الخميس، 8 أبريل 2010

حوارات من موسم البشر الجميلين



حوارات من موسم البشر الجميلين
عبدالله الحراصي
[حوارات من عالم افتراضي]





الحوار الأول
إنسانة:       أهلاً... جميل أن تقرع مسائي...
إنسان:       سأقرعه كل ليلة إذاً ...
إنسانة:       وأنا سأسر... ما أخبارك؟ والعالم من حولك؟
إنسان:       العالم من حولي تصنعه عيني. أرى ما أصنع ...
إنسانة:       بالنسبة لي العالم حكاية تقضمني كل مساء.. وأنا أنزعج لأجل البشر ... البشر كائنات مؤذية .. وأنا أحتملها لدرجة اني مخرّبة من الداخل ..
إنسان:       الأهم هو بقاء الداخل متماسكاً..
إنسانة:       وما هي قصتك؟ هل سرت في طريق الحياة قفزاً؟
إنسان:       نعم كنت أنط ... أقفز وأقفز وأٌقفز... كأني في سباق أزلي... أنني أدرك الان انها كانت رحلة أقرب للعبث...
إنسانة:       كنت دائماً أقول.. للعبث وجه مضحك
إنسان:       أتودين القفز مثلي؟
إنسانة:       لا. هذا كثير على تصعلكي...
إنسان:       وأنا أصفق لتصعلكك... أرفع له كمّتي...
إنسانة:       أحياناً لا أنكر انني أشعر بالخوف... صوتي واضح.. لا أتعثر كثيراً .... أعرف ما أريد...
إنسان:       ما زلت أصفق لك...
إنسانة:       ما يعرفه الآخر عنك وثقتك وفرحك المبالغ يجعل ذلك الآخر يشعر بالاهتزاز...... دون أن يدري أنك ترتجف أكثر منه في داخلك .....
إنسان:       تقولين كلاماً أكبر مني.. قولي كلاماً بسيطاً أفهمه...
إنسانة:       المسألة لعبة لا أكثر .....لعبة لغة يا عزيزي ... أنا اكتب قصائدي بها ...اتنفسها ...أنفخها كبالون ... وأفرقعها في وجه الغرباء ليضحكوا... أما نحن فلا شيء بحجمنا سوى الخيبات..
إنسان:       ترى كيف تكونين خارج قصائدك... خارج لغتك؟
إنسانة:       الاشياء المخبوءة تقدم نفسها بإغراء متعالٍ... الإغراء فن .. الإغراء حكاية تطيل أظافرها ... قد تقع يوماً من الشرفة لأن وردة تفتحت أمام عينيك ... قد تندلق القهوة من يدك لأن حكاية مدت أصابعها لتهرش جلدك... قد ... وقد ...
إنسان:       رائع..
إنسانة:       كل شيء هنا يقرمنا حتى العظم... لا ضير في أن نضحك ..
إنسان:       هذا شعور الإنسان
إنسانة:       لا.. هذا شعوري أنا لا غيري ... حين يتشابه اثنان فمعنى هذا أن أحدهما ميت ...
إنسان:       سأحاول أن أفهم هذا ... أنا بطيء الفهم
إنسانة:       عقولكم مبرمجة كالعادة..
إنسان:       أنا إنسان...
إنسانة:       الإنسان .... الكائن الغاط في الحزن والعبث..
إنسان:       انك تتوغلين الان
إنسانة:       التوغل في الأشياء يجعلها تبرق..
إنسان:       وهذا ما تفعلين...
إنسانة:       يصبح العالم بحجم دمعة مالحة تسقط في القلب..
إنسان:       أنا منذهل منك ... من اللغة .. من الرؤية ....
إنسانة:       لا شيء يدعو لذلك .. فقط أتمرس الكذب منذ طفولتي ...
إنسان:       وهل تكذبين؟
إنسانة:      كم أكذب! حين كنت صغيرة كانت أختي تخيط الملابس وأنا أخيط الكذب الشهي...
إنسان:       حسناً...
إنسانة:       نبدو قساة ... نأكل لحمنا .. لكننا كائنات افتراضية .. تغني .. ترقص .. تصرخ ...
إنسان:       حينما تخرجين أوصدي أبواب اللغة وراءك....
إنسانة:       سأفتحها.. سأشرعها .. لكي أحلم جيداً

الحوار الثاني
إنسانة:       مات زوجي... لقد قُتِلَ...
إنسان:       مسكين...
إنسانة:       كان دائماً يحلم بموته .. وأنا الان ألبس "شيلة" طويلة لأمسح بها آثار زوجي ...
إنسان:       وماذا؟
إنسانة:       وأخبيء "مجزّاً" تحت رأسي لأبعد الأرواح عني ...
إنسان:       يعجبني الخيال الطليق ...
إنسانة:       هذا ليس خيالاً ... أنا جادة ... منذ أيام وأنا أعيش الحالة ...
إنسان:       لك أقنعة إذاً!
إنسانة:       لا أعرف نفسي كثيراً ... أقنعتي كثيرة
إنسان:       أمر مضحك
إنسانة:       انني أرملة ... لا يجوز أن تتحدث هكذا إلى أرملة
إنسان:       أريد أن أرى الأرملة ... وغير الأرملة ... فيكِ...
إنسانة:       لن تراني ... أنا أفتح نافذة مخيلتك على اتساعها...
إنسان:       الإنسان كامل.. لغته .. جسده .. صورته ....
إنسانة:       ستراني قريباً بلحمي وشحمي ....
إنسان:       حسناً
إنسانة:       احتمل مرحي وجنوني وحزني وتداعياتي...
إنسان:       حسناً...
إنسانة:       وأنا سأحتملك أيضاً...
                  (لحظات صمت)
إنسان:       نعم ...
إنسانة:      صمتك أخافني... هل تعرف أن صمت الآخر وبشكل فجائي كالدبوس في جسدي
إنسان:       جسدك سيظل صافياً من أي دبوس..
إنسانة:       ياااااااااه ... لقد فرقعت بالوناً .... كبيراً كسماء
إنسان:       نزين ....
إنسانة:       نحن كائنات هشة...
إنسان:       اسمعي ... ما استوقني هو الإنسان وليس اللغة وليس القصيدة أو القصة ... كله قبض الريح سوى الإنسان الذي اصطدمت به ....
إنسانة:       أنت غبي .... وأنا لا أقول "غبي" إلا لشخص أعزه وأحبه ومقرب جداً
إنسان:       اسمعي كذلك .... هناك إنسان رائع الان في ايسلندا أو في غابة من غابات الامازون يمارس الكسر... وأنا سعيد به ... أنت أنثى وأنا أتخيل حجم الركامات فوقك ... تلك التي تحد من جنونك وكسرك .. وأنا أفهم هذا ... لكني لا أستطيع أن أعيش التفاوض مع المجتمع من خلال إنسان عزيز اعتبرته إنساناً كاسراً...
إنسانة:       كم أحب أن ألعب على حبل الفضول الحاد! أنا ريفية ... بسيطة جداً ... ولا أخجل من نفسي ... ومن كوني امرأة... الرجل كائن جميل ولكني لست بحاجة اليه ليسندني ... انا احتاجه كما يحتاجني .... الحاجات المتساوية ... أما أحلامي فبداخلي أنا ... كم أنا حزينة على نساء حارتي اللاتي وضعن أيديهن على خدودهن وبدأن يحلمن برجل... أنا هنا المرأة التي تملك صوتاً قوياً ... لا أدري إن كنت تسمعني أم لا، فأنا أنثى القصائد والقصص... امرأة الحكايات والفرح .... أعدك ... ستراني أضج بفرحي وحزني ... ستراني أمشي وأنط ... وأضحك ...
إنسان:       اصطدمنا كإنسانين .. وسنبقى كذلك ...
إنسانة:       الصدمة توقظ ... تبعث الحياة أحياناً... والصدمة تفتح عيني فأنتبه...
إنسان:       لو شعرت لوهلة بخلاف الإنسان فيك ... الإنسان الإنسان الإنسان ... الإنسان الكاسر ... لانسحبت ... لانسحبت منك ...
إنسانة:       ولكني لست إنساناً ... أنا حورية بحر ....
إنسان:       هههه
إنسانة:       البشر الجميلون كالعشب ... لا يأتون الا في مواسمهم ... ربما هذا موسمك ...

الحوار الثالث
إنسانة:       كل يوم اجلس مع "الحريم" وأسمع سوالف "الحريم" وأصطاد تفاصيل حلوة..
إنسان:       وكيف تصطادينها؟
إنسانة:       كل يوم أحمل معي ورقة وقلم وأسجل أشياء مدهشة...
إنسان:       أنا الان في سياقات أشعر في كل لحظة من لحظاتها بالدهشة .. دهشة من اللا متوقع ... العالم تحول إلى قصيدة مذهلة في إدهاشها ....
إنسانة:       أية سياقات؟ بالتأكيد أنا ضمنها؟
إنسان:       ضمنها؟َ!!! أنت هي..
إنسانة:       وهل تسجلها مثلي على ورقة؟
إنسان:       نعم سجلتها، ولكن ليس في ورقة ... وقد سجلت حواراً بين إنسان وإنسانة ....
إنسانة:       ماذا؟!
إنسان:       نعم وأسميته "حوارات من موسم البشر الجميلين" ... لأن البشر الجميلين كالعشب لا يأتون إلا في مواسمهم ....
إنسانة:       سأنتظره .... سأنتظرك ... سأنتظركما .... أتوسل إليك... إقرأ لي منه ...
(يقرأ إنسان على إنسانة مقطعاً من الحوار يقول " أهلاً... جميل أن تقرع مسائي...")
إنسانة:       أحبك بكل هذا البهاء أيها الإنسان اللص ....
(يقرأ إنسان على إنسانة مقطعاً آخر من الحوار: "سأقرعه كل ليلة إذاً ...")
إنسانة:       يا إلهي .... انا مندهشة ... هل يخرج النص من إبط الحكاية التي نعلكها؟ أنت مدهش ... أنت جني ... أقسم أنك جني ...
إنسان:       (يضحك)
إنسانة:       (تضحك) انها حكايتنا ...
إنسان:       (ما زال يضحك)
إنسانة:       ولكن الحكاية لن تنتهي ... كلما التقينا سنلقي حملاً جديداً على كاهلها ...
إنسان:       ستكون على حلقات طويلة إذاً؟!!!!
إنسانة:       حلقات؟ سنكتب مزاجنا وقهوتنا وقرفنا ... يا الهي! أنت جني ... الجن هم كائنات المفاجأة ....
                  (لحظات صمت)
إنسانة:       هل سنلتقي هذا المساء؟
إنسان:       انها الاربعاء... ومساء الأربعاء هو مساء الأصدقاء... مساء رجال الحكايات وبسط أفرشة الحزن...
إنسانة:       هذا المساء سيكون إذاً بارداً وحزيناً ... ولن يشرب الحليب .... ولن يتغطى جيداً...
إنسان:       لنتحدث عن هذا المساء لاحقاً ... سأتركك الان ...
إنسانة:       لا تتركني .... فقط اذهب ... ولكن .... لا تخبر أحدا عن الإنسان والإنسانة .... سيكون سرنا ....اتفقنا ... أنا لن أشي به ....
إنسان:       اتفقنا...

هناك 6 تعليقات:

  1. إنسان و إنسانه،،،، حوار جميل
    لم أكن أعرف يا دكتور أنك بالاضافة لكونك ابن سينا أنك قاص أيضا!!!

    ردحذف
  2. رائع.رائع. شرارة الإبداع الفطري المبهّر لدى إنسانة حّدت من قدرة ميكانيكية تفكير ولغة إنسان على إجهاض المتعة التي توشى بها النص. شكرا

    ردحذف
  3. اخيرا يادكتور بعثت الدفئ لهذا المكان الجميل ..

    ردحذف
  4. جميل هذاالحوار
    ليت كل حوارات العالمين كهذا
    هدوء وغواية
    د.عبدالله لطفا لا تحرمنا من جميل إبداعك .

    ردحذف
  5. راااااااااااااائع جدا جدا جدا

    البشر الجميلون كالعشب ... لا يأتون الا في مواسمهم ... ربما هذا موسمك أنت يا دكتور ...

    سوسن

    ردحذف
  6. أعرف الآن كيف سأخاطبها

    ردحذف