قدمت مجلة الايكونوميست البريطانية لقراءها في عددها قبل الأخير (عدد 17-23 ابريل 2010) ملفاً في غاية الأهمية حول الأدوار الاقتصادية الكبيرة التي تلعبها الاقتصاديات الناشئة في الاقتصاد العالمي. يحمل هذا الملف عنواناً في غاية الدلالة هو "العالم وقد قُلِبَ رأساً على عقب" The World Turned Upside Down. ربما تتلخص الفكرة الأساسية في الملف في الجملة الأولى في مقال أدريان وولدريدج Adrian Wooldridge التي تقول "إن العالم الناشئ، الذي طالما كان مصدراً للعمالة الرخيصة يتحدى الدول الثريّة الآن على الإبداع في عالم الأعمال". المقصود هو أن دول العالم التي كانت فقيرة وكانت دوماً مصدراً لا ينضب للعمالة الرخيصة غير الماهرة مثل الهند والصين أصبحت تنافس العالم المتقدم في أحد أهم الأعمدة في الحياة التكنولوجية والاقتصادية، ألا وهو عالم البحث والتنمية، وعالم الإبداع في الأعمال التجارية. ويشبّه هذا المقال التطورات في الإبداع التكنولوجي وفي عالم الأعمال في دول مثل الهند والصين وغيرها من الدول الناشئة بما حدث من تطورات تكنولوجية في اليابان منذ الخمسينات من القرن الماضي. ومن أهم معالم هذه التطورات التي يشهدها العالم الناشئ:
-تقديم منتجات وخدمات أرخص كثيراً من مثيلاتها الغربية
-إعادة اختراع نظم الانتاج والتوزيع
-تجريب نماذج جديدة تماماً في عالم الأعمال.
ويتساءل وولدريدج عن السرّ: ما الذي يجعل تلك الدول التي لم تكن تعرف في العالم إلا بعمالتها الرخيصة تتقدم هذا التقدم الكبير؟ الجواب يكمن في شيء بسيط عظيم في آن واحد هو "الحلم"، إذ أن "الشركات في تلك الدول تحلم أحلاماً أكبر".
لا أريد أن أطيل هنا في تفاصيل ملف الإيكونوميست الذي أنصح الجميع بقراءته هنا ولكني أود أن أنتقل إلى أمر ذي صلة بهذا وهو الغياب الكلّي لأي حضور عربي في هذا العالم الناشئ الذي قلب الأمور رأساً على عقب كما تقول الإيكونومست. هنا أستدعي قولاً للراحل فرد هاليداي قاله في الحوار الذي أجريته أنا وعبدالملك الهنائي معه حين تحدث عن ضرورة التخفيف من غلواء فكرة التهديد الإسلامي، قائلاً بأن العالم العربي ليس له وزن حقيقي في العالم، برغم كل الزعاق الذي نسمعه حولنا حول هذا الأمر. يقول هاليداي "التهديد الذي يواجهه الغرب حالياً يأتي في واقع الأمر من التصنيع في الشرق الأقصى، ومن تغير السلطة في المحيط الهادي. وبهذا المقياس فليس ثمة وزن كبير للشرق الأوسط - فالشرق الأوسط, ومعه أفريقيا، يقعان إلى حد كبير خارج التحولات الاقتصادية التي شهدتها الأزمنة القريبة. وقد أخفت أموال النفط هذا الوضع الهامشي, إلا أننا إذا تحدثنا بعبارات مقارنة فان الشرق الأوسط قد خسر في التغيرات التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية."
كان اللقاء في نهاية تسعينات القرن العشرين، بمعنى ان هاليداي لاحظ التحرك الأقتصادي في الشرق الأقصى، ومن كونه يشكل تهديداً للغرب. وقد تحققت نبوءته فها هي القوى الاقتصادية البازغة قد تحركت وقلبت طاولة الاقتصاد العالمي، فأصبحت تلك الدول مؤئل ليس فقط الإنتاج الإقتصادي، بل حتى الإبداع التكنولوجي والتجاري. أما عن العرب فالأمر الأخطر أنهم "شاربين مقلب في أنفسهم" فهم كما قال هاليداي "خارج التحولات الأقتصادية التي شهدتها الأزمنة القريبة" وأنه وضع العرب الهامشي قد أخفته أموال النفط ليس إلا.
هناك مشكلتان: المشكلة الأولى تكمن في غياب الأحلام الكبيرة. ما الذي يجعل الدول والشعوب العربية لا تحلم أحلاماً كبيرة، مثل الأحلام الكبرى التي غيّرت مسيرة الاقتصاد العالمي لدى دول مثل الهند والصين والبرازيل وغيرها؟ وهذا بطبيعة الحال سؤال ضخم، تتعقد إجاباته، ولكني أجد في كلمة "الحلم" مفتاحاً رائعاً لتحريك سكون المقابر الذي حلّ بالعرب، بدولهم وبشعوبهم وبشركاتهم وأعمالهم.
المشكلة الثانية هي أن العرب لا يشعرون بمصيبتهم أبداً بل يعتقدون بأنهم متقدمون، بل أنهم كما يحلو لوسائل الإعلام العربية القول "في مصاف الدول المتقدمة". ولمن أراد بعض الضحك المرّ عليه أن يفعل ما فعلت: فقد أدخلت عبارة "في مصاف الدول المتقدمة" (متضمنة علامات التنصيص "...") في جوجل الذي أخبرني أن هناك ما يصل الى أكثر من 100 ألف استخدام باللغة العربية لهذه العبارة، ومن أراد تجرع مرارة هذه النتيجة والنظر في نماذجها عليه الضغط هنا لرؤية النتائج في جوجل.
أعيد هنا نشر هذا الحوار مع الراحل فرد هاليداي الذي توفي يوم أمس الأثنين 26 ابريل 2010. نشر الحوار في الأصل عام 1998 في مجلة نزوى العمانية.
فرد هاليداي : "الثراء العظيم للعالم الاسلامي يكمن في تنوعه"
حوار: عبدالله الحراصي وعبدالملك الهنائي
مقدمة
تحولات كثيرة جذرية في الواقع والأفكار عصفت بفكر هاليداي, طالت بناه الأساسية في الصميم, لم تعد الماركسية منهجا أكيدا ولم يعد اليسار طرقا للتغيير. والأنظمة الشرقية التي كان يدينها أصبحت "سيدة مصيرها"، وربما انتقل من نقد هذه الأنظمة إلى نقد حضارة بعينها. وربما صار أقرب إلى مركزيته الأوروبية, تلك التي كان ينطلق من مقابلها ونقيضها.
يبقى هاليداي ذلك المفكر اللامع والمرجعية التي لا غنى عنها في شؤون العرب والمسلمين والشرق بصفة عامة.
يعمل فرد هاليداي أستاذا للعلاقات الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
حصل على البكالوريوس من جامعة أكسفورد وعلى الماجستير من مدرسة الدراسات الأفريقية والشرقية التابعة لجامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وكان موضوع رسالته العلاقات الخارجية للتنمية الديمقراطية.
يتقن عدة لغات شرقية وأوروبية من أهمها العربية والفارسية والفرنسية والألمانية والروسية.
يعتبر من أهم الخبراء بالمنطقة العربية وله عدة إسهامات ومؤلفات في هذا المجال من أهمها
1- الثورة الأثيوبية.
2- الإسلام والغرب: خرافة المواجهة.
3- إعادة التفكير في العلاقة الدولية.
4- إيران: الثورة والتنمية.
نص الحوار
انطلاقا من الرأي الذي يقول إن السياسة استمرار سلمي للحرب غدت اللغة عاملا مهما في السياسة المعاصرة في المعالم العربي، فهي السلاح بيد مستخدميها وهي الميدان الذي يجري فيه كثير من الصراعات .هل تتفق مع هذه الرؤية التي ترى وجود امتداد أو بعد لغوي للتطورات السياسية في العالم العربي؟
اتفق مع هذا ولكن إلى حد معين فقط. أجل أن اللغة، مثلها مثل التاريخ، مكوّن مهم من مكونات السياسة - الصراع بين الدول، والصراع داخل الدول بين القوى السياسية والاجتماعية المتنافسة، أضف إلى هذا أن اللغة جزء مهم في تحديد الشعوب والمجتمعات وتفاعلها الاجتماعي، ذلك أن كل من بيدهم مقاليد السلطة (كالدول، والآباء، والسلطات الدينية، والمدرسين) يسعون إلى غرس فهمهم لما يرونه صحيحا من الكلام والمفردات والأداء اللغوي فيمن هم تحت سلطتهم. هكذا ظل الأمر دائما، إلا أن عالم الإعلام المعاصر قد أبرز هذا وأكده بدءاً بالصحافة المعاصرة، فالإذاعة ثم التلفاز والقنوات الفضائية، والآن عبر الانترنت.
إلا أنني لا أظن أن هذا يعني أن اللغة، في العالم العربي أو في غيره، هي ميدان مستقل للسلطة أو أنها عامل قائم بذاته. إن اللغة أداة يستخدمها من في يدهم السلطة، أو من يريدون تحدي السلطة. واللغة لا يمكنها أن تشكل الأحداث، ولا يمكن بحال من الأحوال مقارنتها بعوامل القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية. إذن، أنا أقول "نعم"، ثمة بعد لغوي للسياسة في العالم العربي، كما هو الحال في بقية أنحاء العالم، لكن اللغة ليست عاملا مستقلا، كذلك فأنا لا أعتقد أن العالم العربي مختلف جذرياً عن بقية أنحاء العالم في هذا الشأن، فالخلافات التي تنشب حول المصطلحات وشرعية الدول أو عدم شرعية الخصوم من خلال استخدام مفردات معينة هي ظاهرة كونية. وثمة نقطة أخرى أن الحرب هي استمرار للسياسة وليس العكس .
تميز التاريخ العربي المعاصر بـ" الثراء" في الخطاب السياسي القائم, غير أن هذا الثراء لا ينعكس على الأحداث الحقيقية. ما مرد هذه الهوة بين ما يقال وما يحدث في الواقع؟ أيمكننا أن نقول أن ثمة فصاما تاريخياً يعيشه العالم العربي في الوقت الحالي ؟
مرة أخرى أعتقد أنك بهذا تخاطر بالتعامل مع العالم العربي وكأنه حالة استثنائية أو مختلفة جذريا، وهذا غير صحيح. إن اللغة السياسية العربية ثرية، وكذلك حال اللغات السياسية لدى الأمم الأخرى. إن لكل مجتمع لغة شرعية عامة، وتشكيلا تاريخيا، منقطعات عن الواقع. وقد حدد بيغوت Bagehotمحرر مجلة الايكونومست في القرن التاسع عشر عنصرين من عناصر الدستور البريطاني - الكفاءة والتبجيل. إن ملكة بريطانيا تبدو وكأنها تحكم، لكن الأمر ليس كذلك في الواقع، وفي كل موقع في العالم تدعي القوى السياسية، تلك التي تملك مقاليد السلطة والتي لا تملكها، إنها تمثل المصالح "الوطنية" في حين أنها تدافع في واقع الأمر عن مصالحها الخاصة ليس إلا. لقد كتب الكتاب الايرانيون مثل داريوس شايجان Dariush Shayeganعن الانفصام الذي يحدثه الصدام بين الثقافتين الغربية والإيرانية، ليس أقلها في الممارسات الأسرية وفي الطموح التعليمي. ولقد مزق الرياء السياسي المجتمعات الشيوعية - حيث تدعي الدعاية الرسمية انجاز ما يقترب من حالة الاشتراكية المتقدمة، بينما أظهرت الحقيقة التي يعلمها الجميع أمراً مختلفاً.
هل تتفق مع من يقول بأن الغرب يتقدم في حين أن العرب في حالة تخلف؟
قد تكون مصيباً غير أني لا أحب هذا السؤال. بادئ ذي بدء لا يوجد هناك "غرب" واحد، كما لا يوجد "شرق " واحد أو عالم عربي واحد. توجد ثقافات وشعوب مختلفة داخل الغرب نفسه، ورؤى مختلفة، من المحافظة على الليبرالية والاشتراكية، حول الكيفية التي ينبغي بها تنظيم العالم. وطوال التاريخ المعاصر، فإن الصراع بين الشرق والغرب قد وازنته صراعات داخل الغرب نفسه - الثورات العظام والحركات الاشتراكية، التي مازالت برامجها مستمرة إلى يومنا هذا من خلال الحروب، والمناقشات التي تدور حول كيفية تنظيم المجتمع، كذلك فإن تاريخ العالم العربي يتميز هو الآخر بمثل هذه الثورات والمناقشات. إن ما يهمني هو هذه النقاشات التي تدور داخل أوروبا أو العالم العربي أو إيران، لا الصراع بين الشرق والغرب .
إن كل دول العالم تشكل جزءا من اقتصاد عالم واحد، ومنظومة معلوماتية واحدة، وعلى نحو آخذ بالازدياد، عالم من القيم المشتركة. إن كل دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة تلتزم بالدفاع عن هذه القيم، وتلتزم كل الدول والشعوب التزاماً رسمياً بالرخاء الاقتصادي، وبالسلم. إننا جميعا نقع ضمن نفس المنظومة، وعلى هذا فإنه لا يمكننا أن نزدهر إن لم يزدهر باقي العالم. إن وهم الليبرالية الجديدة في التسعينات يرى أن بعض الدول، وهي الدول المتطورة، يمكنها أن تحافظ على رخائها وازدهارها في حين أن يبقى عموم سكان العالم منتقدين لهذا الازدهار، وهو ما لا يمكن أن يتم، فالازدهار الكوني، مثله مثل السلم الكوني، هو أمر غير قابل للتقسيم .
هل للعالم العربي مشاكله الخاصة به، أي تلك المتعلقة بالتنحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ أجل لقد حاولت أن أحلل هذا المشاكل في كتبي، ومنها الفصل الأول في كتاب "الإسلام وخرافة المواجهة"، حيث فندت هناك ثلاثة تفسيرات مألوفة. التاريخ الحتمي الذي لا مفر منه (أي مقولة أن "العرب كانوا دائما هكذا") والامبريالية ("الغرب هو المسئول عن كل شيء")، والاختزال الثقافي (إن كل هذا من جراء الإسلام"). إن فكرتي هي أن علينا أن ننظر إلى أشكال الدولة المختلفة التي تم تأسيسها في العالم العربي في القرن العشرين . إن العرب هم الآن، أكثر من أي وقت مضى، سادة مصيرهم.
"صدام الحضارات" و"نهاية التاريخ" ليسا إلا عنوانين يدلان على نزعة غربية لقراءة شمولية للتاريخ المعاصر للعالم بأكمله. وعلى الرغم من أن الكثيرين قد أظهروا ضعف هذه الطروحات أو خطأها، فهل يمكننا مع ذلك أن فقول أن لها آثاراً سببية مستقبلية؟ بعبارة أخرى، قد ترى بعض الإيديولوجيات السياسية في العالم العربي، وخصوصاً الايديولوجيات الإسلامية، رؤية هنتنجتون صائبة, وتشكل برامجها السياسية على هذا الأساس (أي الصدامي مع الغرب).
بدءاً أرى أنه من التضليل الحديث عن "الغرب" أو الإسلام باعتبارهما وحدات عابرة للزمن وللدول وللرؤى السياسية والاجتماعية والإيديولوجية نفسها الموجودة في الغرب، وبين الدول الإسلامية وداخل كل منها بل إن الحديث عن هذه المصطلحات أمر مغر إلا أنه كثيرا ما يكون أمرا خاطئاً. لا يوجد هناك خطاب "غربي" موحد فيما يتعلق بالشرق الأوسط، أو العالم الإسلامي (والاثنان أبعد ما يكونان الشيء, ذاته )، كما أنه لا يوجد خطاب شرق أوسطي أو خطاب عالم ثالثي في الغرب.
إن تفسير مثل هذه التعميمات الخاطفة هو أمر مركب فكل المواجهات السياسية، سواء حدثت بين الدول أو في داخلها، تستلزم استلهام التاريخ واستخدامه، واستلهام النصوص الدينية المستمدة من التاريخ سعيا وراء أهداف محددة. لقد قال الكاتب الفرنسي ايرنست رينان Ernest Renan"إن تفهم تاريخك فهما خاطئا هو جزء من تكوين أمة من الأمم". وهذا ينسحب على العلاقات بين الدول اليوم على النقاشات الدائرة حول الدين. إن الماضي لا يقدم إجابات على مشاكل الحاضر، لكنه يقدم بديلاً احتياطيا لها، مثل النصوص المقدسة، التي يمكن استغلالها لتبرير أي موقف ترغب في اتخاذه في الوقت الحاضر.
إذن فإن الجواب الأول على هذا السؤال هو أن ثمة قضايا مختلفا عليها في الوقت الحالي يشكل التاريخ فيها مصدرا للشرعية وليس للتفسير، كما يجب أن يكون.
إن الثقافة, أو الحضارة, لا يقدمان إجابة واحدة موحدة على القضايا المعاصرة. وتتجلى أوضح الأمثلة في الخلافات حول الأراضي المتنازع عليها بين الدول, لكن الأمر نفسه قد ينسحب على النقاشات حول النظم السياسية والاقتصادية المتصارعة, أو السلوك السليم للحياة الأسرية, أو كيفية التعامل مع الازدحامات المرورية في المدن.
أن البروفيسور هنتنجتون هو مفكر رائع إلا أن أطروحته حول صدام الحضارات هي فكرة باطلة. إن الثقافة قلما كانت أساسا للصراع في النظام الدولي، والأمر صحيح في الوقت الحاضر. وإن نظر المرء مثلا إلى العلاقات بين الإمبراطورية العثمانية وأوروبا فإننا نرى فترات صراع مع دولة غربية واحدة يوجد فيها أيضا تحالف مع دول أخرى. كذلك فإن ألمانيا وقفت إلى جانب تركيا. وفي الوقت الحديث رأينا الغرب يشجع صعود المحافظة الإسلامية لأهداف ترتبط بالحرب الباردة, أولا ضد جمال عبد الناصر، في الستينات, ثم ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان, في الثمانينات. بل أن الصراعات أكثر ما تقع بين الدول ذات التوجهات الثقافية المتشابهة. وانظر إلى الصين واليابان, وألمانيا وفرنسا، وإيران والعراق. أضف إلى ذلك أن ثمة استخداما مضللا للتاريخ في أطروحة هنتنجتون, حيث يبدو أنه يفترض أن الثقافات والحضارات وغير ذلك هي أمور ثابتة, كمواقع في خارطة. والواقع غير هذا، فالثقافات والحضارات يحددها ويعيد تحديدها كل جيل, استجابة لاهتمامات حالية, وتحددها مجموعات معينة على حساب مجموعات الأدلة التي يتم الاستشهاد بها - مثل نسب الادخار العالمية وقيم العائلة, واحترام الحكومة - هي ظواهر معاصرة تستخدم لمواجهة متطلبات من هم في السلطة. إلا أنه كما قال كريس باتن ChrisPattenالحاكم البريطاني السابق في هونج كونج مؤخراً فإن استخدامها ينحصر على قيام مجموعة من الناس بإخراس مجموعة أخرى. أما في العالم الإسلامي فنرى أن من هم في السلطة يلجئون إلى الدين لتبرير تمسكهم بالسلطة, أو في حالة من هم خارج السلطة, لتبرير محاولتهم ادعاءها. إن الثقافة أمر مرن ويستغل كوسيلة, ويتوجب علينا أن ننظر إلى بِنى السلطة والثروة في الدول والمجتمعات والأسر، وترى في الطرف الذي يصب في مصلحته كل هذا الاستثمار للثقافة والتراث وعندها يصبح أمرا لا يقتضي وقتا طويلا.
أما الموضع الذي كان فيها هنتنجتون أكثر صوابا فيكمن في قوله أن هدف الاصوليين في العالم الإسلامي هو هدف داخلي. فنحن نرى هذا الأمر مثلا في إيران: حيث افترض أن "الثورة الثقافية" التي طرحها الخميني كانت, كمثيلتها في الصين في عهد ماو، ضد التأثير الخارجي، غير أنها كانت في الواقع موجهة ضد التيارات الأدبية والإيديولوجية التي لم يرض عنها الخميني داخل إيران نفسها. إن أفضل السبل للجم أفواه النقاد في الداخل يكمن دائما في وصمهم بتهمة العمالة لقوة خارجية. إلا أنني أرى أن هنتنجتون قد جانبه الصواب في الاستنتاج الذي وصل إليه مستخدما هذه الحقيقة، فأولا ليس الاتجاه نحو أعداء الداخل حكرا على الإسلاموية, بل إنه سمة لكل الحركات التقليدية الحديثة, فهو صحيح أيضا عن الاحيائية الهندوسية في الهند، كما هو صحيح عن اليمين الديني في إسرائيل, وعن 80 مليون أصول مسيحي في الولايات المتحدة. ثانيا إن علينا أن ننظر إلى المصالح السياسية والاجتماعية التي تخدمها هذه الدعوات. إن الثقافة هنا لا تفسر ما يحدث.
انتقد ادوارد سعيد تعامل الغرب مع الإسلام بوصفه كيانا واحدا بينما يوجد، كما يري هو، أكثر من إسلام, أي أنه يوجد إسلامات محلية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. وفي كتابك الأخير "الإسلام والغرب:خرافة المواجهة" نرى أنك تؤيد الرؤية نفسها محاولا إضعاف أطروحة الخطر الإسلامي. ولكن, الا تغفل هذه الرؤية للإسلام حقيقة أن الإيديولوجيات الإسلامية المعاصرة تشترك في أمور كثيرة, حيث أن أهدافاً كثيرة للجماعات الإسلامية تتجاوز حدود دولها وصولا إلى أهداف أعم مثل الخلافة. أليس هذا إسلاما كونيا؟
من المؤكد إن هناك أطروحات مشتركة في الخطابات الإسلامية. مثل نقد الهيمنة الغربية والفساد، والتضامن مع فلسطين, والنظرة المحافظة اجتماعيا للمرأة, والدعوة إلى تكوين مجتمع فاضل مستقيم يسمى بالمستضعفين أو الأمة أو المؤمنين, أضف إلى ذلك أن هذه الحركات تؤثر أيضا في بعضها بعضا. إلا أنه على الرغم من هذا فإنه توجد بينها اختلافات ضخمة أيضا. لقد ذكرت في سؤالك الخلافة -إلا انه لن تجد من ينصحك بالدعوة إلى هذا الأمر في مكة أو إيران. إن نظام الخميني يشمل في آن واحد ولاية الفقيه ودرجة قوية, مؤسسية, من الديمقراطية، ولا توجد أي حركة إسلامية أخرى تؤيد هذا، أما الجزائريون فيريدون خلق المجتمع الرسالي, مع أنه لا يوجد من يجزم بماهيته، ويوجد العديد من البرامج بعدد الحركات الموجودة - ومرد هذا كله هو أنه على الرغم من كل هذه المؤثرات والثقافة المشتركة إلا أن هذه الحركات تعمل في دول مختلفة, لكل منها تاريخه ونظامه السياسي الخاص به, والأمر نفسا ينسحب على مفهوم الشريعة.
يجادل الأصوليون بأن ثمة برنامجا مشتركا، ويرون أنه لابد من وجود مثل هذا البرنامج, كما يقولون, بسبب أن برامج كل هذه الحركات مستمدة أصلا من النصوص الإسلامية المؤسسة. إن الادعاء بأن الإسلام كدين يتطابق مع الإسلام كمنظومة سياسية أو اجتماعية هو ادعاء لا سند له لسببين. حيث أنه يتوجب أن ننظر إلى ما يفعله الناس, وليس ما يقولونه أو ما يعتقدون أنهم يفعلونه. فأولا يوجد في تاريخ العالم الإسلامي تنوع كبير من الأشكال السياسية والاجتماعية, تماما كما هو الحال في العالم الإسلامي المعاصر. إن تاريخ الإمبراطوريات الإسلامية بدءا بالقرن التاسع فصاعدا, هو تاريخ تكوين الدول المتمايزة على أسس قبلية وحزبية وعرقية مستخدمة الدين لتبرير شرعية هذه الدول ولفرض الطاعة ولاء الآخرين. ومن المؤكد انه يمكنك كتابة تاريخ إسلامي خالص للعالم الإسلامي من تاريخ الهجرة فصاعدا، لكن بالإمكان أيضا يمكن كتابة تاريخ دنيوي. إن الثورة العباسية, أو صعود وانهيار الفاطميين, لا يحتاج تفسيرها إلى مفاهيم دينية, بل إن السعي وراء التفسير الديني هو أمر في غاية الصعوبة, إلا إذا فسرنا التاريخ مستخدمين مفاهيم عامة مثل الفضيلة والرذيلة والصراع بينهما. وينطبق الأمس على التاريخ المعاصر، فلو فسر الإسلام السلوك السياسي والاجتماعي, لوجد لدينا وحدة في الحياة، سياسية واجتماعية, وهو ما لا يوجد بكل تأكيد. إن الثراء العظيم للعالم الإسلامي يكمن في تنوعه. ثانياً، إن سياسة العالم الإسلامي ومجتمعه هما، إن نظرت إليهما نظرة مقارنة نفس ما هو موجود خارجه نعم توجد بعض أشكال التماسك والتكافل, لكن توجد أيضا الدكتاتوريات والديمقراطيات, التصنيع والأزمات الزراعية, والأسر التي تتغير استجابة لمتطلبات العالم المعاصر، والصراعات بين الأعراق, والثورات العرقية والوطنية، وهلم جرا. العرب والمسلمون, يعشقون, ويكرهون ويسرقون, ويجمعون المال, ويموتون كما يفعل الآخرون من بني البشر في أي مكان آخر.
نعم يمكن تكوين تعميمات من نوعين, أولاً: فيما يخص القضايا المركزية للإيمان الديني ثمة عنصر مشترك يوجد في الإسلام كما يوجد في غيره من الأديان, إلا أن هذه العناصر المركزية لا تؤدي إلى وحدة في معظم الأمور، حتى المعتقدات أو الممارسات الدينية. انظر إلى تنوع تفسيرات القرآن, أو إلى الشريعة, أو إلى ما يعتبر ممارسة مسلمة مقبولة. ثانيا: تبييت قوة التفاعل بين المجتمعات خلال العصور، ذلك التفاعل الذي تسارعت بسبب خطاه وسائل الإعلام المعاصرة والتنقل فإن ثمة ضرباً من التكافل والمصير المشترك, وهو ما يشكل شعوراً موحداً بالمصير المشترك. ولكن مرة أخرى فإن هذا الطرح لا يأخذنا بعيدا، فالمسلمون يهتمون بفلسطين والبوسنة وكشمير، غير أنك إن نظرت إلى ما يفعله الأفراد أو الدول فستجد تنوعا من الإجابات. كم من الدول الإسلامية فعلت شيئا حول الشيشان مثلا؟ إن العالم مليء بأناس يؤكدون على وجود عناصر مشتركة أو هويات مشتركة, غير أن هذه لا تعدو كونها طموحات وآمال وليست حقائق. والأمر ينسحب على من يعارض العالم الإسلامي: إنهم يتاجرون بالتعميمات ومعظمها خاطئ. إن مشكلة هذه التعميمات هي أنها ما إن تلفظ وتذاع حتى تصبح لها حياة خاصة بها.
هل يرتبط الاهتمام الأكاديمي الغربي بالعالمين العربي والإسلامي ويتأثر بالعلاقات السياسية بين الغرب والعالم العربي؟
إلى حد ما فإن دراسة أي منطقة في العالم تتأثر بعوامل القوة. إن هذا صحيح عن دراسة أوروبا القروسطية كما هو صحيح عن الصين المعاصرة أو العالم العربي. إلا أنه من الخطأ رؤية علاقة تبطل بالضرورة السعي وراء المعرفة. فهنا اختلف مع ادوارد سعيد، أو على الأقل مع الكثيرين من العالم العربي الذين أخذوا نقده للاستشراق لتفحص أي بحث حول الثقافات الأخرى. خلال مقابلة في التليفزيون السعودي في أحدى زياراتي للرياض, انتقدني المذيع بأنني أتحدث العربية وأكتب عن العالم العربي. لقد بدا له أن كل المستشرقين جواسيس. وهذا موقف ارتدادي. إن الاهتمام بثقافات الآخرين ودراستها هو مسعى إثرائي وايجابي ثقافياً.
أما عوامل القوة فتلعب دورا أكثر أهمية في النقاشات الإعلامية والعامة التي تدور حول الدول الأخرى. إن النقاشات حول العالم الإسلامي في الغرب تؤججها بعض العوامل المضللة التي يتمثل أحدها في قضية الصراع العسكري في الشرق الأوسط. وبعبارة واقعية لم يكن هناك أي تهديد عسكري إسلامي لأوروبا منذ هزيمة العثمانيين على أبواب فيينا عام 1683، إلا أن جملة من القضايا المعاصرة مثل تهديدات العراق لجيرانه, أو قضية الانتشار النووي يمكن تقديمها باعتبارها تهديدا "إسلاميا". إن هذه ليست تهديدات إسلامية, كما أن القنبلة البريطانية أو الفرنسية ليست قنبلة مسيحية, أو أن الرؤوس النووية الإسرائيلية تمثل اليهودية. عامل ثان يتمثل في قضية الهجرة إلى أوربا تحديدا. إن موضوع الهجرة يقدم باعتباره "خطرا" إسلامياً في كثير من الدول, وهنا فإن ما هو عنصري يقدم بلغة دينية. إلا أن عاملا ثالثا هو ديماغوغية الحركات الإسلامية نفسها التي تعتنق فكرة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي وفكرة سياسة إسلامية موحدة, وهي فكرة خاطئة. أضف إلى ذلك أن على المرء أن ينظر إلى الدول المختلفة للوصول إلى تفسيرات مختلفة, وفي كتابي "الإسلام وخرافة المواجهة" ناقشت الظاهرة التي سميتها بـ"العداء للإسلام"، ودرست خمس حالات: صربيا، والهند، واسرائيل, وأوروبا، والولايات المتحدة. تحت كل حالة توجد من هذه الحالات قضايا مختلفة على الرغم من أنه ما إن تظهر إلى السطح, فإن التحامل ضد الإسلام يكتسب سمة موضوعية مشتركة. أما حالة الهند التي تعتبر في الواقع الدولة التي يوجد فيها تحامل علني ضد المسلمين في الخطاب السياسي أكثر من أي مكان آخر في العالم فينبغي أن تنبهنا إلى خطأ افتراض أن مثل هذا الأفكار ينحصر وجودها على الغرب.
بالطبع فإن فكرة التهديد الإسلامي هي فكرة محض هراء. حيث إن للمشاكل الموجودة واقعيا أسبابا وأسسا منطقية أخرى. ففي الوقت الحالي توجد أربع وخمسون دولة إسلامية تتبع كل منها سياسات خارجية مختلفة, حيث تتاجر كل منها وتتفاعل مع العالم غير الإسلامي بطرق مختلفة. وان حدث وان أظهرت تهديدات, أي بغزو جيرانها أو بتملك أسلحة نووية أو تشجيع الارهاب, فإنها تفعل ذلك بناء على مصالح سياسية تتعلق بالدولة وليس بناء على مصالح دينية. أضف إلى ذلك أن الأفعال التي تستحق الشجب التي تأتي بها بعض الدول الإسلامية ليست حصرا على العالم الإسلامي، فالتهديدات الإرهابية الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة ليس مصدرها العالم الإسلامي على كل حال- وانظر إلى الجيش الجمهوري الايرلندي ومنظمة ايتا الباسكية في اسبانيا أو إلى تفجيرات أوكلاهوما.
وبنفس القدر فإن من الهراء الحديث عن "الإسلام" باعتباره تهديدا عالمياً، حيث تتسم الأربع والخمسون دولة الإسلامية بتنوع مواقفها وسياساتها وعلاقاتها العرقية والاجتماعية الموجودة في كل منها. إن المسلمين يشتركون في بعض القيم المعروفة والشعور بالتكافل والتضامن، غير أن هذا أقل قوة من ولائهم للشعوب والدول القطرية، ولنأخذ مثال قبرص: كم من الدول الإسلامية أيدت تركيا في مسألة قبرص؟ وانظر إلى الحرب العراقية الايرانية. ثانياً: حتى وان تحدثنا عن جماعات تطرح برنامجاً إسلامياً، أي الجماعات "الإسلامية"، فإن ثمة تنوعاً عظيما فيما بينها، وليس هناك برنامج مشترك كالذي طرحته الشيوعية. ثالثا, ينبغي علينا أن نتساءل عن السبب الذي يمكن من ظهور هذه الجماعات في كل دولة على حدة, وهنا فإن الأسباب تختلف وتتنوع. فالأمور المتشابهة التي تجمع بين ظهور النزعة الإسلامية في تركيا وإحياء الهندوسية الدينية في الهند تتفوق على ما يجمع بين الإسلامية التركية وطالبان في أفغانستان على سبيل المثال, أو نمط الاسلمة الموجودة في باكستان. وأخيراً فإن هذه الجماعات تسعي للوصول إلى تولي مقاليد السلطة في دولها فقط، فهي في المقام الأول إذاً تشكل تهديداً على مجتمعاتها الموجودة فيها. إن الإسلاموية تهديد للمسلمين - ومعظم من تقتلهم هذه الجماعات هم من المسلمين, سواء كانوا في الجزائر أو باكستان أو أفغانستان, أو كما كان في عهد مضى في إيران.
واذا أردنا تفسير سبب نشوء هذا الأسطورة فإننا نلجأ إلى تفسير جذّاب لكنه سطحي يتمثل في أطروحة "التهديد الضروري"، وحسب هذه الرؤية فإن الغرب قد خسر عدوه المتمثل في الشيوعية بعد عام 1989، وكان عليه الآن أن يعيد اختراع عدو آخر يتمثل في الإسلام. إن هذه الفكرة ليست فكرة مقنعة لعدة أسباب، أولها أن العالم الغربي لم يخترع التهديد الشيوعى - حيث كان موجوداً في الواقع، فقد شارك الاتحاد السوفييتي في سباق تسلح, وفي تنافس على التأثير على العالم الثالث, وهذا إذاً لم يكن أمرا مخادعا، ويعرف هذا كل من عنده معرفة عن التاريخ المصري في الفترة من 1955 إلى 1974، أو بتاريخ الدولتين اليمنيتين. ثانيا, إن الافتراض الذي تقوم عليه فكرة "التهديد الضروري" هي أن العالم الغربي يحتاج بشكل من الأشكال إلى عدو خارجي، وهذا ما لا أراه. نعم, إن من الطبيعي أن التهديد الخارجي قد يصدم الدول والمجتمعات. إن ما يريده الغرب بصورته المتعقلة في الديمقراطيات الصناعية هو ببساطة عالم يكون شبيهاً به ما أمكن, ويتاجر معه ويتمتع معه بعلاقات سلمية ونحو ذلك, وفي هذا توجد تهديدات, لكنها تهديدات ترتبط بالتنافس الاقتصادي، والتهديد الذي يواجهه الغرب حالياً يأتي في واقع الأمر من التصنيع في الشرق الأقصى، ومن تغير السلطة في المحيط الهادي. وبهذا المقياس فليس ثمة وزن كبير للشرق الأوسط - فالشرق الأوسط, ومعه أفريقيا، يقعان إلى حد كبير خارج التحولات الاقتصادية التي شهدتها الأزمنة القريبة. وقد أخفت أموال النفط هذا الوضع الهامشي, إلا أننا إذا تحدثنا بعبارات مقارنة فان الشرق الأوسط قد خسر في التغيرات التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية. إن هذا هو الذي يجعل من الحديث عن تهديد إسلامي حديثاً خاطئاً. وهذا يقود المرء إلى التشكيك في المدى الذي أجابت فيه الحلول التي يطرحها الأصوليون أو القوميون (الحضاريون) في الشرق الأوسط حقيقة على هذه المشكلة. في رأيي إنها لم تقدم إجابات في هذا الجانب.
هل تلاحظ امكانية لصدام اصوليات في العالم العربي، مثلا بين الشيعة والسنة؟
من اليسير الحديث عن الشيعة والسنة باعتبارهما كتلتين تتجهان إلى المواجهة. ومن اليسير بنفس القدر تحليل السياسات الداخلية في بعض الدول بلغة طائفية, كلبنان والعراق وتركيا واليمن. نعم, إن مثل هذا الهويات الطائفية تشكل عاملا، لكنها ليست, ولم تكن أبدا، العامل الوحيد. أنظر إلى العراق مثلا. نعم إن كل نظام ظهر منذ 1920، باستثناء عبد الكريم قاسم, قد سيطر عليه السنة العرب الذين لا يشكلون إلا ثلث سكان العراق، لكنهم أيضا قد وظفوا في صفوفهم عناصر من المجموعات الأخرى، ووزعوا الأموال, والتأثير، بين غير أهل السنة. يمكن للمرء أن يرى نظم حكم تحاول أن تؤجج العداء السني الشيعي بهدف البقاء في السلطة, وأماكن أخرى حيث تثير حركات الاحتجاج نفس العواطف. إلا أن هذا على الرغم من ذلك ليس إلا تبسيطا، وهو تبسيط في غاية الخطورة, فالعوامل الأخرى - الاثنية والاقتصادية والإقليمية - تلعب دورا مهما.
يجادل البعض بأن مفهوم حقوق الإنسان نسبي، أي أنه يتأثر بعوامل الخلفية الثقافية والتطور الاجتماعي, فيما يرى البعض الآخر أن حقوق الإنسان هي ببساطة حقوق للإنسان, بمعنى أنها تعلو على مثل هذه المؤثرات الثقافية, ما هي رؤيتك لهذا ألمفهوم؟
توجد مشكلتان هنا. أولا أن تقسيم العالم إلى مناطق ثقافية منفصلة هو اختراع حديث متوهم. أجل توجد لغات وأديان وأعراق وآداب مختلفة، لكنها تختلف وقد تفاعلت دائما مع بعضها بعصا، واقتبست من بعضها بعضا. أنظر إلى تفاعل الفكر السياسي الإغريقي مع الإسلام القروسطي، مثل مفهوم المدينة الفاضلة عند الفارابي, تلك المدينة العادلة, هي حلقة ربط بين المفهوم الإغريقي الكلاسيكي والتفكير الإسلامي والمفاهيم المعاصرة حول المجتمع المدني والديمقراطية. وأنظر إلى الدين: إن الفكرتين المركزيتين في المفهوم المعاصر لحقوق الإنسان هي القيمة الأخلاقية للفرد, والحاجة إلى تحديد قوة الدولة, وفي حالات متطرفة حق الثورة على الدولة، وكلتا الفكرتين موجودتان في ديانات الشرق الأوسط, حيث أخذتها أوروبا من اليهودية والمسيحية والإسلام. أنظر مثلا إلى الرياضيات: إن العالم بأكمله ينتابه القلق جراء "قنبلة القرن", أي مشكلة تكيف الكمبيوترات مع العام 2000. إن الرقم "صفر" هو أمر مركزي في هذه المشكلة, وهو اختراع هندي وصل إلى أوروبا في القرن الثاني عشر الميلادي، وهكذا الأمر، فإن ما يقدم اليوم باعتباره سياسات أو رياضيات أو أطعمة "غربية " هو نتاج للتفاعل الثقافي. ثانيا: إن حقيقة أن شيئا ما قد ينشأ في بقعة واحدة من بقاع العالم لا يعني انه لا يمكن أن يطور أو يطبق في بقاع أخرى. مثالان بسيطان, لم يشك أحد خلال كأس العالم بأن كرة القدم هي اختراع انجليزي. وبنفس المقدار فإن لا أحد يعترض على مبدأ استقلالية قرار الدول الوطني وسيادتها. هذه أفكار يقبلها العالم بأكمله مهما اختلفت الثقافة. إن الرأي القائل بأن الديمقراطية قد نشأت في الغرب يختلف تماماً عن الرأي الذي يرى أنها لا يمكن أن توجد إلا في الغرب فقط. أضف إلى ذلك أن الكثير مما يقدم اليوم باعتباره ضد الغرب يتأثر بالغرب نفسه, ففكر الخميني السياسي قد أقتبس من الراديكالية الغربية بعض أفكاره، فـ"الجمهورية " و" الثورة " هما مفهومان غربيا النشأة.
أخيرا ينبغي علينا أن نلاحظ أن كل دول العالم تقبل بمبادئ الأمم المتحدة، وتتضمن هذه سيادة الدول, واستقلالية القرار الوطني وحقوق الإنسان. وان رفضت أي دولة هذه المبادئ فإن عليها مغادرة الأمم المتحدة. إن للدول موقعا خاصا في الشؤون العالمية, غير أن عليها في ذات الآن مسؤوليات تتحملها.
كان هذا عام 1997 فيما أذكر حينما دعيت من قبل بعض طلبة مدرسة لندن للاقتصاد للحديث عن المجاز في الخطاب السياسي. كان في انتظاري هناك الصديق عبدالملك الهنائي الذي أبلغني أنه أخبر البروفيسور فرد هاليداي عن محاضرتي، وأنه رتب لقاء معه. ذهبنا الى مكتبه المتواضع جداً، مثل كل مكاتب أساتذة الجامعات في بريطانيا، وكان في غاية الترحيب والودّ. وكلمة "الودّ" ذات معنى خاص هنا، فالرجل لمن لا يعرف شخصه كان من أبرز مفكري ومساندي اليسار العالمي، وكان يقف بقوة مع الطرف الأيسر في أحداث ظفار في السبعينات، بل أنه كتب انطلاقاً من أحداث ظفار والصراعات المشابهة لها كتابه الشهير "الجزيرة العربية بلا سلاطين".
كان الوضع ينطوي على طرافة من نوع خاص. ها هو فرد هاليداي الذي كان يقف بقوّة مع الثورة في ظفار ويبشّر بجزيرة عربية "بلا سلاطين" يجلس بوداعةٍ مع عمانيين يعدّا بشكل أو بآخر من نتاج الحكم السلطاني، أحدهما مسؤول في الدولة العمانية، إذ كان عبدالملك رئيس هيئة التأمينات الاجتماعية آنذاك (قبل أن يصبح وكيلاً للاقتصاد الوطني للشؤون الاقتصادية)، وآخر أكاديمي من "جامعة السلطان قابوس"، والاثنان مبتعثان للقيام بدراسات بحثية تؤدي إلى شهادة الدكتوراة من جامعات بريطانية (بل كان فرد هاليداي مشرفاً لاحدهما وهو عبدالملك، أما أنا فمشرفتي كانت أيضاً لها علاقة باليسار، إذ كانت من ألمانيا الشرقية سابقاً، وكانت، كما أخبرتني، تترجم لثوار ظفار القادمين إلى ألمانيا الشرقية).
لفت انتباه فرد هاليداي إلى الطرافة المبطنة في اجتماعنا، فقال أن أحوالاً كثيرة قد تغيرت. لم يكن حزيناً أو غاضباً على تراجع اليسار العالمي، والسقوط المدوي للمعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي، بل كان شجاعاً في فكره (وشخصه)، فتعامل مع الأمر تعاملاً موضوعياً إلى أكبر حد، برغم بقاء إيمانه بالمنطلقات القيمية لليسار من عدالة ومساواة وسلم. أذكر أنه قال "لقد تطورت بلادكم كثيراً، ولا يمكن إلا الاعتراف بهذا والثناء على ما شهدته عمان من تقدم في العديد من جوانب الحياة. وما جلستنا هذه إلا دليل على ذلك".
بعد حديثنا في مكتبه ذهبنا إلى حيث ألقيت محاضرتي، وحضر جزءاً منها. وبرغم أنه كان منغمساً في دراساته بالسياسية بشكلها المباشر، فيما كان تركيز محاضرتي، ودراستي آنذاك، على الخطاب السياسي كما يتجلى في لغة السياسة، إلا أنه أبدى اهتماماً كثيراً بأبعاد المجاز في الخطاب السياسي، وهو ما تطور لاحقاً الى اهتمام بحثي لديه.
بعد المحاضرة تواصلت معه بالبريد الالكتروني، وكذلك من خلال عبدالملك. اتفقنا معه على اجراء حوار مطوّل معه لمجلة نزوى، وهو مؤشر آخر على تغيّر الأحوال، إذ لم يكن ليخطر في بال أو في حلم أو كابوس أن يوافق فرد هاليداي على حوار سوف ينشر في مجلة تصدرها الحكومة العمانية، ولكن للزمان عظات وعِبَر، والأخسرون من لا يلامسونها ولا يرونها. كان التحضير للحوار عمليّة صعبة، إذ تطلب قراءة الكثير مما كتبه، أو المزيد منه تحرّياً للدقة إذ كنت قد قرأت الكثير من كتاباته.
بعد عودتنا إلى عمان في بداية العقد الماضي التقيت بفرد هاليداي في مسقط، إذ زارها ضيفاً على الدولة العمانية، ومحاضراً في المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية. أهديته بحثي الذي كتبته في الدكتوراة، وأشار إليه في أكثر من دراسة من دراساته، وبالتحديد في أثر اللغة في السياسة العربية (أنظر هنا مثلاً).
توفي فرد هاليداي يوم أمس الاثنين 26 أبريل 2010 بعد صراع مع مرض السرطان، وكانت وفاته في برشلونة التي عشقها كثيراً، وانتقل اليها باحثاً في أحد معاهدها وهو معهد برشلونة للدراسات الدولية.
Iran: Dictatorship and Development, Penguin 1978, reprinted 1979 twice; Japanese, Norwegian, Swedish German, Spanish, Turkish, Arabic, Persian, Chinese translations.
Mercenaries in the Persian Gulf, Russell Press, 1979. Persian translation.
Soviet Policy in the Arc of Crisis, Institute for Policy Studies, Washington, 1981: issued as Threat from the East? Penguin 1982; Japanese, French, Arabic translations.
The Ethiopian Revolution, with Maxine Molyneux, Verso, London 1982.
The Making of the Second Cold War, Verso, London 1983, reprinted 1984, 1986, 1988. German, Persian, Spanish, Japanese translations.
State and Ideology in the Middle East and Pakistan, edited by Fred Halliday and Hamza Alavi, Macmillan, 1988.
Cold War, Third World, Radius/Hutchinson, 1989. Published in USA as From Kabul to Managua, Pantheon, 1989. Arabic and Japanese translation.
Revolution and Foreign Policy: the Case of South Yemen, 1967 1987, Cambridge University Press, 1990.
Arabs in Exile, The Yemeni Community in Britain, I.B. Tauris, 1992.
Rethinking International Relations, Macmillan, 1994. Japanese, Spanish and Portuguese translations.
From Potsdam to Perestroika, Conversations with Cold Warriors, (BBC News and Current Affairs Publications, 1995.
Islam and the Myth of Confrontation, I.B. Tauris, 1996. Arabic, Persian, Turkish, Indonesian, Polish, Spanish translations.
Revolution and World Politics: The Rise and Fall of the Sixth Great Power, Macmillan,1999. Turkish translation.
Nation and Religion in the Middle East, London: Saqi Books, 2000. Arabic translation
The World at 2000: Perils and Promises, Palgrave, 2001. Greek and Turkish translations.
Two Hours That Shook the World. September 11 2001, Causes and Consequences, London: Saqi, 2001. Arabic, Swedish translations.
The Middle East in International Relations. Power, Politics and Ideology. Cambridge: Cambridge University Press, 2005. Italian, Polish translation.
100 Myths About the Middle East. London: Saqi Books, 2005. Arabic, Italian, Turkish, Portuguese and Spanish translations.
نشرت جريدة "التايمز" اللندنية في يوم 4 ابريل 2010 مقالاً بقلم لِز لايتفوت Liz Lightfoot يتحدث عن شركة بريطانية تقدم خدمة جديدة في العالم الأكاديمي وهي خدمة كتابة المقالات والأطروحات الجامعية نيابةً عن الطلبة. وبالرغم من أن مثل هذه الخدمة ليست جديدة إذ أن الأكاديميين قد تعودوا على حالات يقوم فيها الطلبة بتسليم دراسة أو أطروحة مسروقة جزئياً أو كلياً من مكان آخر، وقد سعت الجامعات منذ فترة إلى ابتكار الأساليب التي تكشف مثل هذه السرقات، وطورت التكنولوجيا الحديثة آليات لكشف السرقات، بحيث يضع الأستاذ الجامعي العمل الذي سُلِّمَ له من قبل الطالب في برنامج يستطيع بفضل تقنيات متخصصة في كشف المقاطع المسروقة فيه. وبطبيعة الحال، وبفعل وجدت دائماً ثغرات يتمكن بها مثل هؤلاء الطلبة من خداع الأساتذة والبرامج الالكترونية المتخصصة فيفلتون هنا وهناك، وهي لعبة كرّ وفرّ متوقعة وتتطلب مراساً صعباً من الجانبين: الأساتذة من جانب والطلبة من الجانب الآخر.
غير ما تقدمه شركة UKessays هو أمر مختلف، إذ أن هذه الشركة تقدم خدمة خاصة لكل طالب، أي أن الطالب يحدد "الطلبية" التي يريدها، وتقوم الشركة بكتابة المقال أو البحث أو الأطروحة مع ضمان ألا يكون فيها أي مقطع مسروق من مكان آخر. هنا إذاً نحن إزاء مرحلة جديدة من مراحل الصراع بين السوق والقيم الراسخة، أعني بين البيع والشراء من جانب وما يفترض من جهد ودأب يقوم به الطالب كي يحصل على الشهادة التي يطمح الحصول عليها.
تتفاخر الشركة بأنها تتعامل مع أكثر من 4000 أكاديمي متخصص في مجالات مختلفة هم الذين يكتبون البحوث والدراسات والأطروحات، كما أن الشركة تضمن للطالب الحصول على تقرير مسبق عن جودة بحثه من فريق تعليمٍ عالٍ متخصص لديها، إضافة إلى إجراء تعديلات على النص إن لم ترض عنه لسبب من الأسباب. إضافة إلى كل هذا فإن الشركة تضمن حصول الطالب على النجاح بل والدرجة التي يريدها (فمستوى ما تقدمه الشركة من جودة في كتابة الدراسة أو البحث يعتمد على المبلغ المدفوع) وإلا فإن الطالب سيحصل على كل مبلغ دفعه في سبيل الحصول على ما يريد.
الكارثة هنا هي أنه لا مجال لأن يتمكن الأستاذ الجامعي من الحكم بأن النص الذي بين يديه من عمل الطالب نفسه أو من عمل غيره، لأن الشركة تضمن أنه عمل جديد كليّاً لم يسبق نشره. كما أن المسألة تصعّب الوضع القانوني أيضاً فلا دليل على أن الطالب قد قام بالسرقة أبداً، إضافة إلى ذلك فهذه ليست حالة سرقة أدبية وإنما هي حالة تدليس وغشّ أكاديمي، يشترك فيها الطالب والشركة التي تقوم بتوفير "طلبية" الطالب.
إنسانة: بالنسبة لي العالم حكاية تقضمني كل مساء.. وأنا أنزعج لأجل البشر ... البشر كائنات مؤذية .. وأنا أحتملها لدرجة اني مخرّبة من الداخل ..
إنسان: الأهم هو بقاء الداخل متماسكاً..
إنسانة: وما هي قصتك؟ هل سرت في طريق الحياة قفزاً؟
إنسان: نعم كنت أنط ... أقفز وأقفز وأٌقفز... كأني في سباق أزلي... أنني أدرك الان انها كانت رحلة أقرب للعبث...
إنسانة: كنت دائماً أقول.. للعبث وجه مضحك
إنسان: أتودين القفز مثلي؟
إنسانة: لا. هذا كثير على تصعلكي...
إنسان: وأنا أصفق لتصعلكك... أرفع له كمّتي...
إنسانة: أحياناً لا أنكر انني أشعر بالخوف... صوتي واضح.. لا أتعثر كثيراً .... أعرف ما أريد...
إنسان: ما زلت أصفق لك...
إنسانة: ما يعرفه الآخر عنك وثقتك وفرحك المبالغ يجعل ذلك الآخر يشعر بالاهتزاز...... دون أن يدري أنك ترتجف أكثر منه في داخلك .....
إنسان: تقولين كلاماً أكبر مني.. قولي كلاماً بسيطاً أفهمه...
إنسانة: المسألة لعبة لا أكثر .....لعبة لغة يا عزيزي ... أنا اكتب قصائدي بها ...اتنفسها ...أنفخها كبالون ... وأفرقعها في وجه الغرباء ليضحكوا... أما نحن فلا شيء بحجمنا سوى الخيبات..
إنسان: ترى كيف تكونين خارج قصائدك... خارج لغتك؟
إنسانة: الاشياء المخبوءة تقدم نفسها بإغراء متعالٍ... الإغراء فن .. الإغراء حكاية تطيل أظافرها ... قد تقع يوماً من الشرفة لأن وردة تفتحت أمام عينيك ... قد تندلق القهوة من يدك لأن حكاية مدت أصابعها لتهرش جلدك... قد ... وقد ...
إنسان: رائع..
إنسانة: كل شيء هنا يقرمنا حتى العظم... لا ضير في أن نضحك ..
إنسان: هذا شعور الإنسان
إنسانة: لا.. هذا شعوري أنا لا غيري ... حين يتشابه اثنان فمعنى هذا أن أحدهما ميت ...
إنسان: سأحاول أن أفهم هذا ... أنا بطيء الفهم
إنسانة: عقولكم مبرمجة كالعادة..
إنسان: أنا إنسان...
إنسانة: الإنسان .... الكائن الغاط في الحزن والعبث..
إنسان: انك تتوغلين الان
إنسانة: التوغل في الأشياء يجعلها تبرق..
إنسان: وهذا ما تفعلين...
إنسانة: يصبح العالم بحجم دمعة مالحة تسقط في القلب..
إنسان: أنا منذهل منك ... من اللغة .. من الرؤية ....
إنسانة: لا شيء يدعو لذلك .. فقط أتمرس الكذب منذ طفولتي ...
إنسان: وهل تكذبين؟
إنسانة: كم أكذب! حين كنت صغيرة كانت أختي تخيط الملابس وأنا أخيط الكذب الشهي...
إنسانة: كان دائماً يحلم بموته .. وأنا الان ألبس "شيلة" طويلة لأمسح بها آثار زوجي ...
إنسان: وماذا؟
إنسانة: وأخبيء "مجزّاً" تحت رأسي لأبعد الأرواح عني ...
إنسان: يعجبني الخيال الطليق ...
إنسانة: هذا ليس خيالاً ... أنا جادة ... منذ أيام وأنا أعيش الحالة ...
إنسان: لك أقنعة إذاً!
إنسانة: لا أعرف نفسي كثيراً ... أقنعتي كثيرة
إنسان: أمر مضحك
إنسانة: انني أرملة ... لا يجوز أن تتحدث هكذا إلى أرملة
إنسان: أريد أن أرى الأرملة ... وغير الأرملة ... فيكِ...
إنسانة: لن تراني ... أنا أفتح نافذة مخيلتك على اتساعها...
إنسان: الإنسان كامل.. لغته .. جسده .. صورته ....
إنسانة: ستراني قريباً بلحمي وشحمي ....
إنسان: حسناً
إنسانة: احتمل مرحي وجنوني وحزني وتداعياتي...
إنسان: حسناً...
إنسانة: وأنا سأحتملك أيضاً...
(لحظات صمت)
إنسان: نعم ...
إنسانة: صمتك أخافني... هل تعرف أن صمت الآخر وبشكل فجائي كالدبوس في جسدي
إنسان: جسدك سيظل صافياً من أي دبوس..
إنسانة: ياااااااااه ... لقد فرقعت بالوناً .... كبيراً كسماء
إنسان: نزين ....
إنسانة: نحن كائنات هشة...
إنسان: اسمعي ... ما استوقني هو الإنسان وليس اللغة وليس القصيدة أو القصة ... كله قبض الريح سوى الإنسان الذي اصطدمت به ....
إنسانة: أنت غبي .... وأنا لا أقول "غبي" إلا لشخص أعزه وأحبه ومقرب جداً
إنسان: اسمعي كذلك .... هناك إنسان رائع الان في ايسلندا أو في غابة من غابات الامازون يمارس الكسر... وأنا سعيد به ... أنت أنثى وأنا أتخيل حجم الركامات فوقك ... تلك التي تحد من جنونك وكسرك .. وأنا أفهم هذا ... لكني لا أستطيع أن أعيش التفاوض مع المجتمع من خلال إنسان عزيز اعتبرته إنساناً كاسراً...
إنسانة: كم أحب أن ألعب على حبل الفضول الحاد! أنا ريفية ... بسيطة جداً ... ولا أخجل من نفسي ... ومن كوني امرأة... الرجل كائن جميل ولكني لست بحاجة اليه ليسندني ... انا احتاجه كما يحتاجني .... الحاجات المتساوية ... أما أحلامي فبداخلي أنا ... كم أنا حزينة على نساء حارتي اللاتي وضعن أيديهن على خدودهن وبدأن يحلمن برجل... أنا هنا المرأة التي تملك صوتاً قوياً ... لا أدري إن كنت تسمعني أم لا، فأنا أنثى القصائد والقصص... امرأة الحكايات والفرح .... أعدك ... ستراني أضج بفرحي وحزني ... ستراني أمشي وأنط ... وأضحك ...
نشرت مجلة نزوى في عددها الجديد (ابريل 2010) ترجمتي لقصة "جحيم فسيح" للكاتب الأرجنتيني جوليرو مارتينيز. يمكنكم تنزيل القصة بالضغط هنا أو بالضغط هنا.
ترجمة قصة "انتظار" للكاتب النيجيري أوسوندو
نشرت مجلة العربي الكويتية (عدد فبراير 2010) ترجمتي لقصة "انتظار" للكاتب النيجيري أوسوندو. يمكن تنزيل الترجمة بالضغط على الصورة في الأعلى أو هنا أو بالضغط على الزر الأيمن من الماوس واختيار أمر الحفظ عند الضغط هنا.