الأربعاء، 19 يوليو 2006

قصة قصيدة أمريكية في الثناء على السيد سعيد بن سلطان

صفحة من تاريخ العلاقات العمانية الأمريكية:

قصة قصيدة أمريكية في الثناء على السيد سعيد بن سلطان

"أنبل ملوك بلاد العرب"

تقديم وترجمة عبدالله الحراصي

مقدمة

وصلت إلى مسقط بتاريخ 18 سبتمبر 1833 سفينة أمريكية اسمها "البيكوك" (الطاووس) تحمل وفداً أمريكياً على رأسه إدمند روبرتس، المبعوث من قبل الحكومة الأمريكية إلى السيد سعيد بن سلطان لعقد اتفاقية صداقة وتجارة تؤطر العلاقات التجارية المتنامية بين الجانبين العماني والأمريكي، وقد حمل هذا المبعوث رسالة من الرئيس الأمريكي جاكسون رداً على رسالة كان السيد سعيد بن سلطان قد بعثها له تتعلق بتعزيز العلاقات العمانية الأمريكية. وقد وافق السيد سعيد على بنود الاتفاقية التي اقترحها روبرتس، ووقعها الطرفان العماني الذي يمثله السيد سعيد بن سلطان والأمريكي الذي يمثله روبرتس بتاريخ 3 أكتوبر 1833.

وعندما عاد روبرتس إلى الولايات المتحدة الأمريكية وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على المعاهدة وصدق عليها الرئيس الأميركي في 30 يونيو 1834. وقررت الحكومة الأمريكية أن تبعث روبرتس مرة أخرى على متن السفينة "البيكوك" إلى مسقط لتبادل وثائق التصديق على المعاهدة، وهكذا غادر في 25 مارس 1835 إلى مسقط، غير أنه قبل أن يصل اليها، وبالتحديد في يوم 25 سبتمبر اصطدمت السفينة بحيد مرجاني بالقرب من جزيرة مصيرة مما أدى إلى توقفها تماماً، فحاول بحارة السفينة جهدهم تحريك السفينة بطرق مختلفة من بينها رمي كميات كبيرة من حمولتها ومن مدافعها غير أن كل جهودهم باءت بالفشل. وعندما فقد البحارة الأمل في تحريك السفينة قرر روبرتس أن يركب أحد المراكب الصغيرة التي تحملها السفينة لمثل هذه الحالات ومعه سبعة من البحارة وأن يذهب إلى مسقط طلباً للنجدة، وما أن وصل مسقط وعرف السيد سعيد بن سلطان بحال السفينة حتى بعث في الحال سفينته المعروفة "سلطانة" (التي ذهبت بعد عدة سنوات في رحلة دبلوماسية-تجارية إلى نيويورك) وبعث برسالة إلى والي صور بأن يعمل كل ما يمكن عمله لانقاذ السفينة وحماية طاقمها وحمولتها. وعندما وصلت السفينة "سلطانة" إلى المنطقة انفرجت أسارير بحارتها عندما علموا بأن قبطان السفينة "البيكوك" استطاع بعد جهد جهيد تحريكها واعادتها إلى مسارها البحري إلى مسقط.

وقد كان لعون السيد سعيد بن سلطان السريع للسفينة "البيكوك" وقع عظيم في أمريكا، حيث غمرت الشعب الأمريكي والحكومة الأمريكية مشاعرُ الامتنان والشكر للسيد سعيد، فنجد مثالاً على هذا رسالة من الرئيس الأمريكي فان بورين إلى مجلسي الشيوخ والنواب يشير فيها إلى الاتفاقية الموقعة مع السيد سعيد ويثني على نتائجها ويقول "ولدينا الآن من الأسباب التي تجعلنا نهنئ أنفسنا على بوادر منافع تجارية كبيرة، كما تلقينا من سلطان مسقط برهاناً سريعاً على رغبته في تنمية المشاعر الأكثر مودة معنا بأفعاله الكريمة التي تلقتها منه إحدى سفننا، وهي مساعدة تمت على نحو مذهل يستوجب منا الاقرار بالشكر والثناء الجزيل له." (نشرت هذه الرسالة في "مجلة مجلس الشيوخ" يوم الثلاثاء 5 ديسمبر 1837)

وفي عام 1838 زارت مسقط السفينة "كولومبيا" التي بعثتها الحكومة الأمريكية لتعزيز العلاقات مع مسقط ودول أخرى مثل سيام (تايلند) التي وقع معها روبرتس اتفاقية صداقة وتجارة شبيهة بتلك التي وقعها مع السيد سعيد بن سلطان، وقد دون قسيس السفينة فتش دبليو تايلور Fitch W. Taylor قصة هذه الرحلة في كتابه "سفينة العَلَم: أو رحلة حول العالم على متن سفينة الولايات المتحدة كولومبيا" الذي نشره عام 1840. وفيما يخص مسقط يذكر تايلور بأن الوفد عَلِمَ حينما وصل مسقط أن السيد سعيد بن سلطان غادر مسقط إلى زنجبار بعد مغادرة "البيكوك" لمسقط في عام 1835 وأن ابنه (السيد ثويني) ينوب عنه في مسقط. وقد التقى الوفد مع السيد ثويني وأبدى له المشاعر الطيبة التي يكنها الشعب الأمريكي والحكومة الأمريكية للسيد سعيد بن سلطان وخصوصاً لما قدمه من مساعدة سريعة للسفينة "البيكوك"، وقد ذكر رئيس الوفد القومودور ريد Commodore Read للسيد ثويني أن القسيس تايلور قد كتب رسالة وعدة أبيات من الشعر ليقدمها بنفسه للسيد سعيد بن سلطان ولكن لأن السيد سعيد غير موجود في مسقط فإنه سيقدمها له ليسلمها لوالده. وقد كتب تايلور رسالة للسيد ثويني يقول فيها "كنا نأمل في أن نحظى بلقيا صاحب السمو والدكم المجيد، ولكن لغيابه فانا نشعر بالسعادة لأن نتشرف بأن نبعث له، عن طريق سموكم، آيات الشكر والثناء التي يستمر في الشعور بها كل مواطن أمريكي وكذلك حكومة الولايات المتحدة نحو والدكم المجيد، وأسرته المنقطعة النظير، لفعله الحميد تجاه ضباط السفينة الأمريكية بيكوك وبحارتها حينما كادت أن تُفقَد عند مصيرة".

ولأهمية هذه القصة في التاريخ العماني المعاصر وفي العلاقات العربية - الأمريكية على وجه العموم والعمانية - الأمريكية على وجه الخصوص أقدم فيما يلي ترجمة لرسالة تايلور للسيد سعيد بن سلطان وللقصيدة التي كتبها تعبيراً عن مشاعر الأمة الأمريكية وثناءها على السيد سعيد.


رسالة فتش دبليو تايلور إلى السيد سعيد بن سلطان

"صاحب السمو سلطان مسقط

ليغفر سموكم جرأة من يجل شخصكم العظيم العالي المقام فأبعث لسموكم بالأبيات الشعرية المرفقة هذه الأبيات برهاناً على مشاعر الإعجاب والثناء الصادق التي لا يشعر بها من أعماق الفؤاد كاتب الأبيات فحسب بل كل من تنامى إلى مسامعه كريم الفعل وشريف الفضل الذي أسديتموه لضباط وطاقم إحدى سفن الولايات المتحدة الأمريكية التي كادت أن تجنح على ساحل الجزيرة العربية.

فلتتقبل سموكم أصدق الأمنيات من الكاتب بأن يمد الله في عمركم وأن يكلأ سني عمركم بالسعادة، فقد كانت سني كرم جزيل ومجد أثيل.

فتش دبليو تايلور

قسيس الفرقاطة الأمريكية كولومبيا

ميناء مسقط 18 أكتوبر 1838"


قصيدة ثناء على السيد سعيد بن سلطان، سلطان مسقط

كتبها فتش دبليو تايلور

ترجمة عبدالله الحراصي

سلطان مسقط! إن قصتك المجيدة

تحيا حيث يسقط على الأرض آخرُ أشعة النهار،

واسمك الذي سار ذكره في آفاق المجد المشرقية

تشيد بمكارمه الألسن في المجالس الغربية.

ها قد ركبنا البحار من أقاصي الأرض إلى مياه عُمان

لنزجي لكَ من أمتنا أجزل الثناء،

ولك يدوم دعاء الألوف من أبنائنا وبناتنا

إلى أبد الدهر، يا أمير بلاد العرب.

لا أصفى لآليء مغاوص البحرين ودررها،

ولا أنفس ألماس المناجم المشرقية،

ولا الذهب المنضود عند أمجد الملوك،

عساها أن تشغف قلوبَ أهل البقاع الغربية،

غير أن سَلِس معشرك ومحمود فعالِكَ

التي فرجت بها كربة أبناء أمتنا الجانحين

قد لامست نفس أمتنا المدينة لك بالفضل،

فهي لذا تلهج بالثناء على أمير بلاد العرب.

فلتصدح بمثلك نغمات الأبواق

في الألحان العسكرية،

ولتشدو بذكر محامدك في أبيات رفيعة المجد

قيثاراتُ المنشدين ونبوءات المتنبئين،

ولتتلألأ بنور أسمك ومروءتك

لفائفُ قصص التاريخ والصفحات التي لا تبهت

كي تؤرخ للأزمنة السرمدية

سيرة سخي المكارم أمير بلاد العرب.

واسمك المنير المتدفق بالمجد،

سينير صفحة قصة المستقبل،

وسيشد سطوع أسمك أنظار الشيب والشبان

عن وميض جميع نظرائك،

ولكن بريق بقية الأسماء لربما خفت،

مثلما تذوي أشعةُ الشهب،

أما مناقبك الجميلة فستنير للأبد

يا أيها الجليل، أمير بلاد العرب.

يا بلاد العرب التي ذكرتها القصص القديمة،

لقد تعلمنا في صبانا شهرتك

وأن سحر الجان يحيا في اسمك

وصحاريك وخضرتك وزعمائك،

حيث المجد يكلل الجميع،

غير أن ياقوت الجبال والمرّ والطِيِب

وسِيَر الأقدمين المجيدة

سرعان ما تتلاشى جميعها

حين يبوح الشعر بذكر المجيد، أمير بلاد العرب.

فلتصحبك السكينة في علياء المجد

الذي يتوج بقاعك المشرقية وكنوزك الذهبية،

ولتشرق سنينُ الحياةِ طويلةً أمامك

لتملأ كأس متعتك،

وحيث تأوي الشمسُ أخيراً إلى مستقرٍ به تستريح

هناك بعيداً فوق البحار العميقة الزرقاء الواسعة،

هناك سَيُبارَك ذكرُ سعيد بن سلطان،

أنبل ملوك بلاد العرب.

Your browser may not support display of this image.

[تعليق أسفل الصورة الملحقة]

"صورة لمسقط رسمت عام 1838، من كتاب تايلور الصادر 1840"]

Your browser may not support display of this image.

السيد سعيد بن سلطان