الثلاثاء، 28 يونيو 2011

دعوة لنقاش عام حول التعليم في عمان






دعوة لنقاش عام حول التعليم في عمان
عبدالله الحراصي


(نشر في جريدة "عمان" يوم الثلاثاء 28 يونيو 2011م)


كتبت قبل نحو العامين مقالًا عنوانه "حول ضرورة إنشاء جامعات حكومية جديدة"، وكانت الفكرة المحورية فيه هي ضرورة تحرك الدولة العمانية نحو فتح جامعات حكومية جديدة، وأن يكون هذا التحرك في أسرع وقتٍ تحت إلحاح ضرورات موجِبة له، أهمها عدم كفاية الجامعة الحكومية الوحيدة (جامعة السلطان قابوس) لتغطية عدد كبير من خريجي المدارس، كما طرح المقال فكرة أن التعليم العالي في عُمان هو "قضية أمن وطني"، ومما ذكرته في هذا الشأن أن التعليم العالي الحكومي "سوف يحمي أمن هذا المجتمع ويحمي أمن الدولة، ويقي المجتمع والدولة عوادي الزمان وتقلب الأحوال التي تنجم عن الجهل وعن غياب الفرص وانغلاق أفق المستقبل الفردي والمجتمعي. هذا الخيار سيحمينا على المستوى الوطني، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وسوف يمنحنا فائدة مضاعفة تتمثل في مجتمع واعٍ وقادرٍ على الإنجاز داخل الوطن وخارجه."
أعود لهذا المقال بعد عامين من نشره ليس للتأكيد على ذات أفكاره بل للنظر في تلكم الأفكار في ضوء التغيرات التي حدثت في عُمان في الفترة الأخيرة. ما حدث أن عُمان شهدت حركة احتجاج قام بها في الغالب شباب يدعون إلى إصلاح الأحوال في عديد من مناحي الحياة العُمانية، وفي الأداء الحكومي خاصّة، ويأتي التعليم في صلب ما طرحه هؤلاء الشباب من إشكالات، كما أتت طروحاتهم لإصلاح الشأن التعليمي في صلب ما يرونه من سبل لحلّ الإشكالات العامة التي تواجه الحياة في عُمان.
ومن الجليّ أن قيادة الدولة أدركت البعد التعليمي في صياغة الواقع العماني من خلال التطورات الأخيرة، فقدمت مبادرات مهمّة في هذا الاتجاه من بينها الأمر السامي بدراسة إنشاء جامعة حكومية جديدة، وهو مطلب وطني حمله الشباب، كما أنه ضرورة وطنية أيضًا، كما أعلنت وزارة التعليم العالي كذلك عن توجيهات سامية بتوفير 8500 بعثة تعليم عالٍ داخلية وخارجية، ما يرفع المقاعد التي تمولها الدولة إلى 28 ألفًا و400 مقعد، مشكلة زيادة قدرها 43% مقارنة بالمخطط له في العام الجامعي 2011-2012م، كما سترتفع الطاقة الاستيعابية في التعليم التقني إلى عشرة آلاف و500 مقعد بزيادة 2000 طالب وطالبة. كل هذه الخطوات وغيرها هي بلا شك خطوات ملموسة تبعث على السعادة والارتياح في المجتمع ونخبه المختلفة، فهي تعكس وعيًا قياديًا بضرورة التعليم، من أجل التطور الاجتماعي العام، ومن أجل درء الإشكالات التي ربما تسبب فيها غياب التعليم وانسداد الآفاق أمام الشباب خصوصًا، والمجتمع على وجه العموم.
ما ينبغي أن يسند هذه الخطوات الطيبة من قبل الدولة هو الدعوة لنقاش عامّ حول قضية التعليم في عُمان. والنقاش العام المطلوب ليس مجرد الكتابة والحديث العام عن التعليم، إنما إيلاء التعليم حقه من التمحيص والدراسة الممنهجة من قبل أخصائيين يمتلكون الخبرة في دراسة الواقع التعليمي وربطه بصور الواقع السياسي والاجتماعي في عُمان، واقتراح آفاق مستقبله ضمن خطة وطنية شاملة. كما أن حضور التعليم العام والتعليم العالي في صلب الاحتجاج وفي صلب الرؤى المقترحة للحلول يعني أن على النخب الاجتماعية والفكرية والثقافية، وعلى مؤسسات الدولة المختلفة أيضًا، التحديد الدقيق للإشكالات التي تعوق التعليم في عُمان، وتمييز تلك الأسباب المرتبطة بالمؤسسة التعليمية في ذاتها، والأسباب الأخرى ذات الطبيعة المنظومية، أي الأسباب المرتبطة بآلية عمل الدولة ككل، إضافة إلى العقبات الثقافية والاجتماعية المختلفة التي تنحو بالتعليم إلى مقاصد واتجاهات ليست هي التي يرغب في الوصول إليها مخططو التعليم ومخططو الاستراتيجيات الوطنية الشاملة، إضافة إلى الاتجاهات الجديدة التي يستحسن أن يسلكها التعليم في ظل فترة تغيير تشهدها عُمان، والمنطقة العربية بأكملها.