الثلاثاء، 15 يوليو 2008

الترجمة في عمان: قراءة في الماضي والحاضر واستشراف للمستقبل

الترجمة في عمان:

قراءة في الماضي والحاضر واستشراف للمستقبل

عبدالله الحراصي

أسرة الترجمة، النادي الثقافي

الثلاثاء 15 يوليو 2008

ملخص المحاضرة

تتناول هذه المحاضرة موضوع الترجمة في عمان من خلال استقراء تلخيصي للماضي والحاضر واستشراف للمستقبل وخصوصاً فيما يتعلق بالنشاط المؤسسي الذي ستقوم به أسرة الترجمة. تبدأ المحاضرة بالحديث عن الأدوار الحضارية التي تقوم بها الترجمة من خلال حركة الترجمة التي نشطت في العصر العباسي، من خلال دراسة العوامل الرئيسة التي كانت هي الدافع لذلك النشاط الكبير إضافة إلى النتائج الحضارية للترجمة. كما تناقش المحاضرة الأهمية الاقتصادية للترجمة من خلال إلقاء الضوء على الأسباب التي ستجعل من الترجمة فاعلاً اقتصادياً اساسياً في الاقتصاد المعاصر، وتقديم تقديرات للدخل العالمي الناشئ عن الترجمة. بعدها تقدم المحاضرة إستقراءاً لتاريخ الترجمة في عمان من فترة ما قبل الاسلام إلى الفترة المعاصرة، إضافة إلى المشاكل التي تعاني منها صناعة الترجمة العمانية ومقترحات لتجاوز هذه المشكلات. وفي محور الترجمة الثقافية تتحدث المحاضرة عن مميزات الترجمة الثقافية المعاصرة في عمان واستشرافاً لدور أسرة الترجمة في تنشيط حركة الترجمة في عمان.



الترجمة في عمان:

قراءة في الماضي والحاضر واستشراف للمستقبل

د. عبدالله الحراصي



أسرة الترجمة، النادي الثقافي

الثلاثاء 15 يوليو 2008







أرغب في البداية أن أتقدم بشكري الصادق للنادي الثقافي، ليس على دعوتي فحسب وهو تشريف لي أيما تشريف، وتكليف أيما تكليف، بل على الاهتمام الذي تجده الترجمة في بيت الثقافة هذا، وهو اهتمام أصيل يعكس السعي لتفعيل الحياة الثقافية الذي يقوم به هذا النادي الكريم والذي يتجلى في جدول الأنشطة المستمر والأسر الثقافية التي تعمل في إطاره. كما أرغب أن أشكر من قام على إنشاء "أسرة الترجمة" التي أتشرف بأن يكون حديثي هذا اليوم باكورة أنشطتها، ولا يخامرني شك بأن أنشطة هذه الأسرة ستكون ناجحة ونوعية وقيِّمة، وستأتي أؤكلها الثقافي بفضل الهمة العالية والعزيمة الماضية التي يحملها المشرفون عليها وكافة أعضاءها.

وإن كان النادي الثقافي هو بيت الثقافة العمانية فان أسرة الترجمة هي أسرتي ونسبها هو نسبي، وإن استخدمنا الشائع من العبارات فإن لي ما لها وعليّ ما عليها، فقد كان لي شرف التعاون مع طلبة جامعة السلطان قابوس في تأسيس مجموعة الترجمة التي انطلقت في فعالياتها انطلاقة لم نكن آنئذٍ نتوقعها، وإن كنا نأملها، أي أنني لم أكن أتوقع بأن تلك الجماعة سوف تنطلق في مضمار النشاط والفعل الثقافي متجاوزة حد التوقع إلى ملامسة حد الأمل، وهذا كما نعرف جميعاً في عمان وفي الثقافة العربية أمرٌ نادرٌ ندرة الدر والجوهر كما تقول العرب.

هدف لقاءنا اليوم ليس إلقاء محاضرة حول واقع الترجمة في عمان أو مستقبلها بل أن نحول جمعنا هذا إلى ميدان نقاش حول هذا الموضوع، وهذا فيما أرى أجدى وأنفع. من هنا فإن ما سأقدمه فيما سيتبع يهدف لأن يكون رؤوس أقلام لمواضيع آمل أن تكون مواضيع حوار بيننا بعد المحاضرة.

الأهمية الحضارية للترجمة

إن نظرة إلى تطور الحضارات تكشف عن الدور المحوري الذي تمارسه الترجمة، ويمكننا القيام بهذا بالتركيز على الترجمة العربية في العصر العباسي التي يضعها كل مترمجي العالم معلماً رئيساً في تاريخ الترجمة الانساني. ما الذي حرك الترجمة وجعلها تنمو وتنشط؟ الأسباب الرئيسة هي كما يلي:

  • وجود فكر نهضوي شامل
  • رعاية الخلفاء للترجمة
  • اهتمام بعض الاسر بالترجمة
  • حاجة العرب الى تراث الحضارات الاخرى
  • دخول أجناس كثيرة في الدولة العربية
  • ظهور فرق اسلامية استعانت بالترجمة لتثبيت مواقعها في التدافع الفكري داخل الحضارة الاسلامية
  • قوة اللغة العربية الناتجة عن قوة الدولة العربية

ونتائج حركة الترجمة تلك:

  • اتساع آفاق الثقافة العربية الاسلامية
  • ارتقت المعيشة في الحياة العربية
  • حفظت الترجمة الى العربية علوم الحضارات الاخرى من يونان وهند وفرس وغيرهم
  • أثرت حركة الترجمة على اللغة العربية
  • نمو الثروة اللفظية في اللغة العربية وبناء المصطلح العلمي من خلال التوليد او تعريب المفردات الاجنبية
  • شيوع الاسلوب العلمي [في العلوم الطبيعية] بمصطلحاته ومفرداته وتركيزه وهو اسلوب لم تعهده العربية من قبل


الأهمية الاقتصادية للترجمة

تعد الترجمة لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي المعاصر، فلا يمكن لهذا الاقتصاد أن ينمو دون الاخذ بعين الاعتبار ترجمة المعلومات والوثائق بين اللغات المختلفة، كما أن الترجمة صناعة قائمة بذاتها تدر على مشتغليها مليارات الدولارات، وهي كذلك مجال كبير لتوفير الوظائف حيث تشير التوقعات إلى أن عدد الوظائف المتعلقة بالترجمة أكثر من ربع مليون وظيفة.

ويرى محللو سوق الترجمة أن الترجمة سوف تنتعش في المستقبل المنظور لأسباب عديدة أهمها:

  • برغم هيمنة اللغة الانجليزية إلا أن هناك نزوعاً نحو المحافظة على اللغات والثقافات المحلية، وإذا رأينا هذا النزوع ضمن التقارب العالمي وخصوصاً في الميادين الاقتصادية فانه يعني مزيداً من الترجمة
  • نشوء منتجات وخدمات جديدة تسندها التكنولوجيا المعاصرة في شتى أنحاء العالم. تتطلب هذه المنتجات أن يعرف المستخدمون عنها وهو ما يتطلب الترجمة
  • أدى ظهور شبكة الانترنت وتطورها إلى نشوء أنواع جديدة من النصوص وخصوصاً الوثائق الانترنتية بمختلف أشكالها، وهو ما يتطلب ترجمتها إلى اللغات المختلفة
  • نمو العولمة التجارية، أي أن العالم بأكمله صار سوقاً واحداً مفتوحاً
  • التقارب الذي سببته وسائل النقل الحديثة التي أنتج حالات انتقال وعلى رأسها السياحة التي تتطلب الترجمة
  • تطور التكنولوجيا يتطلب تطويراً للمصطلحات




تقديرات للدخل العالمي الناتج من الترجمة

الإقليم

النسبة المئوية من سوق الترجمة الدولي

2005

2006

2007

2008

2009

2010

الولايات المتحدة

32%

3 696

3 973

4 271

4 592

4 936

5 306

أوروبا

55%

6 552

6 879

7 222

7 584

7 963

8 359

آسيا

9%

1 056

1 135

1 220

1 312

1 410

1 516

بقية العالم

4%

440

473

508

547

588

632

المجموع

100%

8 800

8 987

9 661

10 386

11 165

15 813











نسبة النمو السنوي = أكثر من 7.5 %



تاريخ الترجمة في عمان

لا توجد وثائق تتعلق بتاريخ الترجمة في عمان، غير أن نظرة إلى خارطة شبه الجزيرة العربية التي تقع عمان في جنوبها الشرقي يمكنها أن تقدم لنا بعض الافتراضات حول الترجمة في فترة ما قبل الاسلام، فعلى يمين عمان نجد الصين والهند، وإلى شمالها نجد فارس، وجنوباً حيث تأخذ الرياح الموسمية السفن العمانية نجد الثقافات الأفريقية، وغير بعيد من عمان توجد الحضارة الرومانية والمصرية، والثابت تاريخياً أن عمان تفاعلت مع هذه الحضارات بأشكال شتى لعل على رأسها التجارة، ولا ريب أن الترجمة كانت حاضرة باعتبارها وسيلة من وسائل التواصل بين الحضارات مختلفة اللغات. كما أننا نعرف من المصادر التاريخية أن العرب في عمان قد عقدوا معاهدات عدة مع الفرس ولا ريب أن الترجمة بشكليها المكتوب والشفهي كانت حاضرة بشكل من الأشكال هنا أيضاً رغم غياب الوثائق.

وغياب الوثائق الخاصة بالترجمة نجده في الحقيقة في كل فترات التاريخ العماني امتداداً إلى العصر الحديث، فنجد مثلاً أن اليعاربة قد عقدوا اتفاقيات عدة مع دول تتحدث بلغات غير العربية، وهو ما يعزز يقيننا أن الترجمة كانت حاضرة في إعداد نصوص بأكثر من لغة لهذه الاتفاقيات. وتبدأ الصورة تتضح أكثر فأكثر في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي حكم عمان في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد واجه السيد سعيد في مطلع حكمه غياب المترجمين العمانيين الأكفاء القادرين على ترجمة وثائق الدولة في عهده وعلى إعداد رسائله بلغات غير العربية فاستعان ببعض الأجانب مثل شخص إنجليزي طلب منه السيد سعيد بن سلطان أن يعد رسالة إلى الرئيس الأمريكي غير أنه لم يكن أميناً في أداء مهمته فقام ببعض التحوير في الرسالة لأسباب تتعلق بعدم رغبته أن يحصل الامريكان على نفس الميزات التجارية التي يحصل عليها الانجليز. يذكر أليجاه تكنور القصة في كتاب "رحلة السفينة بيكوك":

"ومن بين المواضيع التي دارت في النقاش بينه [أي السيد سعيد بن سلطان] والسيد روبرتس [المبعوث الأمريكي عام 1833] كان تلك الرسالة التي تلقاها رئيس الولايات المتحدة قبل وقت قصير من إبحارنا من السيد سعيد، وتملك الدهشة الجميع عندما أخبرهم روبرتس بفحواها، حيث كانت تفيد بأنه يسمح للأمريكان بالاتجار بحريّة في كل موانئ السيد سعيد، حالهم حال الانجليز والفرنسيين، ما عدا ميناء زنجبار في ساحل أفريقيا، الذي لم يسمح للأمريكان بالاتجار فيه. فذكر الكابتن خلفان [مترجم السيد سعيد بن سلطان] بأن من الأكيد أنه لم تكن هناك نية لاستثناء الامريكان من التجارة في زنجبار، بل على العكس، كان السيد سعيد راغباً في تشجيعهم على التجارة هناك، ذلك لأنه كان قد عقد العزم على أن تكون زنجبار موطن سكنه الرئيس، ولهذا كان يأمل في تشجيع التجارة مع كل الأمم الأجنبية".

ويقول نفس الكاتب شارحاً السبب "لقد كانت الرسالة مكتوبة من قبل رجل انجليزي يعمل في خدمة السيد سعيد، وكان من الجلي أنه رغم في تفضيل أبناء أمته الانجليزية فأضافة عبارة [تمنع الأمريكان من الاتجار في زنجبار] دون علم السيد سعيد بل على عكس رغبته".

وكان هذا بطبيعة الحال درساً كبيراً في عدم الاعتماد على الأجانب في الشأن اللغوي والترجمي في بلاط السيد سعيد بن سلطان، وتذكر المصادر أن السيد سعيد بعث بعض العمانيين إلى الهند لدراسة اللغة الانجليزية، فأتقنوا هذه اللغة إتقاناً كبيراً هيأهم ليكونوا مترجمين في البلاط آنئذٍ، بل تذكر المصادر أن بعضهم كان لديه مكتبات ضخمة من الكتب الأجنبية كان من بينها روايات للروائي الأمركي جيمس فينيمور كووبر والاسكتلندي السير والتر سكوت. ومن بين المترجمين البارزين سعيد بن خلفان البوسعيدي الذي ترجم المعاهدة الشهيرة بين السيد سعيد بن سلطان والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك عماني آخر أسمه أحمد بن خميس الذي عاش لبعض الوقت في انجلترا وكان يتحدث الانجليزية بطلاقة. وفي عهد السيد تركي بن سعيد نجد بعض متجرمي البلاط السلطان ولعل أشهرهم كان عبدالعزيز الرواحي.

وإذا انتقلنا إلى العهد المعاصر لوجدنا أن العديد من العمانيين أخذوا في تعلم اللغات الأجنبية والتحدث بها بسبب الاحتكاك بهذه اللغات في عمان أو في أماكن أخرى لعل أبرزها زنجبار وشرق أفريقيا، ولا شك أن هؤلاء قاموا بتجسير التواصل اللغوي بين العربية واللغات الأخرى، وإذا جئنا إلى ما بعد عام 1970 لوجدنا بعض الاهتمام الفردي بالترجمة لعل أبرزه الاستاذ محمد أمين عبدالله الذي قام بدور كبير في إعداد ترجمات عربية لكتب انجليزية تتحدث عن عمان وقامت وزارة التراث والثقافة بنشر هذه الكتب. كما بدأ الاهتمام بترجمة النتاج العماني غير المكتوب بالعربية، ومن أمثلة هذه الترجمات ترجمة القيسي لمذكرات السيدة سالمة بنت سعيد بن سلطان من الترجمة الانجليزية.

بقت الترجمة جهداً فردياً إلى أن أتت جامعة السلطان قابوس، وخصوصاً برنامج البكالريوس في اللغة الانجليزية، الذي قدم بعض المقررات في مجال الترجمة، وهذا ما قدم بعداً أكاديمياً للترجمة، ثم تطور هذا البعد الأكاديمي في الجامعة إلى طرح برنامج شهادة جامعية خاص في الترجمة، ونجد ذات الاهتمام في الجامعات الأخرى كجامعة نزوى التي تقدم برامج شهادة جامعية في كل من اللغات الانجليزية والفرنسية والالمانية تتضمن الترجمة، كما تقدم جامعة صحار برنامجاً في اللغة الانجليزية والترجمة. كما تقدم بعض المعاهد دورات تطبيقية في الترجمة بشتى فنونها مثل الترجمة العامة والترجمة الصحفية على سبيل المثال.

أما على مستوى الترجمة الثقافية والأدبية فقد شهدت تطوراً كبيراً. ما زلت أذكر الشعور باليتم والوحدة في مطلع التسعينات من القرن الماضي وأنا على مقاعد الدراسة للشهادة الجامعية الأولى حينما قدمت لجماعة الخليل بن أحمد الأدبية ترجمة لقصيدة انجليزية فرح بها القائمون على الجماعة آنئذٍ وقرروا أن تلقى في إحدى الأمسيات الشعرية. أقارن ذلك اليوم الذي شعرت فيه باليتم والوحدة بيومنا هذا الذي نشكل فيه أسرة همها المركزي هو الترجمة. لقد مرت الأيام نحو الأفضل بلا شك.

وإذ نتحدث عن تطور الترجمة الثقافية ينبغي ألا نغفل أيضاً الادوار المهمة التي قام بها بعض المثقفين في التسعينات مثل عبدالله حبيب الذي نشر ترجمات أدبية وثقافية مهمة، إضافة إلى المتحدث أمامكم الذي سعى للمساهمة ببعض الترجمات التي نشرت في الصحف العمانية وفي مجلات ثقافية على رأسها مجلة نزوى.

وفيما يتعلق بصناعة الترجمة فقد ظهرت العديد من مكاتب الترجمة التي تقدم خدماتها للقطاعين العام والخاص، غير أنه لا يمكن الحديث بالتفصيل عن هذه المكاتب لغياب الدراسات الدقيقة التي تصف وتحلل طبيعتها وأدوارها المختلفة.

وإذا عدنا إلى مجموعة الترجمة نرى تنوع الاهتمامات والانشطة، فهناك الترجمة وهناك حلقات النقاش حول الترجمات وهناك حلقات تدريس الترجمة، وكان كل هذا وما يزال جهود يقوم بها الطلاب لنشر الوعي الترجمي خارج نطاق البرامج التي يدرسونها، وهو ما يشكل مستوى من مستويات العمل المدني المثمر بامتياز، وكان أبرز الثمار في مطلع هذا العام 2008 في الكتابين الذين صدرا عن دار الانتشار العربي "الساذجة" و"لعبة اليانصيب".



الترجمة في عمان: رؤية مستقبلية

ينبغي في هذا المقام أن نفرق بين أمرين: الترجمة الظاهرة الثقافية والترجمة الظاهرة الاقتصادية. سأبتديء بالأخيرة وبعدها سأتحدث عن الترجمة الثقافية التي هي محور اهتماه "اسرة الترجمة".

صناعة الترجمة

تعاني صناعة الترجمة في عمان من مشاكل عدة لعل أهمها ما يلي:

  • غياب الإحصائيات التي تعكس واقع الترجمة.
  • غياب النظرة الاقتصادية إلى الترجمة في المحيط الثقافي العماني والعربي.
  • تتسبب الزيادة المتضخمة في شركات الترجمة في وضع يكون في العرض أكثر من الطلب: وهذا يؤدي إلى مشاكل من بينها قلة جودة الترجمة إضافة إلى قلة الأرباح. كما أن هذا ليس وضعاً سوياً لأن سوق الترجمة ذاته ما زال في طور النمو.
  • غياب الوحدة عن قطاع الترجمة: غياب “بيت الترجمة” الذي يحتضن العمل الترجمي.
  • الصورة السلبية للترجمة:
    • ما زالت المؤسسات تتعامل مع الترجمة باعتبارها مصاريف مالية وليس استثماراً، أي أن الترجمة ليست أمراً استراتيجيا لدى الشركات، كما أن الزبون ينظر إلى القيمة قبل نظرته إلى الجودة. إن مستخدمي الترجمة لا يعرفون شيئاً عن مصاعب الترجمة وما يواجه المترجم من عقبات في الترجمة.
    • حتى المؤسسات الحكومية ما زالت تتعامل مع المترجمين من منظور لا يناسب واقع الترجمة وأهميتها: الثلاثة عروض على سبيل المثال
  • عدم اكتراث شركات الترجمة بتعزيز الربح
  • معظم الشركات راضية بما تحصل عليه من دخل، ولتصحيح الوضع لا بد من إدارة المعروض من الترجمة. ينبغي على شركات الترجمة ألا ترضى بالأسعار المتواضعة التي يفرضها بعض الزبائن


والحلول التي يمكن اقتراحها هي التالية:

    • مطالبة الجهات المختصة، وخصوصاً وزارة الاقتصاد ووزارة التجارة والصناعة، بالقيام بدراسات موثقة وإحصائيات عن سوق الترجمة في عمان
    • إنشاء جمعية تتمحور حول الترجمة في عمان
    • توعية الزبائن والجمهور بالترجمة
    • ضرورة توعية شركات الترجمة ذاتها: حول فرض الأسعار وحول قضايا متعلقة بالجودة ومعاييرها ومهارات الترجمة والإدارة المالية الفعالة
    • تصحيح صورة الترجمة في السوق من خلال توحيد جهود الترجمة
    • اعتماد معايير موحدة
    • تطوير برامج تدريس الترجمة لا لتؤهل المترجم بصيغة عامة بل لتؤهل المترجم الذي يستطيع من خلال معارفه الأكاديمية وتدريبه أن ينجح في سوق صناعة الترجمة.




مميزات الترجمة الثقافية المعاصرة

  1. الطابع الأكاديمي: كانت الترجمة تمارس باعتبارها جهداً فردياً غير أن الترجمة في عمان المعاصرة تلقت دعماً رئيساً باعتبارها موضوعاً أكاديمياً يتم تدريسه في برامج شهادة متخصصة.
  2. الطابع المؤسسي للترجمة: رغم حداثة عمر الترجمة المعاصرة إلا أن الزخم الكبير لها دعا المؤسسات الأكاديمية والثقافية إلى احتضانها وتقديم العون لها بمختلف أشكاله، وهو ما يتجلى في مجموعة الترجمة بجامعة السلطان قابوس والمجموعات الطلابية الشبيهة في الجامعات الأخرى، إضافة إلى هذا اهتمام النادي الثقافي الذي تجلى في "أسرة الترجمة".
  3. تزايد عدد المترجمين وتنوع اهتماماتهم: يرى المتابع للترجمات التي تنشر التزايد المستمر للمترجمين وكذلك تزايد اهتماماتهم، فالترجمات تشمل الدراسات الثقافية والنصوص الثقافية المتنوعة التي تأتي فنون الأدب على رأسها.
  4. تفاعل الترجمة مع الظواهر الأساسية في الثقافة العمانية المعاصرة: تتميز الدراسات العمانية المعاصرة في المجالات الإنسانية بسمة رئيسة تكاد تلازم أغلب الدراسات وهي ما أسميها بعملية إعادة اكتشاف/إنتاج الهوية الثقافية العمانية، أي أن هذه الدراسات بدأت تنقب في التاريخ المعرفي العماني والعربي والعالمي بحثاً عن كل ما يتعلق بعمان في هذا التاريخ المعرفي، فظهرت دراسات تحمل عناوين مثل "عمان في الشعر الإنجليزي"، "تاريخ الصحافة العمانية" و"عمان في الصحافة الأمريكية في القرن التاسع عشر" وغيرها من العناوين الشبيهة. وتتعدد أسباب هذه الظاهرة غير أنه يمكن القول أن أهم أسبابها هو أن الباحثين العمانيين المعاصرين وجدوا أن عمان كنزي بحثي لم يطرق بعد فأخذوا في محاولة التقرب منه وإبرازه، وكان توفر المصادر معيناً رئيساً في هذا التوجه.

إننا لا نشير إلى هذه الظاهرة لنمدحها أو لننتقدها، بل أن المهم هو فهمها ورؤية محاسنها ومساوئها. فيما يتعلق بالترجمة تجلت ذات الظاهرة (أعني ظاهرة إعادة اكتشاف/إنتاج الهوية الثقافية العمانية) في التنقيب في الآداب الأخرى وترجمة ما له علاقة بعمان فترجم هلال الحجري والمتحدث أمامكم بعض النصوص الأدبية التي تعرضت لعمان في الأدب الانجليزي والأمريكي (وشملت هذه النصوص القصائد والقصص ونصوص الرحالة وغيرها من فنون الأدب)، كما ترجم محمد المحروقي مذكرات حمد المرجبي المعروف بتيبوتيب من اللغة السواحيلية إلى العربية.

استشراف لدور أسرة الترجمة

تعد هذه المحاضرة كما ذكرت فيما تقدم باكورة أنشطة "أسرة الترجمة" وهو ما يفرض عليّ هنا أن أشير إلى بعض النقاط التي أرى أن الأخذ بها قد يفيد هذه الأسرة في أنشطتها:

  1. أن لا توضع أهداف ضخمة للأسرة، فالاهداف المثالية يسيرة التحقق نظرياً ولكنها صعبة التنفيذ عملياً، فليس كل ما يسهل تحقيقه في التفكير والتخيل يمكن أن يكون كذلك في الواقع، لأن للواقع شروطه المتعددة والمعقدة وخصوصاً في مجال تتقاطع فيه العناصر المختلفة من نصوص ومترجمين وناشرين وغيرها من العناصر.
  2. أن يقتصر دور الأسرة في الفترة الأولى على ما يمكن أن نسميه "التنشيط التأسيسي" للترجمة في عمان: تربية الأبناء جزء رئيس من مهام الأسر ولهذا فإن على أسرة الترجمة أن تمنح هذا الدور جل همها في المرحلة الحالية.
  3. توعية المجتمع بالترجمة من خلال حضورر الترجمات ذاتها ومن خلال المحاضرات وحلقات النقاش حول الترجمة.
  4. مناغمة الاهتمام الشخصي مع الحاجة الثقافية: لا يخفى أن الترجمة فن واهتمام شخصي غير أن تنظيماً مؤسسياً مثل "أسرة الترجمة" ينبغي أن تضع خطة لعملها الترجمي، وأرى أن على هذه الخطة أن توائم بين الاهمام الشخصي وقراءة الأسرة لما هو حاجة ثقافية فعلية.
  5. مخاطبة القطاعين العام والخاص لتمويل الترجمات: لنتذكر أن أحد دروس تنشيط الترجمة في العصر العباسي هو دور الدولة ودور بعض العوائل في تمويل الترجمة. إن لهذا فائدة أساسية لا تقتصر فقط على التمويل ذاته بل لتعزيز الالتزام الاجتماعي للمؤسسات وخصوصاً القطاع الخاص.
  6. عدم التنازل عن الجودة في كل مرحلة من مراحل العمل الخاص بالترجمة.


أضع هذه النقاط التي كتبتها باعتبارها رؤوس أقلام لنقاش سيتبع هذه المحاضرة.

أخيراً أود أن أتقدم بشكري الجزيل على هذا التكليف الكبير بأن أكون أول متحدث في أنشطة أسرة الترجمة، كما أشكر النادي الثقافي العزيز على جهده المؤسسي الدؤوب لتجذير الفعل الثقافي العماني. ولكم جميعاً الشكر.

الثلاثاء، 8 يوليو 2008

الإسلام والعرب في كتاب فوكوياما "ما بعد المحافظين الجدد"

الإسلام والعرب في كتاب فوكوياما "ما بعد المحافظين الجدد"

عبدالله الحراصي

ليس من المألوف أن ينقلب المفكر على نفسه، خصوصاً إن كان هذا المفكر من الصنف الذي يعد من "المتشددين" فكرياً وذوي المواقف الحدّية، غير أن فرانسيس فوكوياما في كتابه الجديد "ما بعد المحافظين الجدد" (نشر عام 2007، والناشر دار بروفايل بوكس بلندن) قد قدم، وبشجاعة منقطعة النظير، نقداً قاسياً معمقاً لأفكار المحافظين الجدد، تلك الأفكار التي كانت قطب الرحى في فكره حين كان من أبرز حملة لواءها في أمريكا والعالم من خلال كتاباته المتعددة وأشهرها كتاب "نهاية التاريخ". ففوكوياما القديم كان يتبنى نظرة ثقافية للوضع السياسي في العالم الاسلامي، وتتجلى هذه النظرة على سبيل المثال في قوله "يبدو بالفعل أن هناك شيئاً ما يتعلق بالاسلام، أو بصور الاسلام المتشددة التي انتشرت في الأعوام الأخيرة، يجعل المجتمعات الاسلامية تحديداً مقاومة للحداثة"، أما فوكوياما الجديد فلا يرى الخلل في الاسلام ذاته ولا يعده خطراً بل أن مكمن الخطر هو الحركة الجهادية التي ينبغي النظر اليها في سياقها التاريخي وليس باعتبارها تعبر عن الاسلام ذاته.

يقدم فوكوياما في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان "الخطر والمخاطرة والحرب الوقائية" تحليلا لما تسميه دوائر متعددة في الغرب "الخطر الاسلامي" الذي عبر عن نفسه في هجمات مختلفة على المصالح الغربية كان أبرزها أحداث 11 سبتمبر، وهذه الهجمات قد أثبتت بأن المفاهيم الراسخة في دراسة العلاقات الدولية لم تعد ذات جدوى في فهم الواقع السياسي الدولي وفي التفاعل معه، فقد أثبت الفاعلون السياسيون خارج إطار الدول (مثل تنظيم القاعدة) قدرتهم على التسبب في فوضى عارمة في السياسة العالمية، وهذا يعكس عدم الجدوى النظرية والفعلية للتصور التقليدي القائل بأن الدول هي وحدها الفاعلة على الساحة الدولية، كما أن مفهوم "الردع" لم يعد ذا جدوى كذلك لأنه يقوم على فكرة الدولة الفاعلة.

وحقيقة ما حدث صبيحة 11 سبتمبر هو موضوع خلاف بين الأمريكان والاوروبيين، ففيما يرى الامريكان بأن هذه الهجمات فاتحة لهجمات أخرى ومعركة ضخمة بين الغرب الديمقراطي والارهاب الاسلامي وبأن الأسوأ قادم لا محالة، بل أن هذا الأسوأ قد يتخذ شكل هجوم نووي على أمريكا، فان الاوروبيين الذين خبروا الارهاب في أراضيهم (في ايرلندا واقليم الباسك في اسبانيا مثلاً) لا يرون في أحداث 11 سبتمبر الا "حدثاً ناجحاً منقطع النظير" أي أن العالم لن يشهد حدثاً إرهابياً بنفس درجته.

ويتساءل فوكوياما عن حقيقة الخطر الاسلامي: أيتمثل في مجموعة من الناس الخطرين الذين تصادف أنهم مسلمون، أم أن الخطر يتمثل فعلاً في جزء كبير من مسلمي العالم؟ يرفض فوكوياما الاحتمال الثاني ويقول بأن أمريكا لا تحارب الاسلام أو المؤمنين به بل أن ما تحاربه هو "عقيدة راديكالية تستهوي أقلية صغرى من المسلمين"، ولهذا فانه يدعو إلى توخي الحذر في التعامل مع المصطلحات واستخدامها، ويفضل استخدام "الجهاد" (أو "الاسلام الراديكالي") عوضاً عن "الاصولية الاسلامية" لأن "الأصولية الاسلامية" تدعو إلى حياة إسلامية لا تشوبها الشوائب، وعوضاً عن مفهوم "الاسلاميين" الذي يشير إلى أولئك السياسيين الذين يستخدمون العملية الديمقراطية لجلب الدين إلى الحياة العامة "ولكن ليس بطرق معادية للديمقراطية بالضرورة".

كما أن فوكويا يسلط الضوء على الآراء المتعلقة بخطر الجهاديين على الغرب، ويقول بأن إحدى الرؤى تضخم هذا الخطر ويمثل هذه المدرسة بعض المفكرين مثل تشارلز كراوثامر الذي يعتقد بأن الحركة الجهادية تقوم على الاسلام ذاته وخصوصاً على "عقيدة الشهادة"، ويرى فوكوياما بأن مثل هذه الرؤى تتعامل مع خطر الجهاديين على الولايات المتحدة على نحو يفوق حجمه الحقيقي.

أما أبرز تحليلات فوكوياما حول الحركة الجهادية وأكثرها إثارة للدهشة في كتاب "ما بعد المحافظين الجدد" فيتمثل في اعتقاده بأن للغرب نصيب من نشوء وتطور الجهاديين يماثل نصيب الاسلام ذاته، وبأن الجهاد "يستهوي ذات الافراد المهمشين الذين لو عاشوا في أجيال سابقة لجذبتهم الشيوعية أو الفاشية"، فكثير من الجهاديين، بحسب فوكوياما، لم يأتوا من الأراضي الاسلامية بل انهم من المسلمين الذين تربوا وترعرعوا في اوروبا الغربية، كما أن الظاهرة الجهادية هي ظاهرة غربية فهي نتاج للحداثة لأنها، مثل الشيوعية والفاشية، تحاول عولمة معتقدها وتبحث عن هوية خاصة في عالم متعدد الثقافات. كما أن المفاهيم التي تتكرر في الخطاب الجهادي هي مفاهيم غربية و ماركسية-لينينية في الأصل، مثل مفاهيم "الثورة" و "المجتمع المدني" و"الدولة".

ولكن ما علاقة هذا بالسياسة الخارجية الغربية وخصوصاً تلك الخاصة بالولايات المتحدة الامريكية؟ ينبغي أولا تتبع العقيدة الجهادية في أوروبا الغربية وليس في العالم الاسلامي. إضافة إلى ذلك فإن الديمقراطية ليست حلاً، لأن من هاجم نيويورك وواشنطن ومدريد وأمستردام ولندن عاشوا أغلب حياتهم في الغرب أو أنهم قد خبروا الحياة في المجتمعات الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك فإن بحوثاً جادة قد أجريت وأوضحت بأن أغلب العرب والمسلمين لا يكنون حقداً أو عداءً للولايات المتحدة، لكنهم يكرهون السياسة الخارجية الأمريكية، وخصوصاً ذلك التأييد غير المحدود لاسرائيل والدكتاتوريات في العالم العربي.

بل أن فوكوياما يرى في الاسلاميين المعاصرين بشير خير لمستقبل العالم الاسلامي، ويقتبس من أوليفر روي الذي يرى أوجه شبه بين الاسلاميين والسني الأولى في حركة الاصلاح البروتستانتي، فالاثنان يرغبان في صور أكثر عالمية للدين من تلك الموجودة، والاثنان يفهمان الدين باعتباره التزاماً شخصياً، "وهذا يضع الاساس للفردية الحديثة، حيث تتحول الهوية الدينية خيار يرتبط بنمط حياة الفرد وليس شرطاً اجتماعياً إلزامياً". ويتنقد فوكوياما المفكرين الغربيين الذين سفحوا الدموع على غياب مارتن لوثر المسلم لأن هؤلاء المفكرين نسوا بأن لوثر لم يبشر بالليبرالية بل بموجة من التشدد والتعصب (مارتن لوثر هو المفكر الذي قاد عملية الاصلاح ضد الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر). وقد هيأت البروتستانتية السياق لحياة علمانية حديثة من خلال عملية طويلة الأمد استمرت لقرون عديدة استطاعت من خلالها فصل الدولة عن الكنيسة. وفي حالة الاسلام فاننا لا نملك، بحسب فوكوياما، إلا "أن نأمل في جدول زمني أكثر تسارعاً" من ذلك الذي شهده الغرب.

إن هذا "الأمل" الذي يعبر عنه فوكوياما هو مؤشر على تراجع عن عقيدة المحافظين الجدد التي تقوم على ترجمة "الآمال" إلى واقع ملموس من خلال فرضهم لرؤيتهم حول نشر الديمقراطية ومنازلة الدكتاتوريات في العالم، وخصوصاً في العالمين العربي والاسلامي بعد 11 سبتمبر. تبدو آراء فوكوياما حول الاسلام والعرب واقعيةً، بل أنها أقرب للرؤية الواقعية السياسية (التي يتبناها كسنجر مثلاً) التي ترى بأن العالم مكون من نظم حياة وأنظمة حكم تختلف عن بعضها البعض نتيجة لاختلاف التراث والتاريخ.

ها نحن إذاً أمام فوكوياما جديد. كان فوكوياما القديم يشدد على كراهية عربية اسلامية لأمريكا و"ما تمثله" من قيم، أما فوكوياما الجديد فيرى بأن الوقائع والدراسات تفيد بأن معظم المسلمين "لا يكرهون الولايات المتحدة ولا الغرب في ذاتهما، بل [انهم يكرهون] السياسة الخارجية الأمريكية". كذلك فإن فوكوياما القديم يعتقد بأن الاسلام "هو المنظومة الثقافية الوحيدة التي يبدو بأنها تنتج على نحو منتظم أناساً مثل اسامة بن لادن أو طالبان الذين يرفضون الحداثة بقضها وقضيضها.

ولكن برغم كل الرؤى الإيجابية التي طرحها فوكوياما حول العرب والمسلمين في كتابه "ما بعد المحافظين الجدد" إلا أن آراءه حول دور اسرائيل في العلاقة العربية الأمريكية تستحق وقفة خاصة، ويمكن ضرب مثالين من الكتاب لتوضيح أهمية هذه الوقفة. ففوكوياما الذي يعتقد أن العرب يكرهون السياسة الخارجية الأمريكية وليس أمريكا ذاتها يوافق كلاً من باري روبن وماكس بوت في رأيهما القائل بأن نقد العرب لمساندة الولايات المتحدة لاسرائيل "ليس الإ تعويض عن عدم رضاهم عن نظم حكمهم غير الديمقراطية التي لا يستطيعون مهاجمتها مباشرة"، والحقيقة التي يشعر بها أغلب العرب والمسلمون هي أن هذا الاستنتاج ليس استنتاجاً صائباً فقضية العرب والمسلمين مع اسرائيل هي قضية تختلف عن قضيتهم مع نظم الحكم غير الديمقراطية السائدة في العالم العربي والاسلامي، فاسرائيل نشأت في أرض عربية هي أرض فلسطين التي لها قدسية دينية اسلامية، كما أنها ما تزال تحتل أراضٍ عربية، ولهذا فإن كره الدعم الأمريكي لإسرائيل هو رفض لحقيقة أن أمريكا تدعم دولة محتلة وليس غطاءاً لكراهية الحكام العرب.

إضافة إلى ذلك فإن فوكوياما يعترف بأن دعم امريكا غير المحدود لاسرائيل هو سبب الكراهية المنتشرة في أوساط العرب والمسلمين للسياسة الخارجية الأمريكية، غير أنه سرعان ما يتراجع عن ما يمكن أن يفهم على أنه نتيجة منطقية لهذا الاستنتاج بقوله "غير أن هذا لا يعني أن نجادل بأن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن اسرائيل لتهدئة غضبهم [أي العرب والمسلمين]، بل [أن على الولايات المتحدة] أن تدرك لذلك الدعم أثمان [يتوجب عليها أن تدفعها]". إننا لو أغفلنا موضوع أهمية ووزن الأثمان التي يتوجب على أمريكا دفعها لقاء دعمها غير المحدود لإسرائيل، وهذا بطبيعة الحال موضوع كبير يتجنب أغلب المفكرين الغربيين والأمريكان خصوصاً الدخول فيه مباشرة لأسباب معروفة يأتي على رأسها التأثير الضخم للوبي الاسرائيلي، فإن من المستغرب حقاً أن مفكراً بحجم فوكوياما لا يجد نفسه في موضع من يستطيع أن يرى "طريقاً ثالثاً" لممارسة سياسة خارجية يمكنها أن تناغم بين إرضاء العرب والمسلمين وعدم التخلي عن اسرائيل. إن عدم القدرة على رؤية مثل هذا الطريق الثالث من قبل المفكرين والسياسيين الغربيين، وخصوصاً الأمريكان، هو، ويا للأسى، جزء لا يتجزأ من أسباب التوتر وغياب الثقة السائدين حالياً بين العرب والمسلمين في جانب والغرب والولايات المتحدة في الجانب الآخر.

الثلاثاء، 1 يوليو 2008

عبدالله الحراصي يتهم عصام عبدالله بنقل مقاله (التمثيل والاستعارة)

تنشر نزوى هذه الرسالة ، بعد أن أرسلها الدكتور عبدالله الحراصي الى ملحق «آفاق» بجريدة الحياة، ولم تنشر في هذا الملحق رغم حق كاتبها في نشرها. ان نشر هذه الرسالة في مجلة «نزوى» يأتي من منطلق مهني لأن دراسة الدكتور عبدالله الحراصي التي يشير اليها قد نشرت في العدد 20 من المجلة.

الأستاذ محرر ملحق آفاق:

انطلاقاً من تقديري الكبير لدور ملحقكم الثقافي «آفاق» في نشر الثقافة الجادة والأصيلة وبث روح الحراك في هذه الثقافة بما هو رصين وحقيقي من إبداع أدبي وثقافي بشتى أشكاله أود أن ألفت نظركم إلى أن المقال الذي نشره عصام عبدالله (وهو أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس المصرية) في ملحق «آفاق» يوم الثلاثاء 31 يناير 2006 والذي حمل عنوان «التمثيل والاستعارة» يحتوي في جزئه الأكبر على نقل حرفي في أغلبه من إحدى دراساتي المتعلقة بالاستعارة المفهومية سبق أن نشرتها في مجلة نزوى دون أي إشارة من قبل عصام عبدالله إلى تلك الدراسة. إن عدد الكلمات التي احتوى عليها مقال الدكتور عصام عبدالله هو 693 كلمة نقل الجزء الذي يتحدث فيه عن الاستعارة (وعدد كلماته 428 كلمة، أي نحو 62 % من متن المقال) من دراسة نشرتها تحت عنوان «الاستعارة والتجربة والعقل المتجسد» في العدد 20 من مجلة نزوى العمانية (ويمكن الرجوع إلى نص تلك الدراسة على العنوان الالكتروني التالي http://www.nizwa.com/volume20/p25_35.html ) وظهرت نفس الدراسة في كتابي «دراسات في الاستعارة المفهومية» الصادر عام 2002 (كتاب نزوى).

وحتى أوضح لكم وللقارئ الكريم حقيقة هذا النقل شبه الكامل أنقل لكم في البدء الجزء الخاص بالاستعارة في مقال عصام عبدالله:

« بيد ان المادة عموماً تلعب الدور الأساس في تشكيل تصوراتنا وأفكارنا المجردة. وأن الاستعارة هي ظاهرة ذهنية قبل أن تكون ظاهرة لغوية، أو قل أن الثانية تجلٍ للأولى. إن عالم الأشياء المادية هو المعروف لدينا، بينما عالم الأفكار هو عالم مجرد يستحيل التفكير فيه من دون استخدام ما نعرفه عن الأمور المادية، وهنا يأتي دور الاستعارة، بحيث ننقل ما نعرف من الظواهر المادية لنشكل ما لا نعرف من الظواهر غير المادية والتجريدية. معنى ذلك أن الاستعارة لا تقوم على «التشبيه» وإنما على «التشكيل»، فهي ليست فقط أسلوباً بلاغياً، لكنها طريقة تفكير تتم بها إعادة تشكيل الخرائط الذهنية والمفاهيمية، وكسر دوائر الإدراك الجامدة، أي أنها أداة لتطوير المفاهيم والنقلات المفاهيمية، كما أنها وسائل للإدراك ولخلق الواقع، وليست مجرد وصف أمين له، وهذا المعنى يختلف عن معنى الاستعارة منذ أرسطو. وديكارت هو أول من دشن في العصر الحديث فكرة أن المعرفة «رؤية ونور». وأقام منهجه على أساس المعرفة اليقينية التي لا يطالها أي شك من خلال رفض كل معرفة احتمالية والوثوق بما هو معروف معرفة تامة، وما هو غير قابل للشك. ونظر الى العقل باعتباره مسرحاً فكرياً توجد فيه مواد استعارية (هي الأفكار) يضيئها نور داخلي (نور العقل الطبيعي) ويراقبها مشهد استعاري (هو قدرتنا على الفهم). ويسمي ديكارت الرؤية العقلية حدساً وهو ما يمكنه من رؤية الأفكار واضحة ويميز في ما بينها. وأثبت كل من لاكوف وجونسون في كتابهما «الاستعارات التي نحيا بها» عام 1980، بأن قناعة ديكارت في العقل الذي يستطيع أن يعرف أي شيء، تستند إلى مجموعة من الاستعارات «المنسوجة ببعضها على نحو محكم، وأهم هذه الاستعارات وأكثرها أساسية هي (المعرفة رؤية) والتي تنقل مجال رؤية الأشياء المادية من طريق العين إلى مجال المعرفة وفهم الأشياء. إن استعارة (المعرفة رؤية) من الاستعارات التقليدية المألوفة في فهم المعرفة العام، كأن نقول «رؤية ثاقبة» أو «رؤية صائبة». ومن هنا فإن كل ما قام به ديكارت هو أنه أخذ هذه الاستعارة على أساس أنها حقيقة فلسفية، فاعتقد أن أهم مشكلات المعرفة هو إمكان أن تكون لدى الإنسان رؤية واضحة لا يشوبها أي غموض، وهنا فإن مشكلة المنهج الفلسفي تغدو مشكلة كيفية رؤية الأفكار رؤية واضحة وتقديمها للعقل كي يتفحصها وأن يميز العلاقات الموجودة بين الأفكار المختلفة. كما استخدم ديكارت استعارات أخرى كاستعارة «العقل حاوٍ للأفكار» مثل «سلة التفاح» وأن قدرات العقل هي أشخاص يقومون بمهام عقلية مختلفة، بحيث يربط في ما بين هذه الاستعارات لينتج منظومة استعارية معقدة تميز مفهومه للحدس أو كما يقول لاكوف وجونسون: العقل، ذلك الشخص في المسرح الديكارتي القادر على الفهم، يتم تصوره من خلال استعارة «الفهم رؤية» باعتباره شخصاً قادراً على الرؤية. كذلك فإننا إذا أضفنا استعارة «الأفكار أشياء» إلى استعارة «العقل حاوي الأفكار» ينتج لدينا أمر لازم هو أن الأفكار هي أشياء موجودة في العقل.»

والتالي هو النص الأصلي الذي ظهر في دراستي السابقة الذكر:

«. الاستعارة أساسا ليست من أمر اللغة وإنما هي ظاهرة ذهنية قبل أن تكون لغوية... يحدث هذا لأن عالم الأشياء المادية معروف لدينا معرفة جيدة بينما عالم الافكار هو عالم مجرد يستحيل التفكير فيه دون استخدام ما نعرفه عن الأمور المادية، وهنا ياتي دور الاستعارة، حيث ننقل ما نعرف من الظواهر المادية لنشكل ما لا نعرف من الظواهر غير المادية والتجريدية. هذا بالتالى يدل على أن الاستعارة لا تقوم على التشبيه وإنما على التشكيل»

«فقد قام منهج ديكارت على أساس المعرفة اليقينية التي لا يطالها أي شك من خلال رفض كل معرفة احتمالية والوثوق بما هو معروف معرفة تامة وما هو غير قابل للشك. وقد قامت رؤية ديكارت للعقل باعتباره مسرحا فكريا توجد فيه مواد استعارية (هي الأفكار) يضيئها نور داخلي (نور العقل الطبيعي) ويراقبها مشاهد استعاري (هو قدرتنا على الفهم). ويسمى ديكارت الرؤية العقلية حدسا وهو ما يمكنه من رؤية الأفكار واضحة ويميز فيما بينها.»

«ويتساءل لاكوف وجونسون عما يجعل ديكارت يعتقد بأن العقل يستطيع أن يعرف أي شيء، ويجادلان بأن تفسير ديكارت يستند على مجموعة من الاستعارات «المنسوجة ببعضها على نحو محكم» وان أهم الاستعارات وأكثرها أساسية في نظرية ديكارت هي المعرفة رؤية والتي تنقل مجال رؤية الأشياء المادية عن طريق العين إلى مجال المعرفة وفهم الأشياء»

«إن استعارة المعرفة الرؤية تعتبر من الاستعارات التقليدية المألوفة في مفهوم المعرفة العام كما أشرنا قبلا في شرحنا لها، حيث إننا نستخدم هذه الاستعارة على نحو مألوف فنقول مثلا «رؤية صائبة»، «أرجو إيضاح فكرتك» الخ. وهنا فإن كل ما قام به ديكارت هو انه اخذ هذه الاستعارة على أساس أنها حقيقة فلسفية، فأعتقد أن أهم مشاكل المعرفة هو إمكانية أن يكون لدى الإنسان رؤية واضحة لا يشوبها أي غموض، وهنا فإن مشكلة المنهج الفلسفي تغدو مشكلة كيفية رؤية الأفكار رؤية واضحة وتقديمها للعقل كي يتفحصها وان يميز العلاقات الموجودة بين الأفكار المختلفة»

«إضافة إلى هذه الاستعارة الأساسية فإن ديكارت استغل استعارات أخرى كاستعارة العقل حاوي للأفكار وان قدرات العقل هي أشخاص يقومون بمهام عقلية مختلفة، حيث يربط ديكارت فيما بين هذه الاستعارات لينتج منظومة استعارية معقدة تميز مفهومه للحدس او كما يقول لاكوف وجونسون.»

لا شك عندي بأن المقارنة بين النصين تكشف عن أن الجزء الخاص بالاستعارة في مقال عصام عبدالله منقول نقلاً شبه كامل من دراستي المنشورة في مجلة نزوى وفي كتابي «دراسات في الاستعارة المفهومية» وهو نقل غير مبرر على الإطلاق على النحو الذي ظهر عليه، وقد تمنيت أن يكون هذا النقل أميناً بحيث يمكنني القول بأن أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس قد فاته سهواً الإشارة إلى المصدر غير أن بعض الإضافات البسيطة مثل التعبير (مثل «سلة التفاح») وبعض الكلمات المتفرقة المضافة هنا وهناك تكشف عن سعي لتغيير بسيط للنص الأصلي، كما تمنيت لو كان الاستاذ الكريم قد طور في مقالته تلك بعض الأفكار الواردة في دراستي سواء على المستوى النظري أو على نصوص أو أمثلة جديدة على نحو يضيء جوانب أخرى لم تتطرق إليها الدراسة، غير أن حضور التغييرات البسيطة وغياب التطوير النظري أو التطبيقي هما أمران لم يساعداني كثيراً في إقناع نفسي بفرضية السهو الأمين في تفسير هذا النقل.

مع شكري وتقديري لكم

الدكتور عبدالله الحراصي

جامعة السلطان قابوس، مسقط

عبدالله الحراصي يتهم عصام عبدالله

بنقل مقاله (التمثيل والاستعارة) كما توضح الرسالة التالية









تصميم الحاسب الشامل