السبت، 26 سبتمبر 2009

ريتشار داوكنز، خارجاً من صندوق بريدي مرتين في يوم واحد



أستمتع بالذهاب إلى مكتب بريد الجامعة لإحضار بريدي مرّة كل أسبوع، حيث أجد دائماً شيئاً جميلاً في انتظاري. وهذا الشيء لا يتغير البتة: أعداد من مجلات وصحف اشتركت فيها (لأحافظ على عقلي) من بريطانيا والولايات المتحدة، مثل مجلة New Statesman البريطانية و The New Yorker و The National Geographic و Harper's Magazine الأمريكية بالاضافة إلى مجلات/صحف عرض الكتب مثل London Review of Books و The New York Review of Books. وفي العادة أجد في انتظاري في صندوق البريد كذلك الكتب التي أبتاعها من خلال الانترنت من مكتبة أمازون بفرعها البريطاني الذي صرت وفياً له منذ عام 1996 حين ذهبت للدراسة في برمنجهام البريطانية.

المهم قبل نحو ساعتين ذهبت إلى مكتب البريد في الجامعة. كان في الأنتظار السعيد أعداد من المجلات والصحف، وكتاب جديد من أمازون صدر قبل بضعة أيام فقط في أنجلترا للكاتب البريطاني الشهير المدافع بشراسة عن نظرية التطور ريتشارد داوكنز Richard Dawkins. عنوان هذا الكتاب The Greatest Show on Earth: The Evidence for Evolution (أعظم الاستعراضات على وجه البسيطة: الدليل على صحة نظرية التطور). قرأت بضع صفحات من الفصل الأول المعنون Only A Theory? (أهي نظرية فقط؟)، ووجدته، كعادته دائماً، ينافح عن فكرته القائلة بفشل الرؤية الدينية في تفسير الحياة والصدق التام لنظرية التطور الداروينية.

داوكنز في الصفحات الأولى من هذا الفصل يسوق قارئه بمشهد تخيلي: تخيل انك مدرس تاريخ وتقوم بتدريس تاريخ الحضارة الرومانية، غير أن هناك من يقول لك بأن الحضارة الرومانية لم توجد أصلاً وليست إلا وهماً وأن إيمانك بوجودها ليس إلا نظرية قابلة لأن تكون خاطئة. هنا يطالبك المعترض بأن تدرس رفضه لوجود الحضارة الرومانية على أنه نظرية تقف بنفس مستوى إيمانك بوجود تلك الحضارة. داوكنز يدلل بهذا المثال على ما يراه عبثية مطالب الرؤية الدينية لخلق الحياة التي تسعى إلى تدريس فكرة الخلق في المناهج بإزاء نظرية التطور.

ويقول في الصفحة الثانية من الفصل الأول أن رفض نظرية التطور بدأ يتسرب إلى أوروبا وبريطانيا بعد أن كان حكراً على أمريكا "جزئياً بسبب التأثير الأمريكي، ولكن على نحو أهم بسبب الحضور الإسلامي المتنامي في الصف الدراسي - الذي يغريه الالتزام الرسمي بـ [التعدد الثقافي] وإرهاب فكرة العنصرية".

تركت الكتاب وقلت لأقرأ مجلة The New Statesman (عدد 7 سبتمبر 2009) وهي مجلة يسارية بريطانية، فإذا بي أجد داوكنز مرّة أخرى هنا ولكن هذه المرّة ليس كاتباً لمقال في المجلة، بل خصماً فكرياً لأحد محرري المجلة وأسمه شولتو بايرنز Sholto Byrnes.

عنوان مقال بايرنز Age of Homo religious (عصر الإنسان الديني) وفي مقدمته يقول "عددنا السنوي الخاص بالربّ يكون دائماً من أكثر الأعداد مبيعاً، غير أن هناك كثيراً من قراء مجلة The New Statesman ممن يعتقدون بأنه لا ينبغي أن يكون لنا دخل بالدين. لماذا؟" ثم يستعرض في مقاله هؤلاء الرافضين لحضور الربّ والدين في مجلة يسارية. وفيما يهاجم داوكنز في الفصل الأول من كتابه الفكر الإسلامي الذي يرفض نظرية التطور ويصفه بأنه يعرقل مسيرة العلم في أوروبا وبريطانيا فان بايرنز ينتقد من يهاجم الإسلام تحت شعار العقلانية، ويصف أمثال داوكنز بقوله "كثير من هؤلاء الذين يدافعون عن العقل يقدمون أنفسهم على أنهم بنفس المقدار غير عقلانيين وغير مرنين في رؤاهم"، ويهاجم القراء الذين يطالبون المجلة بأن تكون God-free "خالية من الربّ" بأنهم يطالبون المجلة بأن تتبنى خطها التحريري من ريتشار داوكنز وأن يتفق هذا الخط التحريري معه بأن الدين، في أفضل الأحوال، بنفس مقدار سخف الإيمان بالجنّ الساكنين تحت الحديقة ولكنه، على وجه العموم "سخفٌ أكثر خطراً" وأنه ينتقص من قيمة الحياة الإنسانية.



يدافع بايرنز عن موقف المجلة إزاء أفكار داوكنز وأمثاله بتشديده على أن الدين عاملٌ رئيس في الحياة السياسية المعاصرة، وأنه لا يمكن إقصاءه بجرّة قلم، بل أنه يذهب إلى أبعد من ذلك حين يقول بأن اليسار البريطاني لم يتخذ من أفكار كارل ماركس منطلقاً له بل من الأطروحات الدينية المسيحية، ويهاجم في مقاله المتشددين من كل الأطراف (المتدين والملحد).

أخيراً يقدم بايرنز للقراء مدونته الجديدة التي تحمل أسم God Blog (مدونة الربّ) التي يصفها بأنها ستكون ميداناً للنقاش في كل القضايا الخلافية المتعلقة بالدين والتي تشمل نظرية التطور، والتفسير الحرفي للنصوص الدينية، والحدود الفاصلة بين الديني والعلماني، ويختتم مقاله بقول سقراط الشهير "كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئاً".



ملاحظات:

يمكنكم شراء كتاب داوكنز الجديد من مكتبة أمازون بالضغط هنا

يمكنكم قراءة مقال شولتو بايرنز "عصر الإنسان الديني" بالضغط هنا

يمكنكم الإطلاع على God Blog (مدونة الربّ) بالضغط هنا

الجمعة، 25 سبتمبر 2009

"جواني" التراب والدراجات الهوائية (أو بلغة فيروز "فيه شي بده يصير، في شي عم بيصير")



في أحد مراكز العبور الحدودية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك ارتاب شرطة الحدود في أمر رجلٍ يأتي من المكسيك على دراجة هوائية ويحمل خلفه في دراجته جونية (جوالاً) مملوءة بالتراب. استوقفه الحرس وشكّوا في أمر جونية التراب. سألوه عنها فقال أن بها تراباً فقط، وأستفسر "هل نقل التراب من المكسيك إلى أمريكا ممنوع؟" فأجابوه "لا"، لكنهم أخذوا عينة من التراب وفحصوها، ثم بعد أن أكدت النتيجة أنه مجرد تراب سمحوا له بعبور الحدود. كان الرجل يأتي مرات عديدة كل يوم واستمر يفعل هذا لسنوات، وبنفس الوضع: على دراجة هوائية ومعه جونية تراب. ريبة الحرس لم تسفر عن شيء إذ أن نتيجة كل الفحوص التي كان يجرونها كانت تثبت أن ما في الجونية ليس إلا التراب.

وبعد عشرات السنوات وتغير الأحوال التقى رجلٌ كان يعمل شرطياً في ذلك المركز وكان أكثرهم شكّاً بأمر الرجل بذلك الرجل في مقهى في إحدى المدن الأمريكية فدعاه لشرب القهوة معه، فوافق الرجل الذي أصبح عجوزاً ولكن عليه إمارات الثراء والراحة. قال له الشرطي السابق "لقد تقاعدت منذ سنوات من وظيفتي ولم أعد أعمل في شرطة الحدود. أنا متأكد أنك كنت تفعل شيئاً ممنوعاً لم نستطع كلنا اكتشافه. أستحلفك بالله أن تخبرني بحقيقة ما كنت تفعل طوال تلك السنوات!!"، فقال له الرجل بابتسامة ماكرة "لقد كنت أهرِّب دراجات هوائية".

العظة: ثق بغريزتك دائماً ولا تثق أبداً فيما تراه أو فيما يريدك البعض أن تراه. البعض داهية في الخداع، ويشغلك بأمر بسيط ليفعل بعيداً عن عين عقلك ما هو أخطر وأكثر جرماً من الأمر الظاهر.

السؤال: ترى هل هناك من حولنا من يهرِّب دراجات هوائية فيما عيوننا تحملق في جواني التراب؟