الاثنين، 19 أكتوبر 2009

من هذا الرجل؟





في رحلة في الانترنت صادفت حواراً في منتدى الساحل الشرقي (واحة سيهات) السعودي عن شخص عماني في عمر السبعين أو الثمانين يعيش في حيّ النقا بواحة سيهات (صورته في الأعلى، ومصدر الصورة في الصفحة الرابعة من نفس الحوار هنا). أول من كتب عنه في ذلك المنتدى كاتب أسمه الرمزي STOP. أنقل لكم نصه المؤثر الذي كتبه بتاريخ 29 أكتوبر 2005، وحمل عنوان "حياة بلا ملح لرجل يسكن الهامش":

كثيرون لا يعرفونه بالاسم ..لكنهم جميعا يستحضرونه في شريط ذكرياتهم ..يسمونه العماني في اشارة الى موطنه الاصلي الذي غادره في تاريخ موغل في البعد ، مع مجموعة من العمالة العمانية التي كانت شاهدة على بدايات التحول في عمران المدينة.

ما يعرفه الناس عن حمد ، الرجل الاشيب المجاوز للسبعين او ربما الثمانين، لا يتجاوز تلك المعلومة المتداولة التي تشير الى اتمامه سنوات الخدمة في بلدية سيهات، فهو على ما يوردون بلا وثائق ولا اثباتات ، ولا اسرة تحتضنه بعد انقطاعه عن مهنته الاساس.

جسد ناحل وعينان مطليتان بالسكون وفي يده صيخ حديدي طويل يتعكز عليه ، وله فيه مآرب اخرى ، فهو عادة ما يستخدمه لجمع علب المشروبات الغازية من حاوية القمامات، حيث يبدو أنه يعتاش منها الآن ، ويتعكز على عوائدها القليلة ليسد رمقا لغد لا ينتظر الكثير فيه.

هذا العماني المتلبس بالغموض يسكن منذ زمن طويل في ما يشبه اعشاش الطيور ...غرفة صغيرة مبنية من اخشاب بالية في خربة مفتوحة لعائلة الغانم بحي النقا الخيال... يحيا فيها وحيدا الا من القطط التي تقتات على بقايا طعامه ، والاشياء المتناثرة من حول غرفته التي تفتقر لكل مقومات المعيشة الصحية.

حياة بلا ملح، غير انه يملحّها بصبره، وصمته الذي عجزنا عن اخراجه منه..نلاطفه بالسؤال عن حاله وعن رمضان وعن ذلك المكان الذي لا يجد فيه احدا يشاطره الحب والحياة..لكنه يكتفي بتحريك عينيه والايماء بوجهه..لا نعلم تحديدا ما اذا كان يدرك ما نقول...وان كانت له حصة من اللغة التي نتحدث بها ..نفتح العدسة باتساع الكآبة المنثورة في المكان ، ونحاول ان نرصد تفاصيله ، فيدرك متأخرا ما ننوي فعله ليعرض بوجهه وينصرف الى غرفته ويوصد الباب دلالة على امتناعه ورفضه ان يكون شاهدا معنا على بؤس هذه الحياة.

يبدو المكان من حوله مستودعا للصناديق الورقية ، والقطع الخشبية ، والكثير من اشيائنا المهملة التي يجمعها على ما يبدو ليبيعها لاحقا، اضافة الى سرير من الحديد يجلس عليه في ساعات تأمله الطويلة...ساعات يحسب فيها كم اهمل من زينة هذه الدنيا وهو يختار تلك الزاوية ليلملم فيها روحه التي اهملها القدر فصارت على هامش الحظ ، وهامش الذاكرة، وهامش الوطن الذي غادره فلم يبرح يلاحقه كعنوان لمن لا عنوان له.

تركناه يومها ولم نطل النظر في اغراضه وّ امتعته ، خشية ان نحرمه الهدوء والسكينة ، وهما جل ما يملك من عالم لا يهب الغرباء ابتسامته الا نادرا!.



وفي موضوع في نفس المنتدى كتب "صياد ستي" بتاريخ 28 ديسمبر 2006 نعياً لحمد العماني:

سلام

توفي العماني

حمد

الذي يعيش في حي النقا الغربي في احدى العشش القديمه

طبعا يعرفه كثير من اهل سيهات

اكتشفت جثته بعد 5 ايام او اكثر على وفاته ودالك بعد انتشار ريحه شديده

من محل اقامته .

ودفن المغترب العماني حمد

ليلة الاربعاء بتاريخ27 -12-2006م

المدفن مقبرة سيهات

الله يغفر له ولكافة المومنين والمومنات





الآن وقد رحل حمد عن هذه الدنيا، أليس من الغريب أنه توفى قبل أقل من ثلاث سنوات ومات، برغم كل هذا التداخل العالمي في المعلومات، دون أن نعرف من هو ومن أين من عمان ومن هم أهله؟



هل نستطيع القيام بعملية من عمليات التحري الان، حتى الأقل كي يعرف أهله عن رحيله؟

هناك 20 تعليقًا:

  1. كم الغربة قاسية وموحشة لدرجة ان الغريب لا يستطيع البوح، قصة حمد تذكرني بنص قصصي للراحل غسان كنفاني موت السرير رقم 11 والتي يتحدث فيها عن عماني يموت في احد مستشفيات الكويت، ويبدو ان كلا الشخصيتين في القصة وفي جنبات سيهات يبرز المغترب العماني محروما وحائرا، كم آلمتني قصة حمد لامال ولا حال سعيد ومسعد ولا حال او لسان ينطق ويفصح عن المرارة والحرمان

    ردحذف
  2. دكتور... حركت ما لم يتحرك منذ أمد!!

    ردحذف
  3. هناك عمانيين يموتون في عمان وفي كل مكان بذات الطريقة .
    عموما القصة تصلح مادة لعمل أدبي أو سينمائي .

    ردحذف
  4. while he retired it is necessary to ask his empolyer to release a ful details about Hamed's identity or his family name. I think it is not possible to remember this person even if give to older man who already experience working in Gulf countreis.

    ردحذف
  5. His face seems to me to be from Ibri or other places around it

    ردحذف
  6. قصة مؤثرة تدل على معاناة العمانيين قبل عصر النهضة المباركة، وهذه القصة لا أخجل منها لكوني عماني بل أفتخر بها لانها تجسد الكفاح من أجل البقاء، وأرى في قصة الشيخ حمد وصورته بأن عزلته وصمته لم يكونا من قلت الحيلة، وإنما هما اختيار على اختيار.
    فكم من وقائع هذه الحياة أغرب من الخيال، وكم كابد الانسان عبر تاريخه من أجل أن يعيش، فلنرحم الانسان على كل حال وعلى كل شاكلة.
    تحياتيAdel

    ردحذف
  7. يونس الحراصي20 أكتوبر 2009 في 9:26 ص

    قصة كما قال حشر حركت ما لم يتحرك منذ زمن..

    هذا لو كان في بلد آخر كان يمكن يجد في سفارة بلده العون والاهتمام وإرجاعه إلى البلاد والبحث عن أهله ولكن ما يتلقاه امثال حمد منا هو العقاب ربما لأنهم مكثوا هناك ولم يعودوا مع العائدين إذ يمكن أن يكون صنيعهم قد اعتبر عنادا واستحقوا في نظر من يرفض ارجاعهم العقاب ولكن يجوز أن يكون قد غاب عن بال ذلك الجلاد أن يكون سبب عدم العودة جهلا بالدعوة أو عدم مقدرة على تدبير الأمور.. على كل حال لا نملك سوى أن نقول الله يرحم حمد ويجزيه خيرا مهما كانت اعماله فعيشته القاسية اشد من أي عقاب... في هذه البقعة من الأرض هناك جوانب مشرقة ولكن بها أيضا كغيرها من البقاع جوانب كالحة السواد

    ردحذف
  8. عقيلة اللواتي20 أكتوبر 2009 في 9:42 ص

    المشكلة نحن في عُمان نظامٌ قبلي
    "قل لي ما قبيلتك أقل لك من أنت"
    من الصعب التحرّي عن الشخص في عُمان.. ربما لو سئل عنه في السعودية حيث سكن أو في المنتدى نفسه عند الشخص الذي جاء بخبره.

    قرأتُ موضوعاً في مدونة أحمد المعيني "أكثر من حياة" عن مكتبة تستقبلُ قصصك الشخصية مكتوبةً أو مسجلة وتعرضها على كتاب السيناريوهات أو الروايات أو منتجي الأفلام أو غيرهم إذ ربما يتم اختيار أحدها في إنتاج عملٍ ما.
    تخيّل لو قمتم بإرسال هذه القصة وأنتج حوله فيلم أو رواية؟!

    ردحذف
  9. سعاد الإسحاقي20 أكتوبر 2009 في 1:21 م

    غريب رغبة البعض في تحويل مأساة ووحدة انسان إلى متعة أدبية وفنية!!
    أعتذر ...
    ولكنني اراه مؤلم أكثر من الوحدة والغربة التي عاشها رحمه الله

    ردحذف
  10. عزيزتي سعاد
    الإنتاج الأدبي والفني لا يكون دائماً لغرض المتعة. ربما اللغة تجلب المتعة أحياناً لمن يتلذذ بها، وربما محللي النصوص المرئية يستمتع بالصور المتحركة في قصةٍ ما.
    لكن يكون من أهداف الإنتاج التخليد، أو تسليط ضوء، أو سرد تجربة حياتية.

    ردحذف
  11. ربما هو لا يريد يادكتور...فعندما ترحل رحيل المجروح من وطنك يسكنك الوطن حتى وأنت ترفض أن تسكنه...
    حسبناأنه عاش ومات عماني ودون أوراق ثبوتية...
    رحمة الله لابد أنه كان قصة أخرى من قصص سنوات الشتات...
    ثم د/عبدالله لا أعرف لماذا وأن أقرأ هذا المقال للمرة الثانية تذكرت مسابقة جامعة السلطان قابوس لجمع العلب المعدنية ليتهم أسموها "عمانني الشتات"

    ردحذف
  12. د.عبدالله والحاضرين
    السلام عليكم

    شكرا لك على المبادرة في هذا الموضوع والشكر لمن تفاعل معه.. أنا بصراحة لا أعرفه وأتفق مع البعض أن لا أحد يستطيع التعرف على هكذا ملامح دون معرفة اسم عائلته أو منطقته.

    ,اتفق مع البعض في أن هناك الكثيرين أمثال حمد سواءا داخل أو خارج السلطنة. فهناك من هم كابروا على العودة م السعودية والكويت وقطر والبحرين. ومنهم من فضل البقاء منعا للإحراج ( وأي إحراج هذا؟) كثيرون، كانوا يعيشون حياة رغيدة في الخارج مقارنة مع من هم في الداخل. وعندما ضاقت عليهم المعيشة خافوا من العودة. ومنهم من كان دمه مطلوب لانه قد قتل شخصا من قبيلة أخرى قي شريعة القبائل. !!

    وإلى الأن يعيش أكثر من حمد في الخارج. الشايب حمد (رحمه الله) بقا لأسباب لا يعرفها إلا هو، فأسأل الله له الرحمه والمغفرة.

    ها.. هل ترون أن هناك مادة أخرى تصلح لعمل سينايو؟؟

    عمتم مساءا..


    THE-MIGRANT-BIRD.COM
    THE-MIGRANT-BIRD.NET

    ردحذف
  13. أستاذي الباحث والأديب د.عبدالله الحراصي المحترم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أشكركم على هذا التواصل وفي حقيقة الأمر أحزنني وآلمني جدا أمر هذا المغترب العماني الذي عاش وحيدا ومات وحيدا فأسأل الله تعالى أن يغفر له ويسكنه أعالي فراديس الجنان

    في حقيقة الأمر لا توجد لدي معلومات عن هذا الرجل والتحري عنه من الصعوبة بمكان كونه هاجر مبكرا من عمان ربما في الخمسينيات أو الستينيات وانقطع وانقطعت أخباره وصلته بعمان

    عموما الأمر يحتاج إلى مقابلة العمانيين من كبار السن العائدين من السعودية فلعل أحدهم يعرف عنه شيئا يمكن أن يكون بداية الخيط للوصول إلى تاريخ وجذور هذا الرجل الغريب وما أكثر الغرباء من العمانيين في المهجر فأنا أعرف عددا من العمانيين لا يزالون في البحرين لم يعودوا منها

    لو كان هذا الغريب من البحرين لسألت عنه والدي حيث كان من ضمن المهاجرين إلى البحرين فقد عاش هناك ما يقارب 15سنة ثم انتقل إلى الإمارات للعمل في الشرطة لأكثر من 30 سنة ويعرف الكثير من العمانيين الذين عاشوا في البحرين في الخمسينات والستينيات

    عموما اعرف بعض الأشخاص عملوا في السعودية في تلك الفترة منهم الشيخ نبهان المعمري عالم في اللغة العربية كان جابي الزكاة في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي يعيش حاليا في ودام الغاف من المصنعة كذلك الشيخ محمد العتبي من عندنا من ولاية السويق كان يعمل في السعودية ودرس في بعض جامعاتها عمل في وزارة الأوقاف في السلطنة وحاليا محال للتقاعد

    "مهنا السعدي"

    ردحذف
  14. أهلا بك ياعزيزي
    أذكرفي 1991 عندما عقد مؤتمر النقدالأدبي الأول في البحرين رأيت شخصا بهيئة مشابهة ويغني بصوت ملفت للانتباه وعرفت أنه من عمان
    كان حاضرا أيضا محمد اليحيائي وصالح العامري وربما يذكران ذلك
    يبدو أن أهله نسوه أو تناسوه. لم يسألوا عنه حيا فلماذا سيهمهم خبره ميتا؟

    يوما سعيدا
    محمد المحروقي

    ردحذف
  15. مراحب دكتور عبدالله
    أنا بالطبع لاأعرف الرجل، وإن كنت لم أستغرب الفكرة -وإن استغربت كل هذا الصمت من قبله وقبل أهله -
    فقد عرضت شاشة الام بي سي منذ فترة قريبة ذات الأمر عن رجل سعودي كان مقيما في الإمارات لعدة سنوات وبلا هوية أيضا مما حرمه من السفر والبحث عن اهله وكان فيما مضى يسافر بي كل دول الخليج بلا هوية
    وفي ذات العمر تقريبا بحث عن اسرته عن طريق السفارات والتلفزيون وعثر على بنت من بناته وبعض أحفاده
    ولكن يبدو أن شخصية العماني هي ذاتها شخصية العماني في كل مكان الصامت الهادئ المتوجس نوعا ما (يمكن قراءة الأمر سلبيا وإيجابيا)

    رحم الله حمد العماني مات غريبا وحتى معرفة أهله له الآن لن تزيده إلا غربة قبرية

    "فاطمة الشيدي"

    ردحذف
  16. غاليتي عقيلة
    وما نفع تخليد ذكرى مؤلمة كهذه؟

    أحيانا من الأفضل أن تظل الأمور كما هي فقد يكون الكشف عنها مؤلم أكثر...

    المسلسلات والقصص ما هي إلا لعبة لإثارة المشاعر وبعدها تنسى.........لذلك أسميتها متعة ومؤقتة أيضا
    وجهة نظر!

    ردحذف
  17. ثم ماذا بعد هذا كله؟؟؟

    طرح جمبل ومتابعة أجمل وسرد ولا أروع وكلمات مختارة وألم واضح وحسرة على موت حمد العماني وتساؤلات...ثم ماذا؟؟؟.

    أعتقد أن الإحتواء واجب وطني ثمثله سفاراتنا في الخارج من خلال دعوة الجالية العمانية والتحاور معها والسؤال عن إحتياجاتها وتسجيل المغتربين لديها للتعرف على هكذا حالات قد تحدث مستقبلا... هل سيتحقق ذلك؟؟ أشك !

    ردحذف
  18. حقـاً تألمت كثيرا ومازلت أعتصر ألمـا
    انا من مدينة سيهات من السعوديه
    نفس المدينه أو نقدر نقول القريه لآنا مساحتها لم تكن بكبيره واكثر اهلها يعرفون بعضهم
    نعم تذكرته إنه حمد العماني رحمه الله رحمه الله
    اتذكرة عندما كنت صغيرا وكان يجمع علب البيبسي ويحمل صيخ حديدي والله كان صبوور فكنت اشوفه صباح ومساء يشتغل وكان ماينسمع له صوت
    هاقد تذكرتك ياحمد وانا في نصف ليلي في الدنيا وانت في قبرك
    فرحمك الله

    ردحذف
  19. حقـاً تألمت كثيرا ومازلت أعتصر ألمـا
    انا من مدينة سيهات من السعوديه
    نفس المدينه أو نقدر نقول القريه لآنا مساحتها لم تكن بكبيره واكثر اهلها يعرفون بعضهم
    نعم تذكرته إنه حمد العماني رحمه الله رحمه الله
    اتذكرة عندما كنت صغيرا وكان يجمع علب البيبسي ويحمل صيخ حديدي والله كان صبوور فكنت اشوفه صباح ومساء يشتغل وكان ماينسمع له صوت
    هاقد تذكرتك ياحمد وانا في نصف ليلي في الدنيا وانت في قبرك
    فرحمك الله

    ردحذف
  20. رحمك الله ياحمد
    نراه كثيراً في طرق زراعية بالقرب من مسكنه بسيهات حي النقا
    وكان طيب القلب . وكان له جيران طيبون من آل مدن دائماً يرسلوا له الطعام
    فجزاهم الله خيراً على ذلكز ورحمك الله ياحمد

    ردحذف