تقوم المغالطة على أن صحة القول تقوم على أن للقائل مكانة معينة في موضوع الحديث، حيث يقدم صاحب المكانة هذا قولاً لا يقوم يستند على الدليل بل على تلك المكانة، ورغم أن القول ذاته قد يكون صحيحاً إلا أن صحته تلك لا ترتبط على المكانة. ومن الأمور المعروفة أنه لا يوجد إنسان خبير في كل شيء ولا يوجد إنسان لديه كله العلم حتى في مجال معين، ولهذا فإن أي قول من أي إنسان، وإن كان خبيراً في مجال ما، عرضة للخطأ.
وهناك نوعان من هذه المغالطة.
النوع الأول يكون حين يكون المتحدث ذا مكانة في مجال معين، ولكن ليس في المجال الذي يتحدث عنه، وهنا فان ما يقول لا يمكن أن يقبل على أنه صادق أو صائب لأن خبرته ومكانته في مجال ما لا تعني بأن كل ما يقوله سيكون مقبولاً.
ومن الأمثلة الشائعة على هذه المغالطات ما يراه الإنسان في الإعلانات التجارية التي تستعين بشخصية شهيرة (لاعب كرة، ممثلة، مطرب) كي تقنع القرّاء بشراء المنتج التي تسعى الشركة الصانعة أو المعلنة إلى تسويقه. المغالطة تكمن هنا في أن تلك الشخصية الشهيرة في مجال ما (كرة القدم، التمثيل، الطرب مثلاً) ليست بالضرورة قدوة في مجالات آخرى كي يؤخذ رأيها فيها ويتبعها الناس. كما تستعين الإعلانات أحياناً بممثلين أدوا أدواراً معينة في أفلام أو مسلسلات في إعلانات ترتبط بأدوارهم في أدوارهم التمثيلية وليس الحقيقية.
مثال على ذلك استخدام اللاعب البرازيلي كاكا في الإعلان عن ساعات كما تظهر الصورة في الأعلى، وكذلك نيكول كيدمان في الإعلان عن عطر شانيل.
وقد يكون المتحدث ذا خبرة ومكانة في مجال قريب من المجال الذي يتحدث عنه ولكن ما يقوله لا ينبغي اعتباره صحيحاً وصادقاً بالضرورة كما في المثال التالي:
المتحدث الأول: أعتقد بأن الأبل في ظفار هي السبب الرئيسي في تصحر جبال ظفار
المتحدث الثاني: لا، التغير المناخي هو السبب، سمعت ذلك من خبير الأحياء في مديرية التعليم بالمنطقة
المتحدث الأول: وهل هو متخصص في هذا؟
المتحدث الثاني: لازم يكون متخصص يعني؟ تراه خبير
ومن الأمثلة الشائعة لدينا في الحياة العربية ما يمكن أن أسميه "مغالطة الاتكاء على المكانة غير المكتملة" مثل أن البعض يأخذ أقوال بعض طلبة العلم في مجالات معينة على أنها أقوال صادقة وصحيحة، وهذه مغالطة فكون الإنسان طالباً في مجال معين لا يمنحه الحقّ في أن يبتّ في قضايا علمية كبرى ينبغي أن يكون مردها الخبراء المتخصصون الذين يملكون من الخبرة في المجال الذي يدرس فيه ذلك الطالب. المثال التالي يوضح هذه المغالطة.
المتحدث الأول: هذه المنطقة الأثرية عمرها خمسة آلاف سنة
المتحدث الثاني: كيف عرفت؟ لم يقم أحد بدراسات أثرية فيها
المتحدث الأول: طالب آثار من الجامعة جاء إلى هنا وقال أنها تشبه آثار تلك الفترة
إن طالب الآثار الذي يدرس في الجامعة، رغم تخصصه في الآثار، لا يعد ما يقوله حقيقة حتى في تخصص الآثار، كما أن مجرد تشبيهه لآثار وجدت في منطقة معينة بآثار فترة أخرى لا يكفي للاستنتاج بأنها بالفعل تنتمي إلى تلك الفترة.
ومن الصيغ التي تعكس هذه المغالطة أحياناً ما ينتشر في الثقافة العربية المعاصرة حينما يقر الإنسان بشيء على أساس أنه سمعه "من ثقة" أو "من أثق به"، وهذا يشير إلى الاتكاء على شخص متوهم (ربما يكون موجوداً ولكنه يظل متوهماً ما لم يتم تحديده)، أي أن المغالطة تكون هنا بالاتكاء على مكانة خياليّة. وهنا أشير إلى أن ما يقوله ذلك "الثقة" غير المحدد قد لا يكون خاطئاً ولكن المغالطة تكمن في إثبات صحة القول بنسبته إلى "ثقة" فحسب دون الإتيان بدليل محدد يشرح كيف توصل ذلك "الثقة" إلى تلك النتيجة والبراهين على استنتاجه.
من الأمثلة التي يمكن أن أضربها على هذه المغالطة قصة جاليليو (ولد عام 1564) مع حركة الأرض، فقد كانت الفكرة السائدة في زمنه والأزمنة السابقة هي أن الأرض ثابتة وأن الشمس تدور حول الأرض، غير أنه أثبت بعد دراسات متفحصة بأن الأرض ليست إلا كوكب صغير في الكون الكبير وأنها، مثل كواكب عدة، تدور حول الشمس، فاتهم بالزندقة لأن استنتاجه يخالف ما يقوله الكتاب المقدس بأن الله قد ثبت الأرض في مكانها فلا تتحرك أبداً، فأجبرته الكنيسة على أن يتراجع عن كلامه وأن يقول بأن الأرض ثابتة وهي مركز الكون وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض. هنا فان مكانة جاليليو العلمية في مجال الفلك لا يمكن أن تعتبر حجة في الأخذ بقوله بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض لأنه لم يقله بحريته بل تحت الإكراه.
[ملاحظة مرتبطة: مازال بعض العرب يؤمنون بأن الأرض ثابتة وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض. أنظر الحوار هنا مثلاً]
قبل قليل فقط أنهيت سلسلة المقالات كاملة، وقد فتحت في رأسي طوفانا من الأسئلة المتطايرة كشظايا قنبلة يدوية ..
ردحذففي هذا المَقال بالتحديد أجدُ نوعاً من الاتكاء على فكرة أكاديمية .. أو عل منهج أكاديمي
.. وإن كنت أعتقد [وقد أكون مخطئاً] أنني أفهمُ أن ما ترمي إليه يقول [ليس بالضرورةِ من يقولُ معتمداً] إلا أن مأزقاً آخر يتجلى هُنا. أنت تتحدث عن اتكاء القائل على مقولة طالب آثار، ولكن القسم الآخر، إن لم يكن مصدر المعلومة طالب آثار فكيفَ تكون دقيقة؟؟؟ ستقول لي طالب الآثار ليس بالضرورة شخصاً خبيراً، إذن العيب هُنا [إن كان ثمة عيب] أو الخلل الحقائقي المتمثل في خطأ المعلومة، أو [عدم تأكيدها] مصدره الطالب ، إذ من المنطقي أن ينقلَ إنسانٌ معلومة عن طالب آثار لأنه يفترض سلفا أن الآثار مجال دراستِه ..
اللي ما قادر أفهمه هو ما وجه العلاقة بين ناقل المعلومة عن الرعي الجائر، وخبير الأحياء .. أئن كان غير عالم أحياء فهل سَيُنقلُ عنه كلامه ..
ممم بعدني ضائع في الفكرة ..
أكأنك تقول: احذر أن تنقل بشكل عام فالقائل قد لا يكونُ عارفاً بما يقول ..
وبشكل عام احذر أن تلقي رأيا عابراً إلا بالاستناد إلى منهج علمي أكاديمي قائم على الحقائق ؟؟؟
أجدادنا مثلا يعرفون أن الإكثار من التمر يسبب المرض وقد يموت بعض الناس أو تتعفن جروحُهم، ولم يتكئوا على فحوص الأنسولين، بالمشاهدة وبالتجارب المتواترة توصلوا إلى هذه الحقيقة [مثال فقط]
الخلل في التفكير المنطقي هل يكمن هُنا في الناقل الذي
[أيضا من المنطقي أن يعتمدَ على مكانة باثِّ المعلومة] أم الخلل يكمن فيمن يتحدث بدون علم؟؟
دار راسي