الخميس، 3 سبتمبر 2009

سلسلة التفكير المنطقي: مغالطة تشويه الفكرة الأصلية (مغالطة "رَجُل القش)



تقوم المغالطة هنا بأن يأتي المتحدث بقول ثم يأتي المستمع بنسخة مشوهة من ما قاله المتحدث الأول ويثبت خطأها دون التعرض لما قاله المتحدث الأول في الأصل، وتسمى مغالطة "رجل القش" لأن المتحدث الثاني يقوم بصناعة رجل من القش ثم يقوم بحرقه، أي أنه يصنع قضية ليست هي القضية الأصلية ثم يفندها دون أن يفند القضية الأصلية.

مثال:

المتحدث الأول: بسبب العدد الضخم لحوادث السيارات والوفيات والإصابات الناجمة عنها أقترح استحداث مادة تدرس في المدارس و الكليات و المعاهد تبحث في الامن و السلامة و تكثف الوعي لدى الطلاب منذ حداثة عهدهم بالمخاطر التي تكتنف الطريق و أساليب القيادة المأمونة حتى و ان لم يكن هذا الطالب يقود سيارة

المتحدث الثاني: انزين الفكرة حلوة. بس اقترح انك تدرس هالمادة. ما يكفي الحصص والنصاب والمواد الجديدة التي تقع على عاتق المعلمين والمعلمات؟!!!

(المصدر: سبلة عمان)

المتحدث الأول يقترح مقرراً مدرسياً حول قيادة السيارات ومخاطر الطريق، غير أن المتحدث الثاني بدلاً من أن يناقش هذا الأقتراح بدراسة ايجابياته وسلبياته ينقل الموضوع إلى موضوع مرتبط وهو العبء الكبير على المعلمين في المدارس ويطرح الأمر وكأن المتحدث الأول لا يهدف إلا إلى زيادة هذا العبء ثم يقوم بمهاجمة هذا الموضوع المرتبط، وهو بهذا كمن صنع رجلاً من القش ثم أحرقه.

ومن الأمثلة على مغالطة رجل القشّ في الحوار في سبلة عمان هنا حيث ابتدأ المتحدث الأول بطرح اقتراح عدم تنظيم احتفال الأطفال الرمضاني المعروف باسم "قرنقاشوه" بسبب الخوف من مرض انتشار أنفلونزا الخنازير، ويعارض البعض هنا، غير أن بعض المتحدثين يصنعون رجل قش ويحرقونه حين يحورون الموضوع من الحديث عن مخافة انتشار أنفلونزا الخنازير إلى موضوع آخر وهو أن "قرنقاشوه" بدعة حيث يقول:

هناك فتوى صادره من علماء السنه اعتبر فيها ما يسمى بالقريقعان من البدع التي لا تصل بالدين الاسلامي اي شي

وفي السلطنة ايضأ اعتبر الشيخ احمد مفتي السلطنه القرنقشوه من ضمن البدع...

ثم يضيف سبباً آخر وهو أنها "عادة سيئة تحتوي على كلمات سيئة". ربما يكون ما يذكره هذا المتحدث صحيح (أن علماء الدين يعتبرونه بدعة) ولكن هذا لا يمت بصلة منطقية للحديث عن الأضرار الصحية التي يمكن أن تنجم عن تجمع الأطفال في احتفال "القرنقاشوه".

وما يشار إليه في الثقافة العربية بتعبير "التبسيط المخلّ" أو "التسطيح" هو أحد أشكال هذه المغالطة، حيث يقوم المتحدث، بدلاً من مناقشة الأمر كما هو، بتبسيط كبير للموضوع أو الفكرة ثم بدلاً من أن يناقش أو ينقض الفكرة الأصلية يقوم بمهاجمة ونقض الصورة المبسطة بطريقة مخلّة.

أمثلة:

وقعت أحداث 11 سبتمبر لأن المسلمين يغارون من أمريكا بسبب الديمقراطية فيها

يقوم المتحدث هنا بمغالطة "رجل القش" لأنه بدلاً من أن يقوم بتقديم الأسباب العديدة التي أدت إلى تلك الأحداث فانه يصنع رجل قش وهو غيرة المسلمين من أمريكا ويجعل سبباً كافياً لتفسير تلك الأحداث. (من بين من قالوا بهذا الرأي بعض كبار مؤرخي الغرب مثل برنارد لويس)

ويمكن أن نضيف إلى هذه المغالطة التفكير الذي يفسر الأحداث باعتبارها جزءاً من مخطط كبير يهدف إلى خدمة جماعة معينة وأن تلك الجماعة هي التي تتحكم بالأحداث عن بعد لمصلحتها، أو ما يسمى بـ "نظرية المؤامرة"، وهنا فان المتحدث بدلاً من أن يناقش الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى أوضاع معينة يصنع وهماً أسمه المؤامرة الكبرى ثم يفسر الأحداث على أساسه. وأشير هنا إلى هذا لا يعني عدم وجود المؤامرات الكبرى ولكن من ناحية منطقية فان مثل هذه التفسيرات التي تحيل الأمور إلى مؤامرات كبرى تظل في إطار المغالطات المنطقية إلى أن يقوم الدليل عليها. وتنتشر مثل هذه التفسيرات التآمرية في الثقافة العربية المعاصرة ومن أمثلتها:

- الهجوم على العراق ليس بسبب النفط بل هو هجمة صليبية

- لا علاقة للأزمة العالمية المعاصرة بأزمة الإقراض في أمريكا بل هي من صنع اليهود ليمتصوا أموال العرب

وهذه مغالطة لأن المتحدث لا يناقش بطريقة منتظمة الأسباب المباشرة التي يمكن أن تكون سبباً في الأحداث بل يحول الموضوع إلى موضوع آخر وهو المؤامرة ثم ينقض السبب المطروح (النفط في المثال الأول، والإقراض في المثال الثاني) لا بمناقشته بل بتحوير الموضوع إلى موضوع آخر هو موضوع المؤامرة.

ملخص: تجنب خداع الآخرين لك باستخدام هذه المغالطة بتوضيح موقفك الأصلي قبل أن يتم تحوير مجرى الحديث إلى موضوع آخر مختلف ثم تشرح لمن تحدثه أنك لم تتحدث أصلاً عن الموضوع الجديد الذي طرحه وأن تحددا الحديث بالموضوع الأصلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق