مغالطة خير الأمور الوسط، أو إمساك العصا من الوسط
يرى الناس عادة أن للآراء والمواقف مواقعاً توجد فيها وهو أصل فكرة التوسط في الرأي، وينطلق هذا الرأي من أن الصواب هو الأخذ بجزئية من هذا الرأي وجزئية من رأي آخر بحيث يكون رأيك وسط بين هذا الرأي وذاك، ويعتقد هؤلاء بأن التوسط هو الخيار "العقلاني". غير أن اختيار الموقف الوسطي ينطوي على مغالطة حين يتعلق بالحقائق فلو سألك أحدهم عن حاصل ضرب 6 في 6 وأعطاك ثلاث نتائج محتملة لتختار منها وهي 34 و 35 و36 فإنه لا يمكن القول بأن الصحيح هو الرقم الأوسط الذي هو 35 لأن النتيجة الصحيحة هي 36.
مثال:
في حوار عن ضرب الأبناء، يقول أحدهم: أرى أن خير الأمور الوسط، فلا نتخلى عن الضرب ولكن لا نمارس الضرب الشديد.
تكمن المغالطة هنا في افتراض صواب فكرة الوسطية، فرغم أنه لا [يبدو أنه] يوجد صواب أكيد في ضرب الأبناء ولا في عدم ضربهم، إلا أن اتخاذ هذا الموقف بين الموقفين لا يعني أنه بالضرورة موقف صائب وصحيح.
مثال آخر:
في حوار عن إدمان استخدام الحاسوب، انقسم المتحدثون إلى قسمين رئيسين: قسم يرفض استخدام الحاسوب تماماً وقسم يترك الحرية للانسان لاستخدامه بحسب ما يريد، إلا أن شخصاً وحيداً رأى "اعتماد القاعدة الاعتدالية التي تقول «خير الاُمور أوسطها» فلا أيام معدودات في الأسبوع، والحاجة إلى الكمبيوتر والانترنيت يوميّة، ولا الجلوس إليه بين (10 ـ 12) ساعة يومياً" (المصدر)
المغالطة هنا تكمن في أن فكرة الوسطية غير واضحة تماماً، إضافة إلى كونها لا تحمل صحة في ذاتها، فالمتحدث لم يحدد الكمية الزمنية التي يمكن أن تكون هي "الوسط"، فهل الوسط يكمن بين ساعات اليوم بأكملها (حيث الوسط يشكل 12 ساعة) أم وسط ساحات الصحو (وهو غير محدد لأنه يختلف بحسب اختلاف الناس). إضافة إلى ذلك فهل ستصلح هذه القاعدة الوسطية لمن تتطلب ظروفهم وأعمالهم استخدام الحاسوب لساعات طوال تقع خارج الموقع الوسطي؟
مثال ثالث:
اختلف شخصان على عدد السفن العمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان، فقال أحدهم أن عددها كان 300 سفينة أما الثاني فقال ان عددها 100، فجاء ثالث وقال بأن الصحيح بين هذا وذاك في ظنه ولهذا فان عدد السفن 200.
تكمن المغالطة هنا في أن الوسط لا معنى له على وجه الإطلاق، فالموضوع يتعلق بحقيقة تاريخية علمية يمكن التوصل إليها من خلال كتب التاريخ وليست محظ اختيار وسطي بين رقمين. اختيار الوسط هنا إذاً نموذج على مغالطة خير الأمور الوسط.
ينبغي هنا أن نشير إلى أن المغالطة تكون حين يكون مدار عملية التفكير هو الحقائق وليس الآراء وأن اختيار الموقف الوسطي في مسائل الاراء لا يعد مغالطة.
الخلاصة: الوسطية ليست دائماً صائبة، وإن واجهت هذه المغالطة في نقاش حول الحقائق فإن عليك أن توضح لمن تحدثه أن الصحة لا تتعلق بالوسطية بل تتعلق بالدليل، وهذا لا يعني أن الوسط قد لا يكون صحيحاً بل أن هذا ممكن ولكن الصحة لا تثبت إلا بالدليل وليس بالوسطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق