الجمعة، 30 أبريل 2010

العالم بالمقلوب، والأحلام والأوهام


العالم بالمقلوب، والأحلام والأوهام
عبدالله الحراصي

قدمت مجلة الايكونوميست البريطانية لقراءها في عددها قبل الأخير (عدد 17-23 ابريل 2010) ملفاً في غاية الأهمية حول الأدوار الاقتصادية الكبيرة التي تلعبها الاقتصاديات الناشئة في الاقتصاد العالمي. يحمل هذا الملف عنواناً في غاية الدلالة هو "العالم وقد قُلِبَ رأساً على عقب" The World Turned Upside Down. ربما تتلخص الفكرة الأساسية في الملف في الجملة الأولى في مقال أدريان وولدريدج Adrian Wooldridge التي تقول "إن العالم الناشئ، الذي طالما كان مصدراً للعمالة الرخيصة يتحدى الدول الثريّة الآن على الإبداع في عالم الأعمال". المقصود هو أن دول العالم التي كانت فقيرة وكانت دوماً مصدراً لا ينضب للعمالة الرخيصة غير الماهرة مثل الهند والصين أصبحت تنافس العالم المتقدم في أحد أهم الأعمدة في الحياة التكنولوجية والاقتصادية، ألا وهو عالم البحث والتنمية، وعالم الإبداع في الأعمال التجارية. ويشبّه هذا المقال التطورات في الإبداع التكنولوجي وفي عالم الأعمال في دول مثل الهند والصين وغيرها من الدول الناشئة بما حدث من تطورات تكنولوجية في اليابان منذ الخمسينات من القرن الماضي. ومن أهم معالم هذه التطورات التي يشهدها العالم الناشئ:
-         تقديم منتجات وخدمات أرخص كثيراً من مثيلاتها الغربية
-         إعادة اختراع نظم الانتاج والتوزيع
-         تجريب نماذج جديدة تماماً في عالم الأعمال.
ويتساءل وولدريدج عن السرّ: ما الذي يجعل تلك الدول التي لم تكن تعرف في العالم إلا بعمالتها الرخيصة تتقدم هذا التقدم الكبير؟ الجواب يكمن في شيء بسيط عظيم في آن واحد هو "الحلم"، إذ أن "الشركات في تلك الدول تحلم أحلاماً أكبر".
لا أريد أن أطيل هنا في تفاصيل ملف الإيكونوميست الذي أنصح الجميع بقراءته  هنا ولكني أود أن أنتقل إلى أمر ذي صلة بهذا وهو الغياب الكلّي لأي حضور عربي في هذا العالم الناشئ الذي قلب الأمور رأساً على عقب كما تقول الإيكونومست. هنا أستدعي قولاً للراحل فرد هاليداي قاله في الحوار الذي أجريته أنا وعبدالملك الهنائي معه حين تحدث عن ضرورة التخفيف من غلواء فكرة التهديد الإسلامي، قائلاً بأن العالم العربي ليس له وزن حقيقي في العالم، برغم كل الزعاق الذي نسمعه حولنا حول هذا الأمر. يقول هاليداي "التهديد الذي يواجهه الغرب حالياً يأتي في واقع الأمر من التصنيع في الشرق الأقصى، ومن تغير السلطة في المحيط الهادي. وبهذا المقياس فليس ثمة وزن كبير للشرق الأوسط - فالشرق الأوسط, ومعه أفريقيا، يقعان إلى حد كبير خارج التحولات الاقتصادية التي شهدتها الأزمنة القريبة. وقد أخفت أموال النفط هذا الوضع الهامشي, إلا أننا إذا تحدثنا بعبارات مقارنة فان الشرق الأوسط قد خسر في التغيرات التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية."
كان اللقاء في نهاية تسعينات القرن العشرين، بمعنى ان هاليداي لاحظ التحرك الأقتصادي في الشرق الأقصى، ومن كونه يشكل تهديداً للغرب. وقد تحققت نبوءته فها هي القوى الاقتصادية البازغة قد تحركت وقلبت طاولة الاقتصاد العالمي، فأصبحت تلك الدول مؤئل ليس فقط الإنتاج الإقتصادي، بل حتى الإبداع التكنولوجي والتجاري. أما عن العرب فالأمر الأخطر أنهم "شاربين مقلب في أنفسهم" فهم كما قال هاليداي "خارج التحولات الأقتصادية التي شهدتها الأزمنة القريبة" وأنه وضع العرب الهامشي قد أخفته أموال النفط ليس إلا.
هناك مشكلتان: المشكلة الأولى تكمن في غياب الأحلام الكبيرة. ما الذي يجعل الدول والشعوب العربية لا تحلم أحلاماً كبيرة، مثل الأحلام الكبرى التي غيّرت مسيرة الاقتصاد العالمي لدى دول مثل الهند والصين والبرازيل وغيرها؟ وهذا بطبيعة الحال سؤال ضخم، تتعقد إجاباته، ولكني أجد في كلمة "الحلم" مفتاحاً رائعاً لتحريك سكون المقابر الذي حلّ بالعرب، بدولهم وبشعوبهم وبشركاتهم وأعمالهم.
المشكلة الثانية هي أن العرب لا يشعرون بمصيبتهم أبداً بل يعتقدون بأنهم متقدمون، بل أنهم كما يحلو لوسائل الإعلام العربية القول "في مصاف الدول المتقدمة". ولمن أراد بعض الضحك المرّ عليه أن يفعل ما فعلت: فقد أدخلت عبارة "في مصاف الدول المتقدمة" (متضمنة علامات التنصيص "...") في جوجل الذي أخبرني أن هناك ما يصل الى أكثر من 100 ألف استخدام باللغة العربية لهذه العبارة، ومن أراد تجرع مرارة هذه النتيجة والنظر في نماذجها عليه الضغط هنا لرؤية النتائج في جوجل.





هناك 3 تعليقات:

  1. Salam Abdulla,
    Thank you for mentioning the Economist's article and for the afterword wise comment. It seems the issue of developing world's takeover is a serious issue in all the industrial countries. The scientific associations, think tanks and the media in US are studying the rise of China, India and the remaining developing world, and debate about the consequences and how US can maintain its share of the created wealth, if not enhancing it. For example, just in this month, the few regular magazines I usually follow devoted a great portion of their last issues to discuses the issue. the Spring issue of The Wilson Quarterly's main theme was "The entrepreneurial Edge: can America keep it". the magazine is published by Woodrow Wilson international center for scholars, the prestigious think thank that is financed by the the government. Also, the main theme of the Spring issue of "Issues in Science and Technology", which is published by the National Academy of Science, was the " Innovation policy around the world discussions about the emerging trends in the scientific and industrial sectors, in fact you can not separate them totally here,domestically and globally is a necessity food of the life not for the executives in the business but for the scientists and government officials, and the intelligentsia in general.
    Coming back to you wonderful comment, there are two compurassily books regarding the situation, one is for de Soto, the author of mystery of capital; the book we talked about before. Its title is " The Other Path: The Economic Answer to Terrorism". The second one is "Start-up Nation: The Story of Israel's Economic Miracle". Reading this book is a torturing experience for those who care about their nation's future. This book should be read and discuss by all our officials, development planners, academics and public.
    Bye for now,
    Thank you again,though you spoiled my day..but I still have a dream..
    Mohammed

    ردحذف
  2. علي سليمان الرواحي1 مايو 2010 في 3:25 م

    أهلين أستاذي العزيز...

    لا نستطيع أن نستمر بدون أحلام.

    لماذا عندما يذكر التخلف العربي يذكر بجانبه الإنفجار السكاني كمعادلين موضوعيين لا ينفصلان ، في حين أن عدد السكان في الدول التي قلبت او في طريقها لقلب موازين الإقتصاد العالمي يتزايد بإستمرار بدون أن يثير مشكلة؟

    ردحذف
  3. بالفعل العرب (شاربين مقلب )
    المشكلة تقع في الشباب القادم المترف الذي لا أحلام لديه إلا تلك الإستهلاكية المحدودة النظرة
    مصاف الدول المتقدمة ؟!!!

    ردحذف