعيد عن التشنج. ولا شك لدي بأن الدولة تستمع إلى الطرح "العقلاني" البعيد عن التشنج والذي ينطلق من مصلحة وطنية واضحة والذي يعين الدولة في الدفع بالتطور الاجتماعي والسياسي والثقافي. ما مصلحة الدولة في الوقوف ضد كل هذا؟

وهنا ينبغي عدم خلط هذا الموضوع القيمي في أصله وفي هدفه، بأحداث صغيرة واضحة المعالم في خطأها، ولا تمت إلى قضية حرية الكلمة بصلة. إن خلط القضايا وتشويشها يفسد التأسيس الواعي لأي دعوة للتغيير الايجابي، كما أنه يفقد تلك الدعوة صدقيتها، ولا يُكسِب علوُ الصوت والتهويل والتوتر السعيَ للتغيير في أمر حرية الكلمة المصداقية اللازمة عند الانسان الواعي وعند المجتمع الواعي وعند الدولة الواعية، فلربما ارتدت هذه الرغبة في التغيير ومحاولته بسبب هذا الخلط غير المبرر، وغير المسؤول. ومن نافل القول الحديث عن المسؤولية التي تلازم الكلمة، فلا كلمة بلا مسؤولية بطبيعة الحال.



تقدم الوعي المجتمعي



لا شك عندي أن الندوة منعطف تاريخي يشير إلى تقدم الوعي المجتمعي وتقدم وعي الدولة وممارستها، ولا شك عندي أن تغيير قانون المطبوعات والنشر ليس إلا قضية وقت، فبقاء هذا القانون (وغيره من القوانين التي لا تجاري التطور الاجتماعي والسياسي) بالشكل الحالي لا يعكس تقدم وعي المجتمع ولا الوعي الطيب في سلوك الدولة، وهذا أمر ينبغي أن يعاد النظر فيه، فالزمان غير الزمان، والوعي غير الوعي، والمجتمع غير المجتمع، والدولة غير الدولة. وهنا علينا أن نشير إلى أن بقاء هذه القوانين بصورتها الحالية سيوجد فجوة سلبية بين التأطير القانوني للنشر والاتصال والواقع المتغير. وهذه الفجوة ليست في صالح المجتمع ولا في صالح الدولة، لأنها ستؤدي حتما إن وجدت إلى ضرب من الفصام المجتمعي والسياسي الذي لا يرغب فيه أحد، ولا أعتقد أن هذا سيحدث لأن المجتمع العماني يسعى، مثل أي مجتمع طبيعي، إلى التناغم في حياته، كما أن الدولة تسعى كذلك إلى التناغم والانسجام في طروحاتها وممارساتها السياسية والاجتماعية وتأطيرها القانوني لسير حياة المجتمع العماني.

وأخيراً، وفي سياق الحديث عن الدولة ودورها المتفاعل مع دور المجتمع المدني تنبغي الإشارة إلى أن المؤشرات القادمة من جهة الدولة العمانية هي مؤشرات إيجابية للغاية، فالسماح بعقد الندوة ذاته هو أمر إيجابي، كما أن حضور دور القضاء كفيصل حاسم في البت في قضايا يضعها البعض في خانة حرية الكلمة (وإن كانت خلاف ذلك فيما أرى) هو أمر ايجابي آخر ينبغي إبرازه والثناء عليه. وأضيف بأنه لا يوجد في عمان زوار ليل يهجمون على الكاتب ويختطفونه، لأنه كتب كلمة أو تفوه برأي لينكل بهذا الكاتب ويختفي إلى حين، أو إلى الأبد، مثلما يحدث في كثير من البلدان. أشعر بالصدق مع نفسي ولا أستطيع أن أتوهم ما لا أرى في الواقع الماثل أمامي: الوضع إيجابي للغاية، وأرى أن على الكتاب أن يستغلوا هذا الوضع الايجابي بصورة ايجابية، كما أن على الدولة أن تتفاعل ايجابياً مع متطلبات تغير الحال في أمر قوانين النشر والاتصال، وإلا فقدت ملامسة الواقع وتتبعه (ولا أرى أن هذا سيحدث بالنظر إلى الخط الايجابي لسلوك الدولة الذي أشرت إلى مظاهره فيما تقدم).

الأحد، 26 أبريل 2009

في ضيافة منتدى "الحارة العمانية"

الجمعة، 24 أبريل 2009

حديقة وفنهو

عشت في قرية وفنهو Wivenhoe في كولتشستر في شرق بريطانيا لأكثر من ثلاث سنوات. قرية تمثل الريف البريطاني الحقيقي.

اشتهرت وفنهو بلوحة رسمها الفنان جون كونستيبل John Constable (1776-1837) اسمها Wivenhoe Park (حديقة وفنهو). الصورة الأولى تظهر هذه اللوحة، أما الصورة الأخرى فهي صورة التقطت بالكاميرا لنفس المكان الذي يجاور (أو بالأحرى تجاوره) الآن جامعة إسكس.

الخميس، 23 أبريل 2009

حول تجارة المخطوطات







سألني البعض عن المخطوطة الأمهرية التي كتبت عنها قبل عدة أيام. سأحاول أن أوضح بعض النقاط المهمة هنا حول تلك المخطوطة وقضايا مرتبطة بها:

بكم اشتريت المخطوطة؟

بسعر زهيد للغاية. الحقيقة أني أشعر أن السعر في غاية الزهد لدرجة معيبة. لماذا؟ لأن القيمة التاريخية للمخطوطة لا شك أنها عالية للغاية. لا أتحدث عن القيمة المالية بل القيمة الأثرية.

بحثت في الشبكة فوجدت مخطوطات تشبهها معروضة في ebay. يمكن رؤية أحدها هنـــــا.

هل قمت باستغلال البائع وخداعه؟

أبداً، لأن البائع أخبرني أنه اشتراها من شخص آخر أتى بها.

من ذلك الشخص؟ من أين أتى بالمخطوطة؟ لا أعرف. لم يخبرني البائع في الجمعة الماضية.

هل من معلومات أخرى عن المخطوطة؟

عدت للبائع صباح اليوم (الخميس 23 ابريل 2009) كي أحصل على معلومات أخرى عن المخطوطة وبائعها الأصلي. كان الفضول يقتلني كي أعرف المزيد عن تاريخ المخطوطة.

وجدت البائع هناك ولكن للأسف لا معلومات لديه سوى أن شخصاً أتى للمحل وعرض عليه المخطوطة. لا يعرف من هو ولا من أين أتى. فقط اشترى منه المخطوطة ولا شك أنه اشتراها بسعر أزهد من السعر المعيب الذي اشتريتها به.



هل توجد مخطوطات أخرى؟

سألته إن كان لديه مخطوطات أخرى فقال "نعم".

طلب مني أن أذهب معه إلى موضع آخر فتبعته.

كان لديه نحو عشرين مخطوطة: مخطوطات لأجزاء من القرآن الكريم، ومخطوطات تراثية عربية أخرى أغلبها دينية ونحوية. أحدها مخطوطة عنوانها "تعطير الأنام" (بحثت في الشبكة ووجدت أن هناك كتاباً في تفسير الأحلام بذات العنوان لمؤلف اسمه عبدالغني النابلسي، ولست متأكدا إن كان هو نفس الكتاب).

سألته عن قيمة المخطوطات فقال أنها تتراوح بين العشرات والمئات من الريالات.

أخبرني البائع أنه باع قبل فترة أربع مخطوطات عمانية من الرستاق لشخص، ولا يعرف أين انتهت.

ما أزعجني هو أنني حين سألت البائع عن مخطوط صغير للغاية مكتوب على الرقّ باللغة العربية من مرحلة ما قبل التنقيط (كأنه كتب بالخط الكوفي)، فقال "سأكون معك صادقاً. هذا مخطوط مزيف!!". قلت له "كيف عرفت؟" فقال بأنه يعرف "والسلام".

احترمت صدقه ولكن شعرت بأن هناك تجارة منتظمة بها كل شيء: الصدق والكذب! (مثل كل شيء في الحياة)



تطور آخر:

نصحني هذا البائع أن أذهب إلى شخص آخر (غير عماني) "يبيع مخطوطات!!!"

ذهبت إليه.

أراني مخطوطتين: واحدة بالأمهرية وكأنها مخطوطة دينية (فقد كانت باللونين الأحمر والأسود، وقد قرات على الشبكة أن مثل هذه المخطوطات دينية في الغالب كأن تكون نسخاً من التوراة أو الانجيل أو كتب صلوات)، والمخطوطة الأخرى فقهية عربية كتبت على الورق.

المخطوطة العربية كانت جيدة ومتماسكة، أما الأمهرية فليست بحالة جيدة (رغم أنها كانت مكتوبة على الرقّ مثل المخطوطة التي لدي، ولكن أوراقها أكبر).

سألته عن قيمة المخطوطة العربية فقال أنها بأقل من ألف ريال عماني. ربما سأعود إليه يوماً ما لأتأكد من أهميتها وقيمتها.

سالت هذا الرجل غير العماني عن مصدر المخطوطات فقال بأن رجلاً يمنياً أتى بها اليه. اضطررت الى مغادرة المكان لظرف شخصي. لا شك أني سأعود الى باعة المخطوطات هؤلاء يوماً ما لمزيد من استكشاف هذه التجارة، وللشراء.



العبرة:

هناك تجارة بالمخطوطات العمانية والعربية لا أعرف حجمها. (وبرخص التراب!!!!!)

ماذا نفعل؟: لا أعرف إن كان هناك قانوناً ينظم عملية بيع المخطوطات في عمان، ولكن ارى أن هذا امر في غاية الخطورة، فهناك مخطوطات تتسلل من بين أيدينا إلى "المهجر" ونحن نرى (أو لا نرى، وفي الحالتين فان الوضع يستدعي التقصي السريع من المهتمين)!!!!