الجامعة والتعليم الإلزامي
هدى الجهورية
نشر في جريدة "عمان" يوم الأربعاء 9 سبتمبر 2009
لفتني المقال الذي كتبه د. عبدالله الحراصي تحت عنوان: «حول ضرورة إنشاء جامعات حكومية جديدة»، وتفاجأت بصدق أن تكون نسبة من يجدون مقاعد دراسة في مؤسسات التعليم لا تتجاوز 40% من خريجي المدارس.. بحق هي نسبة صادمة للغاية، وغير عادلة أيضا، وتحيلنا إلى إعادة التفكير بوضع الأجيال العمانية القادمة التي تحرم من حقها الطبيعي، وهو حق التعلم فيما بعد الشهادة العامة، وهو أمر يوفره أي بلد عربي يُعد من العالم الثالث، ويرزح ربما تحت ضغوطات الفقر، وبالمجان أيضا.. إذ لم تعد الشهادة العامة توفر المعرفة الكافية لأي إنسان في حياتنا المتطورة والمتغيرة هذه. فالتعليم الخاص إلى الآن لا يزال غير متمكن، ولا نشعر بالثقة به على عكس ما هو الأمر مع الجامعة الحكومية التي تجهز بكادر متميز من الأكاديميين، ومن المستوى التعليمي، هذا ناهيك عن المبالغ الطائلة التي تطالب بها الكليات والجامعات الخاصة التي لا تستطيع الكثير من الأسر أن توفرها، لذا تقنع ببقاء أبنائها وخصوصا من البنات في المنزل. والغريب أنه وبالرغم من المكرمة السامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس للجامعات الخاصة، إلا أننا لم نرقب تغييرا حتى على مستوى خفض تكاليف الدراسة للطالب!
في إحدى الدول العربية التي زرتها تفاجأت بصدق عندما علمت أنه وبمجرد أن يجتاز الطالب الثانوية العامة يجد فرصته بالدخول إلى أي جامعة أو كلية أو معهد بحسب المعدل الدراسي الذي يحصل عليه، وأخبرني أحدهم قائلا: الشاب ما أن ينهي الثانوية ولا يجد مكانا ليحتضنه فإنه يستغل طاقته بالشغب، وإثارة المشاكل والتسكع، بينما عندما يجد جهة تستوعبه، وتستوعب طاقاته، فإنه يدرس، ويفتح أفقه، وتنضج تجربته مع الحياة، وعندما يتخرج وعمره بمتوسط 24 سنة، فإن تفكيره يصبح مختلفا وجادا، إذ يفكر بمستقبله وحياته القادمة.. وبعيدا عن هذا التأويل فإن التعليم حق كل مواطن، ويجب أن يدافع كل منا عن هذا الحق وبقوة، لأن المسألة بالفعل كما قال د.الحراصي قضية أمن وطني، وليست قضية عادية. ودعونا نقترب أكثر من تفاصيل باتت تحدث في مجتمعنا، وإن كانت قليلة إلا أنها مؤشرات خطيرة، ومنها انتحار الطلاب بعد الثانوية العامة، وبعد والسهر والتعب، والأحلام الكبيرة التي تحملهم إياها أسرهم، بمجرد أن يكتشفوا استحالة أن يدخلوا إلى أي مؤسسة تعليمية فيلجأون إلى الانتحار؛ لأن عدم وجود دراسة جامعية يعني عدم وجود وظيفة، وعدم وجود مستقبل، بعدها لا يرى الطالب أكثر من هذا السواد. ثمة أساليب كثيرة للتعليم عندما يصبح إنشاء جامعات جديدة مكلفا، وعندما يكون التعليم الخاص مكلفا كالنظام الذي تطبقه بعض الدول، فلماذا لا تكون هنالك جامعات حكومية تقدم قروضا للطلبة لإكمال دراستهم، وتأمين المساكن لهم دون فوائد، ولا تطالبهم بإرجاع قسط الدراسة إلا بعد شغل وظيفة ما فتبدأ الجامعة باقتطاع المبلغ من الراتب، وإن لم يحصل على وظيفة لا تطالبه بالمال.
المشكلة التعليمية لا تبدأ بعد الثانوية كما يعتقد الكثيرون، بل تبدأ قبل ذلك بكثير.. منذ البدايات الأولى والمرحلة التأسيسية. ففي جلسة مع إحدى الصديقات المطلعات، وهي محامية أيضا فاجأتني أنها اكتشفت عدم وجود قانون يُلزم ولي الأمر بضرورة التعليم الإلزامي لأبنائه، بينما في الدول المتقدمة كتم متابعة الطفل منذ ميلاده إلى السن المفترض دخوله المدرسة، وإن لم يدخل المدرسة في الوقت المحدد فإن ولي الأمر يتعرض للمساءلة، ومن ثم يزج به في السجن إن لم يستجب لذلك..ثمة أطفال لأسر عمانية لم يدخلوا إلى المدارس، وخصوصا من جنس البنات إلى الآن، وللأسف لا توجد إحصائيات واضحة، ولكنها حالات قد تشاهد وقد نسمع عنها، بينما بالمقابل هنالك دول بدأت تفرض التعليم الإلزامي إلى الإعدادية، وأخرى تعدتها إلى المرحلة الثانوية العامة. وفي النهاية أتمنى بالفعل أن نحصل على رد مؤكد هو مسألة وجود قانون يُلزم الأهالي بتعليم أبنائهم في السلطنة أم لا، وهل يتم محاسبة كل مخالف لهذا القانون أم لا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق