رحلة جديدة في جنوب شبه الجزيرة العربية
ولفرد ثيسيجر
ترجمة عبدالله الحراصي
قمت في الفترة بين اكتوبر 1945 ونهاية فبراير 1946 برحلة عبرت فيها الربع الخالي من صلالة حتى مقشن، ثم يممت شطر الشمال الشرقي فعبرت رمال سحمة، ومن صلالة الى تريم في وادي حضرموت. ورحلاتي هذه كانت لمصلحة "بعثة الشرق الأوسط لمكافحة الجراد"، وكان غرضها تقصي تكاثر الجراد والامطار الموسمية ودراسة النبات.
مان ان وصلت الى صلالة يوم 13 اكتوبر حتى بعث الوالي برسله الى البدو الذي يعيشون وراء الجبال يأمرهم بجلب النوق والمرشدين، أما أنا فقد آثرت ان أتجول في جبل القرا وهو جبل مثير للدهشة ولا يعلم عنه الا أقل القليل، ومنه تصدر الاودية التي تسيل هبوطاً نحو مقشن. ويبعد هذا الجبل ستة كيلومترات من صلالة قبالة سهل جربيب الواسع الأجرد. ويعلو هذا الجبل الى ارتفاع يتراوح بين 2000 الى 3000 قدم، ويجانبه من جهة الغرب جبل آخر هو جبل القمر ومن الشرق جبل سمحان، وهما جبلان يصل ارتفاعهما الى ما يربو على 7000 قدم، وتقترب الجبال من البحر عند ريسوت ومرباط، وتجعل هذه الجبال المطر يتركز على المنحدرات الجنوبية. وطوال فترة هبوب الرياح الموسمية يتغطى جبل القرا بدثار من الضباب والمطر، ولهذا فإن نباتاته مدارية، وهو أمر يندر وجوده في شبه الجزيرة العربية. و يتجلى هذا على الأخص حينما يقارن المرء هذا الجبل بجبلي القمر وسمحان العاقرين من هذه النباتات. وتشق الوجه الجنوبي لجبل القرا شعاب عميقة متتابعة شديدة الانحدار تغطيها غابات من الاشجار النفضية فيما تتكون قمة سلاسل الجبال من تلال عشبية تمتد نزولا في أنوف الجبال بين الاودية. فيما تنتشر فوق التلال أشجار ضخمة تنتب فرادى او في جماعات، فيما توجد بطول ذرى الجبال غياض صغيرة من الزيتون البري وشجيرات "التشجة". وتغطى هذه التلال في اكتوبر بالبقدونس البري الذي ينمو وسط العشب الاخضر المتموج، غير ان هذه النباتات سرعان ما تذبل بسبب رقة طبقة التربة التي تغطي الصخور الكلسية. أما الماء فما أندره، وإن وجد ينبوع فإنك لا تجده الا في قيعان الاودية، ولهذا يشق على من تكون سكناه في التلال العالية الوصول اليه والاستسقاء منه، وتجري جداول المياه من ينبوعين من هذه الينابيع عبر السهل هابطة الى البحر. ولا تهب الرياح الموسمية الا على الوجه الجنوبي من الجبال، وبين الجانبين بون عظيم، فيظهر للعيان وجود خط بارز يفصل بين التلال والصحراء بما يتبع طول الجدول. وإلى الجنوب تمتد التلال المتناقصة الارتفاع والشعاب الملئى بالأدغال والغابات هابطةً نحو سهل ظفار وسواحل المحيط الهندي التي تبسق فيها أشجار جوز الهند، اما الى الشمال فإن المنحدرات التي تغطيها الحصباء والمنحدرات الصخرية تقودك الى أقفار الربع الخالي.
ويسكن قبائل القرا جبل القرا وكل من جبل سمحان وجبل القمر، وهم قوم يثيرون الاهتمام ولا يعرف عنهم الا القليل، وعندهم لسان خاص بهم. وتختلف قبائل القرا عن القبائل البدوية اختلافاً كبيراً غير ان سيماهم برغم اختلافهم هذا توحي فيما أرى انهم ساميون لا حاميون. وقبائل القرا ومعهم قبائل المهرة المعروفين بكثرتهم وشدة بأسهم، إضافة الى بقايا الشحرة وبعض القبائل الاخرى المفتتة، هم السكان الأصليون في جنوب شبه الجزيرة العربية قبل ان تهاجر الى الجنوب القبائل التي تتحدث اللسان العربي. وتنقسم قبائل القرا الى عدد من العشائر، تعيش كل عشيرة منها في واد خاص بها، ولا يلتقي ابناء العشيرة بأبناء العشائر الاخرى الا عند قمم الجبال او عند سفوحها، وتتميز هذه العشائر بأنها غيورة حسودة بها نزوع نحو الشك بالآخرين، وما أكثر العداوات فيما بين العشائر بسبب جرائم القتل وما يتبعها من سعي لأخذ الثأر. وديدنهم وطبعهم القتل والخيانة والسرقة، ويفتخرون بمهارتهم وحذقهم في السرقة وازدراء أعراف الحياة الآمنة. وهم رعاة تدور رحى حياتهم على قطعان ماشيتهم، وهي ليست قطعان كبيراً، فالرجل المتوسط الثراء منهم يملك ما بين عشرين الى ثلاثين رأساً، ويملكون بعض الجمال وقطعاناً ليست صغيرة من الماعز، غير انهم لا يملكون خرفاناً ولا جياداً ولا كلاباً ذلك فمثل هذه الحيوانات لا تعيش في هذا الصقع من شبه جزيرة العرب. وهم في ترحال مستديم طلوعاً الى الجبال وهبوطاً منها بحثاً عن الكلأ بحسب فصول السنة، فحينما تنقطع الامطار في سبتمبر ترعى كل عائلة قطعانها في المناطق المرتفعة في الجبال، وما ان يحل يناير حتى يتجمعوا عند أفواه الاودية في مخيمات كبيرة لقطعانهم فيما يقطنون هم في قرى مؤقتة تتكون من ملاجيء صغيرة متظاكة في أماكن الكلأ. أما حينما تهب الرياح الموسمية فإنهم ينسحبون الى الوديان ويحمون قطعانهم في كهوف توجد في جروف الحجر الجيري، او انهم يجمعونها في زرائب مظلمة خفيضة يبنون جدرانها من الحجارة غير المسواة أما الاسقف فتشيد من العشب الملبّد. وحينما ينتهي الكلأ فإنهم يطعمون مواشيهم وماعزهم وجمالهم سمك السردين المجفف الذي يشترونه من سوق صلالة بنقود يجمعونها من بيع الزبدة وحطب الوقود، كما انهم يزرعون مساحات صغيرة بالفول وقليل من الذرة في الأودية. أما عن طول أجسامهم فإن معدل طول الرجل يبلغ 5 أقدام و4 إنشات غير انهم يتميزون بقوة بنيتهم، وفيهم طاقات تحمل ضخمة. أما عن لباسهم فهم يرتدون ثوبا، يكون في الأغلب مصبوغاً بالنيلة، يلفونه حول وسطهم وتوضع احدى نهايتيه على الكتف الايسر، ويلفون سيراً من الجلد أربع او خمس لفات حول رؤوسهم. ويحلق شعر الاولاد الذين لم يختنوا منهم[1] من جانبي الرأس بحيث يترك عرفاً من الشعر في وسطه يمتد من مقدمة الرأس الى خلفه. ويرتدي كثير منهم الخناجر العمانية ويحملون بنادق تكون في الأغلب من النوع المعروف بإسم "مارتينيز" Martinis، ومن أسلحتهم الاخرى السيوف المستقيمة النصول والعصي من الخشب الثقيل، كما انهما يحملون أحياناً دروعاً مستديرة عميقة صغيرة الحجم تصنع من الأماليد المغطاة بجلد الحيوان.
وحينما عدت الى صلالة وجدت حشدا ضخماً من البدو متجمعين لمرافقتي غير انني خفضت عددهم الى ثلاثين شخصاً بعد فترة طويلة من الأخذ والرد، ذلك ان الوالي وشيوخ قبائلهم شددوا على الخطر الذي ربما واجهناها أمامنا من قطاع الطرق الذين ينهبون المسافرين، غير اني كنت على يقين ان عدداً أقل من الرجال كان سيكفي الا اني لم أعرف كيف استطيع ان أجادلهم وأقنعهم بهذا فقبلتهم على مضض. وكان الرجال من بدو ال كثير وأغلبهم من بيت كثير، الذين سيرافقني منهم كذلك زعيمهم الشيخ سالم طنطيم، وهو عجوز ثمانيني نشيط نافذ الهمة سمح الخلق، وقد شارك برترام توماس رحلته الى مقشن، كما سيرافقني كذلك سلطان شيخ عشيرة الشعاشعة، وهو رجل نبيل النفس محمود الشمائل. ويقسم هؤلاء البدو كل القبائل التي تعيش في الربع الخالي وحوله الى هناوية او غافرية، وهي تسميات ظهرت في احدى حروب عمان الاهلية قبل مئتي عام فيما يبدو، حينما ساند محمد بن ناصر الغافري احد ابناء احد ائمة اليعاربة ضد خلف بن سيف الهنائي، غير ان البدو لا يعرفون هذا الأصل التاريخي ولكنهم يستخدمون الكلمتين للاشارة الى الاصل اليمني او النزاري للقبائل. وعلى وجه العموم تهب القبائل الغافرية لنصرة بعضها البعض ضد القبائل الهناوية، لكن على المرء الا يغض بصره عن الاستثناءات في هذا النظام القبلي، فقد تتحالف صيعر كرب والنهاد، وقد تتحد بيت كثير والمهرة لصد هجمات من يهاجمهم من أعدائهم. وتمتد قبيلة بيت كثير التي ولاءها لسطان مسقط من وادي شحن وهي أبعد نقطة غرباً من روافد وادي مقشن الى رمال غانم في شمال مقشن، وينقسمون الى الشعاشعة الذين يقطنون الغرب وبنو غواص وبيت الحمر وبيت جداد والمسالمة الذين يقطنون الأودية في شمال جبال القرا وبيت المسن الذين يسكنون حول مقشن. وجميعهم يقطنون السهوب عدا بيت المسن، وهم أهل عصبية قبلية كبيرة. والرواشد وبيت يماني الذين منحوا ولاءهم الان لابن سعود يتركزون حول رمال دكاكة، على الرغم من ان بيت يماني يعيشون في الأغلب على طرف السهوب حيث تنتهي أودية ضحية وعربة وشعيت وميتن في الرمال. وكانت "رباعتي" من كل قبيلة من هذه القبائل لأننا ربما قابلناهم في رحلتنا.
تركنا صلالة في 5 نوفمبر حيث عبرنا جبل القرا عند معبر قسميم عند رأس وادي جرزيز[2]. وآل كثير الذي يملكون الابقار يعيشون هنا بين بيت قطن وبيت سعد اللذين ينتميان الى قبائل القرا، وهم على الرغم من انهم يتحدثون بالعربية يشبهونهم في طريقة معيشتهم وفي مظهرهم. ويستكره من هذه القبائل جشعهم وشرههم، وسرعان ما اجتاحوا مخيمنا وسعوا الى بيعنا الزبدة أو الماعز بأسعار خيالية والى الحصول على الدقيق منا دون مقابل. ولهذا فإننا لم نر البقاء في هذا المكان أمراً صائباً بل أحببنا ما تهبه لنا الصحراء من حرية مفتوحة ولهذا نزلنا الى حوض حلوف الصغير المليء بالأوساخ فسقينا إبلنا وملئنا قرب الماء. والأرض هنا تنخفض من هذه الجبال الساحلية منحدرة تدريجيا نحو الرمال، حيث يبلغ ارتفاع قسميم 2700 قدماً، وعينون 2000 قدم، وشصر 1400 قدم، ومقشن 580 قدم. والاودية التي تشكل منظومة مقشن محفورة حفراً عميقاً في الهضبة الكلسية، وبها جروف شديدة الانحدار يبلغ ارتفاعها 300-400 قدم وقيعان حجرية يبلغ عرضها 150-300 ياردة تحتوي على غطاء نباتي طيب، وأهم اشجاره السمر والهبلا والهصر والمرخ والمتقة ونخيل السافة. والأرض الوسطى منبسطة وصخرية عموماً تغطيها في العادة طبقة من احجار الصوان وهي خالية من النبات، الا في منخفضات صغيرة تغطيها الرمال والحصى حيث تتناثر بضع أشجار السمر. وتحتوي الأودية في مساراتها الوسطى على جروف عالية شديدة الانحدار، وهي أكثر عرضاً، ويبلغ عرض وادي عيدم ما يزيد على 1000 ياردة والنباتات أكثر تنوعاً فيه[3]. وتختفي الجروف بالقرب من الرمال، وتتحول الاوديات الى متسعات رملية يبلغ عرضها 2-3 أميال، وتعرف مساراتها في سهوب الحصى بشجيرات المرخ وبعض السلم والهبلة. وهنا توجد كذلك مناطق تصريف واسعة يغطيها الحصى والرمال الخشنة وتعرف بـ"السيح"[4]، حيث تكثر النباتات بعد الامطار مثل الالجي والدرما والجاسي والتنب والهيلاما والملوح والرمرم والرمث والهيلارة. وقد هطل المطر خلال الخريف[5] في الصحراء الى الغرب، وعقدنا العزم على على الانتفاع من المروج الطيبة التي سنجدها هناك بدلا من ان نسلك الطريق القاحل الذي يفضي بنا مباشرة الى شصر. واستسقينا مرة اخرى عند "ماء شديد" في وادي غدون من حفرة طبيعية ضيقة في صخرة كلسية حيث يجري الماء الى مستوى الركبة بعمق 45 قدماً، وهو مكان مظلم يمكن الوصول اليه بالهبوط في سبعة رفوف من الصخور بالاستعانة بالحبال، ويقول العرب ان هذا الماء يجري من عيون الى شصر. ومن هنا عبرنا الى مدهول او مدهاي خلف وادي عيدم حيث يسيل جدول من تحت جرف خفيض. ويقال ان الماء كان أكثر في الماضي، وكانت هناك أعجاز خمسين نخلة ميتة، وهي علامة تشير الى ان الوادي كان خصباً ذات يوم. وتحت جزء متدل في الجرف وجدت فأساً صغيرة من اليشم حسن الصقل تعود للعصر الحجري الحديث[6]. وهناك مدفنان اسلاميان في الوادي 15 قدماً مربعاً وارتفاعهما 7 أقدام تتوجهما قبتان. وكانت جدرانهما من الحجارة الخشنة الضخمة والطين المجفف، وكان يوجد على طول القمة افريز من البلاطات الحجرية التي ادخلت متعرجة في الجدار، وللبلاطات قمم مجصصة يبلغ ارتفاعها حوالي قدم واحد عند كل ركن. والابواب مستطيلة وتحيط بها أساكف جلمودية. والقمم الخارجية التي يغطي الجص جوانبها مستقيمة وبها قمم معقودة خفيضة تنتهي بعُقََدٍ بسيطة، غير ان القبب الداخلية كانت مستدقة النهاية بصورة حادة جداً، وكانت تقوم على منصات مثمنة شكلت بوضع البلاطات الحجرية عبر أركان الغرف. وكانت توجد الى جوار القبرين مقبرة صغيرة لم تعد مستخدمة، فالبدو يعتقدون ان الاموات القدماء لا يحتملون العبور فيها، ولا يعرفون شيئا عن هذين المدفنين سوى ان الشيخ سعد مدفون هنا، وهو أمر يؤكد عليه نقش حسن الخط في بلاطات أحد القبور الثلاثة داخل احد المدفنين، غير ان اسم ابيه قد انطمس وتعذرت قراءته. وهنا ينبغي ان نشير الى انه يوجد فخذ من أفخاذ بيت الشيخ، وهي قبيلة معروفة مبجلة بتمسكها بالدين في هذه الأنحاء، يسمى بيت الشيخ سعد. والتلال المحيطة مغطاة بجثوات دفن حجرية كان في احدها قطعتان ضخمتان قائمتان من الصخر مثل تلك التي تنتصب في قبور شبيهة اليوم من قبل الدناقل لإخافة الضباع. وتوجد على طول مجاري المياه كثير من النصب الثالوثية الحجرية، تتكون كل مجموعة منها من ثلاثة الى خمسة وعشرين ثالوثاً حجرياً، ويتكون كل ثالوث حجري من ثلاث بلاطات حجرية، يبلغ ارتفاع كل منها ما بين قدمين الى قدمين ونصف، منتصبة على نهايتها بحيث تميل على بعضها البعض لتلتقي في نهايتها مشكلة بقواعدها شكل مثلث. وتبتعد الثواليث الحجرية عن بعضها البعض بمقدار ياردة واحة وقد رتبت على هيئة صفوف، ويحيط بكل مجموعة منها حد بيضاوي يتكون من حصيات صغيرة. ويتباين العدد في كل مجموعة، غير ان أغلبها يتكون من خمس، غير اني لاحظت وجود ثلاث وخمس وسبع وتسع واحدى عشر وخمسة عشر، ومجموعة تتكون من احدى وعشرين ثالوثاً. وقد تم ترتيبها لتكون في موازة وادي من الوديان او درب من الدروب، غير انه في الحالات الاخرى فإنها لم تتخذ اتجاهاً محدداً، وتحتوي بعض البلاطات على نقوش حميرية[7]. وعلى كل جانب من كل مجموعة وبما يوزايها ويبعد عنها تسعة أقدام كان هناك سطر من المواقد تتكون من أكوام من الحصى الصغير مثل ذلك الذي يستخدم اليوم لشي اللحم. وربما وجدت أحياناً حجرات كبيرة رتبت فرادى في صف ويبدو انها كانت مقاعد يجلس عليها الناس. ومن بين الاثار التي رأيت كان هناك عدد من جثوات الدفن ودوائر يبلغ قطرها 12 قدماً، وقد وضع في محيطها حجارة كبيرة، وداخلها مليء بطبقة منبسطة من الحصيات الصغيرة. وأنا على يقين بأن هذه الثواليث ليست علامات على موقع القبور حيث انني قد وجدها منصوبة فوق صخور صماء، ويبدو جلياً ان هؤلاء الناس دفنوا موتاهم في جثوات التراب. بل انه حتى الان يندر ان تجد من بدو الهضبة من يحفر قبراً لدفن ميت فهم يحوطون الميت عند منحدر (جرف) او صخرة. وأظن ان هذه الثواليث ما هي الا نصب نصبت للأحتفال بأشخاص رفيعي المنزلة، وقد عثرت على ثواليث شبيهة بها في مناطق بعيدة من هنا تصل الى انظور شرقاً والوادي الجانبي فوق ساوم في وادي حضرموت غرباً، غير اني لم أعثر عليها في السهوب في مجاري الاودية الخفيضة.
ومضينا في مسيرنا نزولا في وادي عيدم الى قفع. وفي موضع بلغ فيه عرض الوادي 1060 ياردة رأيت أنقاضاً يبلغ علوها 18 قدماً في الجروف الشديدة الانحدار التي تحيط بها، ويبدو ان فيضاناً قد حدث قبل حوالي ستين عاماً هو الذي تسبب في ترسيبها هنا. وبعد ثلاثين عاماً حدثت ثلاثة فيضانات في ثلاث سنوات متتابعة، ويبدو ان كل منها كان مكتسحاً مدمراً مثل الفيضان الأول. وعند مفترق شحن وأتينة وجدنا جذوع نخيل ضخمة جيء بها من حبروت وكميات كبيرة من الطمي ترسبت على طول الوادي. وقد حدثت كل الفيضانات الأربعة في فترة الهميم بين مايو ويونيو، غير ان المطر قد انقطع عن الهطول في تلك الأشهر من العام من ذلك الزمان. ولا يبدو ان هناك فصلاً بعينه تهطل فيه الامطار في هذه المنطقة التي زرتها، ولكن على الرغم من ان المطر لا يهطل هنا على وجه العموم الا انه حينما يهطل لا يكون عامّاً بل يهطل في بعض المواضع فقط، ويهطل المطر في أي فترة من فترات العام. ويقول البدو ان المطر كان يهطل بين فترة وأخرى في الماضي في سيف وربيعة الا انه يهطل في السنين الاربع او الخمس الماضية في الخريف او الشتاء فحسب. وعلى وجه العموم يستمر مطر الشتاء لفترة أطول، وتنبت على إثره أفضل الاشجار، فيما تهطل الامطار الغزيرة في الصيف، غير ان شدة حرارة الصيف سرعان ما تأتي على العشب الذي ينبت بعد تلك الامطار. وقد جثم على المنطقة في السنوات الخمس الى السبع الماضية جفاف عظيم قطعه مطر غزير عامّ هطل في آخر اسبوع من شهر يوليو. وقد امتدت المنطقة التي هطل فيها ذلك المطر شمالاً الى سليل التي هطل عليها مطر لم ينقطع لسبع أيام متواصلة كما هطل كذلك على التلال السفحية في اليمن وحضرموت حيث سالت الاودية من 26 يوليو الى 3 اغسطس، وامتد شرقاً الى واديي حبروت وعيدم.
وفي قفع[8] تركت كل الرجال الذين كانوا يرافقوني خلا اثنين منهم، ليحفلوا بالعيد عند بركة ماء يجف ماءها بسرعة، واتجهنا غرباً الى ان وصلنا الى وادي ميتن. وهنا يكثر وجود الاحافير الايوسينية فتراها متناثرة هنا وهناك في كل مكان في السهب الحصوي، وبعدها رأيت هذه الاحافير بكميات أكبر بطول وادي شلهميت، اما في الاماكن الاخرى فلم اعثر الا على نماذج من حين لآخر، ولم أر اي أحفورة في جدة الزولية شرق رملة سحمة. وقد أثير فضولي أيما إثارة حينما أشار الرجل الذي ينتمي الى بيت يماني الذي كان يرافقني جهة الشمال الى رملة شعيت وأخبرني ان مدينة أبار التاريخية مدفونة هناك تحت الرمال، وقد تبين لي بعد حين ان هذا اعتقاد راسخ يسود بين هؤلاء البدو. وكان الامر الذي جعل رفيقاي يتخليان عن مشاركة رفقائهم الاحتفال بالعيد هو أملهم في صيد المها، وبالفعل فسرعان ما مررنا بآثار أقدام حديثة للمها، وفي ميتن رأينا عشر منها في يومين، غير انها كانت متيقظة جفولة، وأدركنا ان الاقتراب منها في هذه السهول المفتوحة الجرداء أمر محال. وبالنظر الى آثار أقدامها أدركنا ان هناك عدد أكبر من هذه الحيوانات شمالاً. ويفضل المها هذه السهوب الحصوية الجرداء حتى حينما يكون العشب ضئيلا على الرعي في الرمال. وقد عثرنا على بعض آثار اقدامها في منطقة المراعي الخصبة التي لم يقترب منها حيوان في رملة سحمة بينما كانت هناك قطعان كبيرة منها في السهول الجدباء في وادي قتبيت. وعلى الرغم من كثرة صيدها (وقد اخبرنا مرافقي من بيت يماني انه قد صاد بنفسه اثنين وثمانين منها، اي ثمانية عشر كل عام) فإنها ما زالت منتشرة في هذه السهوب الجنوبية. وقد انقرض النعام من جنوب شبه الجزيرة العربية منذ زمن بعيد، ومن الثابت انه قد انقرض منذ أكثر من عشرين عاماً، وحيوان "الريم" نادر هنا، برغم كثرته في ريف ارفاج في الشمال، وقد اخبرني رفيقاي انهما لم يريا اي ريم هنا في السني الأخيرة. غير ان الانواع الاخرى من الغزلان كثيرة هنا في كل من الهضبة والسهوب، وعلى الأخص في وادي مقشن الا انها تندر في الرمال، على الرغم من اننا عثرنا على بضعة آثار اقدام في رملة سحمة. اما الوعل فيوجد في المنطقة التي تمتد من انظور الى حضرموت، حيثما استطاعت ان تجد مأوى لها في جروف الاودية، وتعيش قطعان عديدة من الوعل المتوسط الحجم في الوجه الشمالي لجبل القرا. اما النمر فيعيش في الشعاب المليئة بالأشجار في الوجه الجنوبي للجبل، ويصيده افراد قبيلة القرا بين فترة وأخرى. وعند رأس وادي جناب عثرت على آثار أقدام فهد يطارد غزالا، وهذا يبدو من آثار الاقدام ومن وصف العرب للفهد[9]. كما تنتشر في الهضبة الذئاب والضباع، أما في الرمال فتوجد الثعالب الصحراوية والقنافذ.
وبعد ان انضممنا ثانية الى البقية الذين تركناهم في قفع رحلنا عبر سهل يخلو سطحه من أية تضاريس نحو وادي غدون واستسقينا في شصر حيث توجد قلعة حجرية لم تجصص على مرتفع صخري تشير الى موقع البئر الشهيرة. وعند قاع كهف عظيم في هذه التلة كان هناك وشل ضئيل من الماء القذر في أخدود عميق لا يمكن ان يصله الانسان الا بشق الانفس بالنزول في ممر ضيق بين الجدار الصخري وضفة رملية جرفتها الرياح، ويبلغ عمقه 30 قدماً، يملأ نصف الكهف. ولأنه كان مورد الماء المستديم في هذه السهوب الوسطى فإنه المكان الوحيد الذي يمكن ان تستسقي منه أي جماعة مغيرة وقد شهد الموقع كثيراً من المعارك الطاحنة. وليس ثمة من مورد ماء بين هذا الموقع ومقشن التي تبعد عن هذا المكان 140 ميلاً، ولهذا فقد ملئنا كل قربنا، وهو ما استلزم منا وقتاً طويلاً. وخلال الرحيل تظهر بعض الثقوب الصغيرة في قرب الماء التي يتسرب منها الماء يتم سدها بالشوك او قطع خشبية مناسبة ملفوفة بقطعة قماش ورغم غرابة شكلها الا انها تقوم بوظيفتها على أكمل وجه. وبعد ان تحركنا لتسع ساعات عبر السهب الخالي وصلنا عند غروب الشمس الى وادي ام الحيط على طرف الرمال، وكان مشهد جدار الرمل الطويل ذو اللون الوردي يأخذ بالالباب حينما تبدى لأول وهلة أمام نواظرنا. وقد قاست ام الحيط الامرّين من الجفاف الذي حل بها لمدة عشرين عاماً، وليس ثمة من دلائل حياة الا اشجار الغاف وشجيرات المرخ. وعند مرسودد التي وصلناها بعد سبعة ايام من تحركنا من شصر وعلى الجانب الشمالي من الوادي الذي يعرف بإسم "الارض" انعطفت شمالاً بإتجاه الصحراء ومعي ثمانية من المرافقين، فيما ذهب الاخرون الى مقشن. غير اننا قضينا أولا نصف يوم في رعي جمالنا الجائعة بين كثبان نخدة الغربية عند مجموعة من اشجار الغاف الضخمة التي أزهرت أغصانها رغم أنف الجفاف الذي تعاني منه المنطقة منذ ربع قرن. وتتكون رمال خسفة وغنيم من كثبان منعزلة يبلغ ارتفاعها ما بين 200-300 قدماً، وهي ترتفع من الأرض المليئة بالحصى كأنها جبال مبقعة باللون الابيض بفعل الكلس وشجيرات الهرم. وتنمو اشجار الابلب والاراد في الكثبان، وتتميز هذه النباتات بألوان ثرية عميقة، مما يرسم سجادة متوهجة نسجت من حبيبات الرمل الحمراء والفضية. وقد هطل المطر هنا ولمسافة تتراوح بين 100-150 ميلا شمالاً في شتاء عام 1944 لليلة كاملة، وهو ما أدى الى نمو المراعي الخضراء المزدهرة التي تحتوي على نباتات الزهرة والايلجي والجاسي. ويعتقد البدو ان المطر الذي يستطيع ان يتوغل داخل الرمال لعمق كوع واحد يكفي لينمو على إثرها مرعى طيب، وان ساعة ونصف الساعة من المطر المنهمر تكفي ليحدث هذا. وتحتاج السهوب الى مطر اكثر مما تحتاجه الرمال، غير اننا وجدنا لاحقا في وادي قتيبيت نبات "رقيب الشمس" وهو ما زال أخضر اللون مزهراً بعد هطول المطر قبل ثلاثة أعوام. وكان البدو من بيت المسن والرواشد قد رعوا حيواناتهم في هذه المنطقة وتحركوا شمالا لمدة ستة الى عشرة ايام.
وانتشر رجالي من العرب هنا وهناك على اقدامهم في كثبان الرمال الناعمة يجمعون ملء أذرعتهم من بعض النباتات التي يطعمون بها بأيديهم جمالهم الجائعة في الطريق. وقد تأخر ثلاثة منهم خلفنا في جمال منهكة ليصلوا الى خسفة[10] بعد ساعتين من وصولنا. وعلى الرغم من العطش الذي استبد بنا لنفاذ مائنا منذ مسافة بعيدة الا انه لم يشرب اي من رجالنا الذين وصلوا الى البئر حتى وصل هؤلاء الرجال الثلاثة، فهذه هي عادة البدو. كذلك فإن غاب رجل فلن يذوق أحد طعاماً حتى يعود الغائب. ان العيش وفقاً لنمط حياتهم يتطلب أكثر من ان يلبس المرء لباسهم، ولأنهم معزولون عن العالم الخارجي فإنهم لا يعرفون الا عاداتهم وتقاليدهم وهم يحكمون على أي غريب يفد اليهم بمدى تمسكه بهذه العادات والتقاليد، وحتى يكسب المرء احترامهم وتقديرهم فإن عليه ان يناظرهم في قوة التحمل، فيمشي ويمتطي مثلهم ظهر الدابة لمسافات طوال، ويتجلد في حمارة القيظ وصبارة القرّ، ويصبر على الجوع والعطش دون ان ترتفع عقيرته بالشكوى لذلك. وخير لك ان تعيش بينهم كأنك واحد منهم بدلا من ان تعزل نفسك عنهم في خيمة او ان يقوم على خدمتك خادم خاص بك. ولا يمكن للبدو ان يتخيلوا رجلا يسافر معهم ويرفص مع ذلك ان يشاركهم في طعامه، فهم يشاركون كل من يأتي في طعامهم، برغم قلته.
والماء في رمال خسفة وغنيم غزير تحت الجانب الشمالي او الشمالي الشرقي لكثيب رمل مرتفع.، وهو بعض الملوحة غير ان الناس يشربونه، ويتراوح عمقه بين 3 الى 9 اقدام، وفي خسفة استطاع رجالي تبين آثار يزيد عمرها على الشهر تشبه آثار مجموعة مغيرة تتكون من ستة عشر فرداً من قبيلة العوامر من الشمال. وبعد ذلك سمعنا ان هذه الجماعة المغيرة نهبوا خسمة عشر جملا بالقرب من الجازر قبالة الجنبة الذين قتلوا ثلاثة منهم في غارة أخذتهم عبر الربع الخالي من الخليج الى المحيط الهندي. وقد زرع اكتشاف آثار الاقدام الخوف والرعب في شعور رجالي، فقد كنا قلة. وفي الليلة نفسها كان هناك ذئب يعوي، وهو أمر يندر سماعه في الرمال، فظن الرجال من الخوف انها صرخات المغيرين، وهو ما جعلهم متيقظين طوال تلك الليلة. والبدو يقرأون آثار الاقدام، حتى وإن كانت بعد مضي شهر على الرمال، بمهارة تثير العجب، ذلك ان حياتهم وموتهم يعتمدان على مقدرتهم على تفسيرها تفسيراً صائباً. وكل بدوي يعرف آثار أقدام جماله، وربما تذكَّر آثار أقدام الجمال التي رآها فيما مضى من حياته. وبنظرة واحدة على آثار الاقدام فإن البدوي يستطيع ان يحدد ان كان الجمل طليقاً او كان على ظهره شخص. وبتفحص آثار الاقدام الغريبة فإنهم يستطيعون تحديد المنطقة التي أتت منها الجمال، وربما استطاعوا كذلك معرفة من يملكها، كما انهم يستطيعون بتفحص بعر الجمال معرفة الاماكن التي مرت بها في طريقها والوقت الذي شربت فيه. بل انهم يدَّعون بأن الخبير منهم يستطيع تحديد بعير لم يره من قبل في حياته من الشبه بين آثار أقدامه وآثار أقدام أمه. وقد عبرنا في أوقات عدة طريق المغيرين، فيتبعها رجل منا على جمله لمسافة قصيرة ليوافينا بتفاصيل عنهم ومن أين أتوا.
وفي مقشن وجدنا جماعتنا وقد نصبوا خيامهم بين أشجار الغاف بالقرب من مجموعة من اشجار النخيل التي تنمو هكذا دون ان يعتني بها أحد، وتجمع ثمارها في سبتمبر وتوزع بين قبائل كثير. وكانت هناك ساقية ضحلة العمق من ماء مالح يبلغ طولها 300 ياردة[11] بين تلك النخلات، وعلى ضفة تلك الساقية كانت هناك عين ماء أعذب كان العوامر قد طمروها في عودتهم من احدى الغارات بعد ان استسقوا من بئر متكي القريب، كي يؤخروا مطارديهم. كما مرت من هنا جماعة مغيرة صغيرة من الدروع قبل عدة أيام، وقد قضوا اربعة عشر يوما في مسيرهم من عبري، وسقوا جمالهم في العبيلة في وادي العميري. وقد ذكروا انهم مروا على مرعى طيب لم يرع فيه أحد في رمال سحمة كما ذكروا انهم رأوا كذلك قطعاناً من المها.
غادرت مقشن في 13 اكتوبر ترافقني جماعة أخرى من ثمانية رجال. وقد تبعنا الوادي حتى إذا تجاوزنا خمسة وعشرين ميلاً انتهى الوادي عند الرمال والارتفاع البسيط الذي لا تلحظه العين لجدة الحراسيس عند منخفض عريض يغطيه الطمي تناثرت فيه اشجار الغاف وشجر الاثل الجاف. عبرنا رملة سحمة في خسمة أيام الى جدة الزولية، وهي سهل حصوي عاقر، مبقع هنا وهناك ببقع بيضاء من الكلس، ويقع خلف الحدود الشرقية للرمال، وتبعنا طرف هذا السهب شمالا لنصف يوم قبل ان نعود الى مقشن. وقد كنت آمل ان نصل رمال أم السميم المتحركة التي تغوص فيها الاقدام، وهي حوض رملي شكله وادي العميري، ويذكر البدو انه يغطي منطقة تبلغ مساحتها 400 ميل مربع. وتمتد هذه الرمال 40 ميلاً الى الشمال ونحن في طريق العودة خلف رملة غربنيات. الا ان الماء الذي كان لدينا قد نفذ والماء منعدم في هذه النواحي من الرمال، وأقرب بئر عذب يقع في وادي العميري خلف جدة الزولية. وعلى بعد اربعين ميلا الى الشمال الغربي منا تقع رملة غافة وبئر خور النجا، ولا يصلح ماؤه الا لسقي الجمال. وخلفها في رملة بن صيدان يكثر الماء لكنه ماء بعه بعض الملوحة. ويذكر العرب بئرا تسمى الجسيورة في رمال ربض شمال شرق رملة بن صيدان، وهناك بئر أخرى، أم الزامل، بين الجسيورة ووادي العين، غير انهم يقولون ان هذه هي كل الابار في الرمال الشرقية. وكانت بئر راقي في جدة الحراسيس بعيدة حيث توجد على بعد حوالي 70 ميلاً الى الجنوب الشرقي، وبينها وبين الجازر هناك بئر في بوي. وقد طمرت بئر خسفة على ايدي المغيرين ولا يوجد مورد ماء آخر في هذا السهب. وفي سحمة ترتفع الكثبان الى 200 قدم (وتشبه في شكلها الكثبان الموجودة في رمال غنيم)، وترتفع الكثبان على نحو مباغت من الرمال المحيطة بها، ويتباين لونها بين اللون الحليبي والابيض او الذهبي والاخضر، ولكن هنا انكشف السطح الحصوي والجبسي الذي يكثر فيه الصخر الجيري في أودية طويلة متوازية يتراوح عرضها بين ميل وميلين، وتمتد بإتجاه الشمال الشرقي والجنوب الغربي. ويسمي البدو هذه الاسطح الحصوية "سبخات"، على الرغم من انني رأيت في سحمة منخفض ملحي حقيقي واحد وعدد قليل في غنيم، وقد نبتت فيها كلها أشجار الأثل. و الرمال في الجانب الجنوبي الشرقي للأودية ناعمة والانحدار رأسي، أما في الجانب الشمالي الغربي فإن الانحدار تدريجي والرمال أثقل. وتنمو النباتات في الجانب الشمالي الغربي، مثل شجيرات الابلة والهض كما ينمو بعد المطر الرمرم والبركت والايلجي والجاسي والسعدان والفيرا والجرن والفيفير والملوح وبعض شجيرات الزهرة. وقد هطل على المكان مطر غزير وكان الندى في الأغلب مشبعاً. وقد صبحنا ذات يوم لنجد ان طبقة سميكة من ضباب الارض غطت الرمال فبدت قمم الكثبان فوقها كأنها جزر في محيط. وكان المرعى الطيب في كل مكان، وهي مراعي لم يستكشفها البدو يرفرف فيها الفراش بأجنحته من نبتة الى اخرى، وقد أبهجت قنبرات الصحراء الرمال بأغانيها الجميلة. وندر ان رأينا طيورا عدا الغربان التي رأيناها حول الآبار، وكنا بين فترة وأخرى نرى بعض صقور العوسق وطائر الصرد وطائر الذعرة، وذات يوم حامت فوق مخيمنا بومة مهولة طوال الليل. ويشيع وجود الجرد والجرابيع وفئران العضل حيث سقط المطر، حيث كانت تتقافز فوقنا ونحن نيام. وقد مررنا على بعض آثار أقدام المها المتجهة شمالاً، وكان رجالي على يقين بأن هناك قطعان ضخمة تتجمع بالقرب من رمال غربنيات. وكان الرجال في توق شديد للحم، فقد كان كل غذائنا الذي لا يتغير يتكون من خبز الفطير المخبوز على رماد النار او من الثريد حينما يتوفر ما يكفي من الماء. وكنا نأكل مرة في اليوم عند غروب الشمس، وكنا نكافيء انفسنا بين فترة وأخرى ببضع تمرات وقت الظهيرة. وكنا نحصل على الحليب من عدد من النوق، غير ان قلة المرعى وطول المسير قد أديا الى قلة الحليب. وشربنا قهوة مُرّة سوداء وشايا بالزنجبيل، غير اي ماء الرمال جعل حتى من هذين المشروبين غير مستساغين، ولشهرين لم اشرب قطرة من ماء الصحراء القذر الطعم الا في هذا الشاي او القهوة. وحيث ان الجو كان لطيفاً، وكان شديد البرودة أحياناً حتى حينما تكون الشمس في كبد السماء، فإنني لم أشعر بأي مشقة بسبب عدم شربي الماء.
ومن مقشن سرنا لسبعة ايام الى انظور متبعين وادي قتبيت عبر جدة الحراسيس الجدباء. وقد كانت حيوانات المها كثيرة هنا، برغم ندرة المرعى، وفي يوم واحد قدر رجالي بأننا قد مررنا على آثار حديثة لأكثر من أربعين رأساً منها. وقد تمكنوا من صيد اثنين منها، كما جلبوا معهم عجل مها صغير يبلغ من العمر اسبوعين تقريباً، وقد كان هذا العجل يتغذى من حليب النوق، بالرغم من انه لم يتوقف في البداية عن الشكوى بأصوات متبرمة. وأنظور اسميا للبطاحرة، وهي اليوم قبيلة قليلة العدد تقطن بطول الساحل ويعتمدون في عيشهم أساساً على صيد الاسماك، غير ان الواقع ينطق بأن أنظور يستخدمها حصرياً "ثوعار" من قبيلة المهرة. ويبلغ ارتفاع أنظور 1820 قدماً، والماء العذب متوفر بكثرة، بالقرب من حقل نخيل ضخم يكاد يستحيل التوغل فيه في قاع الوادي، تحيط به جروف شديدة الانحدار. وفي جزيرة يحيط بها جرف فوق هذا الحقل توجد أطلال مثيرة، تحتوي على جدار خارجي مستطيل يبلغ طوله 80 قدماً وارتفاعه قدمان، وقد بني بطول طرف الجرف، ويحيط هذا السور بركام من الانقاض يبلغ طوله 30 قدماً يمتد في النصف الشمالي لهذه المنطقة المسورة. وفي هذا الركام توجد غرفة يبلغ طولها 12 قدماً وعرضها 7 أقدام وارتفاعها 5 أقدام، وأرضيتها بمستوى الارض في الخارج، وجدرانها المملطة من الحجر. ويوجد سلم ضيق يؤدي نزولا اليها، وفي النهاية الجنوبية للركام يوجد جدار يرتفع الى 9 اقدام من مستوى الصخور و4 أقدام فوق قمة الركام، وقد تم تمليطه ووضع في مداميك منتظمة، بأحجار زاوية من الحجر المربع المنحوت الجيد المكسو بطريقة حسنة. ويوجد عدد من الاحواض (خسمة أقدام في قدمين في قدمين) وقد قطعت كل منها من قطعة صخرية واحدة من الحجر الرملي، وقد وضعت في النصف الجنوبي للجدار الخارجي. وقد عثرت لاحقاً على عدد من الاحواض الشبيهة بها وقد وضعت في بعض الجدران القديمة بالقرب من صلالة. وقد كانت هذه هي الانقاض الوحيدة التي استخدم فيها الملاط التي رأيتها طوال رحلتي.
لقد عبرنا الان روافد وادي قتبيت، وعبرنا حقول اللبان، الى بركة حانون في المنحدرات الشمالية لجبل القرا. وقد كان هنا بعض أفراد بيت جداد، وهم أول العرب، غير رجالي، الذين رأيتهم منذ ان غادرنا قفع قبل اربع واربعين يوماً، وهي مدة سرنا فيها مسافة تبلغ 700 ميل تقريبا. هبطنا جهة البحر عند وادي أربوت، وهذا الوادي، ووادي جرزيز، هما الطريقان العمليان الوحيدان من ظفار عبر الجبال، ويستخدمهما المسافرون الى شمال عمان. ووصلنا الى صلالة في التاسع من يناير.
وقد كان في انتظاري أحد مشايخ الرواشد وعدد من أفراد قبيلته، وقد كنت التقيت بهذا الشيخ في قفع، ورتبت معه أمر ملاقاته هنا مع الرجال والجمال لمرافقتي الى تريم عبر السهوب الغربية. استأجرت احدى عشر رجلا من الرواشد وبيت يماني واثنين من المهرة ورجل منهالي ليكونوا "رباعتي" حينما نكون بين قبائلهم. وقد استبقيت ثلاثة من رجال بيت كثير الذين كانوا معي وهم سلطان وابنه ومسلم بن تفل شيخ المسالمة وهو كذلك صياد سارت بذكره الركبان. كما رافقنا عشرة آخرون من الرواشد، مشتركين في الايجار الذي سأعطيه للرواشد الذين استأجرتهم وكلهم أمل في ان اجازيهم ببعض العطايا. وقد كنت قد احببت وقدرت بيت كثير، غير ان جشعهم أزعجني، أما الرواشد فقد كانوا أقل طمعاً وجشعاً. ويقطن الرواشد في الرمال الجنوبية الوسطى، وبطن بيت يماني يعيش في حدود السهب مع الرمال بين رملة فصد ورملة ضاحية. وفي الرمال يعيشون في خيام سوداء كخيام البدو العادية غير انهم لا يحملون الخيام أبداً الى السهوب، اما بيت كثير والمهرة فلا يستخدمون الخيام قط. وهؤلاء البدو ليسوا كثر ولا يمتلكون الا عددا قليلا من النوق فما أندر الماء والمرعى في الربع الخالي. ويملك أغلبهم ما بين ثمانية الى عشرة رأساً من الإبل، ويملك القليل منهم ما يصل الى عشرين رأساً. وهؤلاء العرب صغار الاجسام متوسطو البنية وهم أقوياء فهنا لا يمكن أن يعيش الا الانسب والأصلح. ولا يرتدي أفراد القبائل الجنوبية الا المئزر الذي يستر عورتهم، ولا يرتدي السراويل الا النساء. ويرتدي بعضهم سمقا (ثوبا فضفاضا) فوق المئزر، وشعرهم أسود غير جعد، ويتميز على وجه العموم بطول متوسط، غير انه يكون أحياناً طويلا ومضفورا. وكثير منهم لا يغطون رؤوسهم، ويعصبونها بسير جلدي فيما يربط آخرون قطعة قماش حول رؤوسهم. وتغطي بعض نسائهم وليس كلهن وجوههن. وهم لا يعرفون ارتداء الحذاء، غير انهم قد يغطون أقدامهم بجوارب بسيطة حينما تشتد حرارة الشمس. وأسلحتهم البندقية والخنجر، وهم غاية في التمسك بتعاليم الدين، وملتزمون غاية الالتزام بالصلاة[12] والصوم، وقد صام عديد من رجالي أثناء الرحلة تعويضاً عن أيام كانوا قد أفطروا فيها خلال شهر رمضان. والكون عندهم عربي مسلم، وعدا هذا فهم يقسمون بني البشر الى مسلم وغير مسلم، وما أقل من سمع منهم بالانجليز، فكل الاوروبيين عندهم نصارى، ولا معنى عندهم للتمييز بين جنسية هذا وجنسية ذاك. وكل ما سمعوه عن الحرب هو انها كانت حرباً بين النصارى، ويعرفون ان حكومة عدن هي حكومة نصرانية، غير انهم بالرغم من كل هذا لا يعرفون التعصب. وهم مرحون ما أيسر إضحاكهم، وعلى وجه العموم فهم لطفاء المعشر لكنهم مع ذلك سراع الى إظهار استيائهم وتبرهم من كل أمر لا يقبلونه، وحينما يستثيرهم إنسان فإنهم سرعان ما يظهرون إنفعالهم وغضبهم. ولا تجد من بينهم من يسعى الى فرض رأيه على غيره، ولا يتهربون من الأعمال الجماعية، بل انهم يبادرون بأنفسهم الى عرض جهودهم بإصرار صاخب لأداء أي مهمة، وشيوخهم في مقدمة من يجمع الحطب او يحفر الآبار، لا يستنكفون عن فعل شي من هذه الأعمال مثلهم مثل غيرهم من أفراد قبيلتهم. وقد وجدت فيهم الدماثة ولين الجانب ورقة الحاشية والأدب في كل معاملاتهم، وكل منهم مخلص للآخر، وأم الكبائر لديهم ان تتخلى عن رفيقك حينما تكونان في سفر. غير انهم بالرغم من كل هذا متحجرو القلب حينما يتعلق الأمر بالشعور بآلام الآخرين وأوجاعهم، ولا تقدير لديهم البتة للحياة الانسانية، ويمكن للواحد منهم ان يثأثر لمقتل أحدهم بقطع حلقوم أي راعي يراه من قبيلة القاتل بلا رحمة. وهم كرام بطعامهم وماءهم، ويشركون كل قادم عليهم في الاكل بإسراف، غير انهم برغم هذا جشعون طماعون، لا تجد على السنتهم حديثاً الا عن المال، وربما يدوم خلاف محتدم بينهم لأيام على دولار واحد. غير ان السرقة والنشل منعدمان لديهم، وقد يترك الواحد منهم أمواله دون حراسة، وقد يشحذون طلباً للمال دون حياء أو خجل، ويداهنون بلا كياسة كأنهم أطفال حينما يأملون في الحصول على مبتغى ما. وهم طيبو العشرة، لا معنى بينهم لخصوصية الفرد، وأحاديثهم جماعية وصاخبة دائماً. وطالما كان العربي على مسمع الآخرين فإنه سيعبر عن آراءه، وما ان يبتعد عن رفاقه حتى يأخذ في الغناء. وهم عشاق للشعر، يقولونه بالسليقة في وصف أي شي في حياتهم اليومية، ويصيخون السمع لساعات حينما يلقي شاعر قصيدته بينهم.
والناقة[13] هي وحدها التي تجعل الحياة أمراً ممكناً في هذا القفر الخالي ولولاها لما كانت حياتهم، ولهذا تجد ان شغلهم الشاغل هو راحة النوق. والبدوي قد يتجاهل ما يتطلبه جسمه من طعام او ماء الا ان غاية همه إطعام نوقه، وقد يطول مسيرهم أبداً حينما يكونون في مرعى طيب حتى تكتفي نوقهم من الرعي، ويسيرون دون توقف برغم ما نالته أجسامهم من نصب حينما يكونون في مفازة جرداء تخلو من المرعى. وحينما وصلنا أخيرا الى وادي حضرموت، حيث أعدت ضيافة كبيرة في استقبالنا لم يحلم بها هؤلاء البدو الجوعى في حياتهم، فإنهم سرعان ما تاقوا الى العودة الى الصخراء الخالية حيث يمكن لنوقهم ان تجد المرعى الذي ألفته. وهم يغنون لنوقهم ويستحثونها في المسير، وما رأيتهم قط يضربونها او يعنفونها. ويمتطون الابل بأن يركبون خلف السنام في السرج العماني الخفيف[14] في وضع أقرب على وجه العموم الى الركوع. ونادرا ما يكون سفرهم بأسرع من المشي العادي، ولا يسرعون في سيرهم أبداً حينما يكونون في سفر طويل. ويملك الكثير منهم نوقاً أصائل من السلالة العمانية الشهيرة، وهذه النوق شهيرة بين القبائل في كل مكان. ولديهم قليل جداً من البعران (جمع بعير) فهم يذبحونها بعد ولادتها ليأكلوها، ويضطرون لهذا السبب الى أخذ نوقهم لمسافات طوال لإخصابها. وحين يتوفر المرعى الطيب فإن نوقهم تظل شهوراً دون ماء فيما يعيش أصحابها على الحليب لا يشربون غيره. وأثناء ترحالهم في الشتاء فإنهم يسقون الابل مرة كل أربعة او خسمة أيام الا انها يمكن ان تسير دون مشقة تذكر لمدة عشرة الى اثناء عشر يوماً دون ان تشرب. والماء نادر، خصوصاً في السهوب الا ان أم المشاكل عندهم ليست ندرة الماء بل قلة المرعى. ويندر ان تسمع ان عربياً قد لقي حتفه عطشاً، ومن يموت عطشاً فإنه بلا شك يتبع آثار جماعة أغارت عليه في رمال لا يعرفها حيث تمحو الريح آثار أقدام المغيرين. وحينما يستبد بالبدو العطش فإنهم يحصلون على الماء من معدة الناقة حيث يدخلون عصا في حلقها، ويستمتع الكثير منهم بشرب هذا السائل الذي يسمونه "الفض" من معدة الناقة بعد ذبحها. وفي الرحلات يحملون قرباً مليئة بالحليب الحامض، وحينما يأخذ في التناقص فإنهم يضيفون إليه الماء المالح ليخفف من حموضته. وتعيش كثير من الاسر أساساً على حليب الماعز الصغيرة، ولا تعرف بعض الاسر شراباً غيره، غير ان وجود الماعز ليس دائماً، وقد ماتت الكثير منها في المجاعة التي حلت خلال سني القحط الماضية، حيث تضاءلت مؤونتهم من الحليب الى الصفر واضطروا الى الاستعانة بذبح نوقهم. والبدو الذي لا يملكون نوقاً لا يستطيعون حمل الماء ولهذا فإنهم يرتبطون بمكان البئر، ويتعذر عليهم رعي قطعانهم على مبعدة حينما تنعدم المراعي القريبة منهم. أما الاسر التي تملك النوق فتستطيع ان تبيع عنزاً في غيضة المهرة ويجلبون معهم حملا من السردين يكفي لإطعام اسرة تتكون من أربعة أفراد لمدة شهرين. والمناهيل، وليس بيت كثير ولا المهرة، هم وحدهم من يمتلك غنماً من سلالة بيضاء صغيرة. وليس لدى أي من هذه القبائل كلاب او حمير، ومن نافل القول ان الخيول لا توجد في الربع الخالي. ولقلة المرعى فإن القبائل البدوية تعيش متناثرة هنا وهناك في الصحراء في مجموعات أسرية صغيرة الحجم في مناطق شاسعة، في حين يجعلهم الخوف من غارات الاعداء في يقظة دائمة، ولهذا تجدهم على أهبة دائمة لسوق قطعانهم عند أول بادرة خطر عليهم، فتشتتهم دون يقظة معناه انهم لا يستطيعون رد غارات الاعداء، وحينما يغير عليهم مغير فإن أملهم الوحيد في استعادة قطعانهم هو ان يتجمعوا في فريق ويطاردون معاً المغيرين، وحيث ان المغيرين يعرفون ان مثل هذه المطاردة واقعة لا محالة فإنهم يحملون ما يستطيعون حمله معهم من النوق ويهربون بها بأقصى سرعة يستطيعونها، ويؤخرون مطارديهم بأن يعمدوا الى طمر الآبار التي يمرون عليها. وهم يذبحون الماعز للأكل، وإن كان هناك دم بين قبائلهم فإنهم لا تأخذهم أي رحمة في قتل أي رجل يصلون اليه من قبيلة القاتل، غير انهم لا يؤذون النساء او الأطفال. وتحتدم المعارك الحامية حينما يدركهم الفريق الذي يتبعهم او حينما تباغتهم جماعة مغيرة أخرى، وهنا تكون الخسائر كبيرة ذلك ان القتل يكون مآل الكثيرين منهم، ولا محل للرحمة والشفقة عندها.
غادرت صلالة مرة أخرى في 14 يناير، حيث عبرت جبل القرا مرة أخرى عن طريق ممر قسميم، وعند رأس وادي غدون تماماً توجد بركة ماء تسمى "عيون" تحيط بها جروف كلسية يبلغ ارتفاعها 200 قدماً. ويغذي هذه البركة ينبوع ماء صغير، ويبلغ طولها 150 ياردة وعرضها 30 ياردة، وهي عظيمة العمق. ومياه البركة التي ما تزال خضراء يحيط بها نبات الأسل أما تحت البركة فتنبت في قاع الوادي أشجار الأثل و"الحصر"، ويعتقد العرب بوجود وحش على هيئة أفعى يعيش في "عيون" وانه يتغذى على نوقهم. والافاعي تكثر في الغابات وفي جبل القرا غير ان وجودها يندر في الصحراء، بالرغم من ان أفعى لدغت أحد نوقنا ذات يوم، وقد استعادت هذه الناقة عافيتها رغم انها كانت في مرض شديد لعديد من الأيام. وفي مسنين في وادي ديفين بالقرب من موضع التقاءه بوادي حبروت أخذني بعض الرجال لأرى نفقاً يبلغ ارتفاعه 20 قدماً على وجه أحد الجروف، ولا يمكن الوصول الى هذا النفق الا بإستخدام حبل يربط في أعلى الجرف، وقد ملئت فتحة هذا النفق التي يبلغ طولها 4 أقدام وعرضها قدمين بغطاء صلصالي حاول العرب ازالته منذ فترة قريبة حيث يسود اعتقاد راسخ بينهم ان هناك كنزا مدفوناً في هذا النفق. وقد حفروا في النصف الأعلى من الغطاء الصلصالي وزعموا انهم استطاعوا التوغل الى مسافة 40 قدماً داخل النفق الملتوي. وقد كانت هناك كومة كبيرة من التراب المحفور في قاع الجرف، الا انهم توقفوا عن الحفر قبل ان يصلوا الى نهاية الغطاء. ويملك حبروت بيت كثير الا ان المهرة هم الذين يستخدمونها، وقد كانت القبيلة خائفة من وجود سياسة جديدة لدى قبل حكومة عدن، وسرى حديث صاخب بين المحاربين من الشباب مفاده ان لا مفر من الحرب وعلى عدم الخنوع وعدم السماح لنصراني ان يستسقي من هذا المكان. وقد أخذ رجالي هذا على محمل الجد فاستولوا على البئر والتلال المجاورة له عند الفجر. وهؤلاء المهرة من بيت زعبنوت وهم قبيلة قوية كثيرة العدد يعيشون على السلاسل الساحلية بين جبل القمر وفتحة وادي حضرموت، الا ان هناك فروع منهم متفرقة ويمتد وجودهم حتى أنظور، وهم يتحدثون لساناً خاصاً بهم يفهمه كثير من بيت كثير، ولعلها تعود الى نفس الاصول اللغوية للهجة القرا. وهم أشبه بالقرا في هيئتهم ويُعدُّون من الحلف الغافري. وبينهم وبيت كثير مقدار ضئيل من الصداقة، وكان كثير من يسقون ابلهم في البرك الضحلة فهنا يكثر الماء ويكان ان تجده في مستوى سطح الارض. وترسم نساؤهم خطوطاً خضراء وزرقاء أسفل انوفهن وذقونهن وخدودهن، وقد صبغت واحدة من نسائهم وجهها باللون الاخضر وهو ما أفقدها كل لمسة جمال. وكان بينهم هناك عدد قليل من العفار الذين لا يعدون اليوم من أفراد القبائل، ويعيش الكثير منهم بالقرب من جبال عمان، ويتحدثون اللهجة المهرية. والآبار يبلغ ارتفاعها 200 قدم فوق مستوى البحر، وهي قريبة من حقول نخيل متوسطة المساحة يملكها بيت كثير ويستأجرها المهرة. وفوق الابار كانت هناك انقاض قلعة منهارة وفي الجانب الابعد من الوادي توجد بعض المباني الدائرية التي شيدت من الحجارة الخشنة بدون ان يكون فيها أي مدخل واضح للعيان، وقد دفن نصفها تحت التراب. ويعاني البدو من الملاريا ومن أمراض العيون والمغص الحاد الذي يهدّ أجسامهم تماماً لساعات عديدة، وآلام المعدة هي شكواهم الدائمة، وقد كشف البعض منهم عن آثار الكي الذي يلجأون اليه ليشفيهم من كل مرض. كما انني رأيت هنا شخصاً مصاباً بالجذام، وهو المجذوم الوحيد الذي رأيته في هذه البلاد. ومن هنا سرنا الى شلحميت حيث حفرنا كثيرا من الابار الضحلة العمق، وقد قضينا أياماً ثلاثة في سقي ابلنا الثلاثين وملء قرب الماء التي كانت معنا. ويقطن شلحميت بيت كثير كذلك الا ان المهرة يستخدمونها ايضاً. وكان موضع سقيانا التالي هو وادي خواط وهو أحد روافد ميتن في أراضي بيت يماني. وكان الماء نادرا هنا ايضا، كما قضينا أيضا أياماً ثلاثة في سقي الابل. وبالقرب من هنا كان هنالك مرعى طيب وسرعان ما قدم علينا خمسون ضيفا من المهرة والرواشد وبيت يماني وبالحاف فقدمنا لهم الطعام. وكان هناك سالم بن غوارت شيخ بالحاف، وكان عجوزاً مدمناً على شرب القهوة. وبالحاف قبيلة متدينة، وهم من المشايخ وحماة قبر الشيخ الجوهري على الساحل. وحتى عهد قريب لم يكونوا يحملون السلاح، وهنا قمت بإستئجار صبيا من بيت يماني يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً هو سالم بن كبينة، وكان معي اخوه غير الشقيق محمد، وهو ابن صالح بن كالوت الذي كان مرشداً لبرترام توماس. وكان الاخوان يعرفان بلقب "بن كبينة" ذلك ان عادة البدو ان ينسبوا الرجل الى امه فيقال ابن فلانه، وهي عادة غير معروفة بين القرا ولا بين المهرة كما أظن.
والى الغرب من خوات والى وادي جناب سرنا عبر سهول حصوية و"سيوح" وقد اخضرت بعد المطر الغزير الذي انهمر على هذا المكان في يوليو، وكانت هناك أسر بدوية متناثرة هنا وهناك ترعى قطعان ماعزها وأحيانا ابلها. وأخبرنا هؤلاء البدو عن جماعة مغيرة كبيرة من الدهم أغارت على المناهيل، ولهذا فقد اصبح رجالي في يقظة دائمة فكانوا يبعثون أمامهم المستكشفين لمسافة كبيرة أمامنا حيث نسير، ويطلبون منهم البقاء في التلال حولنا حينما يتوقف الركب. وفي سناو التي تبعد 25 ميلا من الصحراء كان هناك بئر محاطة بحجارة يبلغ عمقه 40 قدماً في وادي قفر بين تلال من الكلس المتفتت. هنا وجدنا آثار أقدام حديثة لجماعة مغيرة من المهرة ولم يكن من بينهم أحد من الدهم. وكان بالقرب من هذه البئر قلعة متداعية ذات برجين ومقبرة كثيرا ما يستخدمها المغيرون. وقد لاحظت وجود رائحة كبريتية كريهة عند فم البئر، ويقال بأن هناك غازات سامة تخرج منها تسببت في موت الكثيرين. استسقينا من مكان على مقربة من هنا عند حفرة ماء ضحلة العمق في مجرى مائي ذي جانبين شديدي الانحدار يسمى مظول يبلغ ارتفاعه 1800 قدم فوق مستوى البحر، كما استسقينا مرة اخرى في اراضي المناهيل عند آبار موجور بين تلال جبسية قاحلة منخفضة حيث لا يوجد الا القليل من الماء الفاسد. وهنا توجد ايضا قلعة متداعية وكان هناك بالقرب منها جمجمة رجل منهالي أرداه الصياعرة قتيلا في العام الفائت، فدسستها في أغراضي، وتوجد تلك الجمجمة الان في متحف الكلية الملكية للجراحين[15]. من هنا تتبعنا آثار اقدام المهاجمين من الدهم الذين بلغ عددهم خمسة وأربعين رجل استولوا على خمسين رأساً من الابل من مكان قريب وأطلقوا النار على راعيين من المناهيل. وحتى وقت قريب كان الصياعرة مصدر كل رعب في هذه السهوب الغربية، حيث كانت غاراتهم تصل شرقاً حتى شصر وأنظور، غير ان الدهم القادمين من الاراضي اليمنية قد تفوقوا عليهم في السني الاخيرة. وقد خرج أغلب رجال المناهيل في مطاردة المغيرين، وأدى مظهرنا الى بث الرعب في نفوسهم خاصة ان كل رجالنا كانوا يرتدون ملابس فضفاضة بأكمام طويلة مستدقة كتلك التي يلبسها الالدهم. وقد كانت النيران تطلق بين حين وآخر فوق رؤوسنا، في حين كان "الربيع" من المناهيل يتحرك في ناقته تجاههم ملوحاً لهم بعمامته دلالة على انه يود ان يتحدث اليهم. وكانت الاشارة المقبولة على حسن النوايا تتمثل في رمي الرمل في الهواء وكان الاخرون يرون ذلك الرمل من على بعد، وقد عمدنا الى هذا التقليد كثيراً. وقد توقفنا عند احدى الاسر المنكوبة حيث سرق منها الدهم ثمانية رؤوس من الماعز وذبحوها وأكلوا لحمها، وقد شعرت هذه الاسرة بالتقزز والاشمئزاز منهم حين أخذ المغيرون في حلب الماعز مباشرة الى أفواههم.
في ثموت التي تعلو عن مستوى سطح البحر ب 2160 قدم كانت هناك بئر أخرى تحيط بها الحجارة يبلغ عمقها 50 قدماً، وقد تم تنظيفها منذ مدة قريبة فأصبح ماؤها عذباً طيباً، وكان أول ماء عذب يدخل في فمي منذ ان غادرنا خوات. وهذه البئر والابار التي تجاورها في هلايا وموجر وسناو هي الابار التي لابد ان يستخدمها المغيرون حيث انه لا يوجد ماء آخر في هذه الرمال غرب زويرة وتريوة في دكاكة الا قليل من الماء غير العذب في رملة خرخاد بين اطراف وادي ضحية ووادي ايوة المناهيل. وبالقرب من البئر كانت هناك مقبرة وقبر احد الشيوخ حيث يترك الناس قرابينا من حبات القهوة داخل قبة صغيرة تحتوي على فناجين ودلة قهوة ويد هاون وهاون يستخدمها عابرو السبيل لصنع القهوة. وهذه العادة الحميدة موجودة كذلك في قبر راعي المخاري عند رأس وادي واشة. ويبلغ عمق بئر هلاية 25 قدماً وبها قليل من الماء العذب. هنا خيمنا بالقرب من قلعة اخرى مبنية من طابقين. وعند الغروب اخبرنا الكشافة ان هناك جماعة كبيرة من العرب خلف احد التلال، وقبل ان نتمكن من اعطاء اوامرنا بسوق الابل الى الداخل فتح حراس الابل النار على عشرين من العرب الراكبين الذين حملوا عليهم على حين غرة، ثم صوبوا نيرانهم من خلف تلال خفيضة ثم ردوا بإطلاق النار. ولكن سرعان ما سرى بعض الشك حيث حدثناهم فتبين لنا انهم مناهيل عائدون من مطاردة الدهم، وقد ظنوا خطئا اننا جماعة مغيرة اخرى من الدهم غير انهم عرفوا اننا من الشرق حينما سمعوا صرخاتنا. ثم سايرنا جبل حبشية ذا القمة المستوية حتى عبرنا 35000 قدم من الامطار المتجمعة بين روافد وادي حضرموت ورأس وادي جناب. ثم هبطنا في وادي واشة وحينما لم نجد ماء عند ماخاري استسقينا عند هيسي نيمريت وبعدها بوقت قليل عبرنا الى أرضا ثم هبطنا الى ساوم، وهذه الروافد المليئة بجلاميد الصخور لوادي حضرموت محاطة بجروف حادة الانحدار ارتفاعها 400 قدم حيث يكثر وجود الوعل. ومن ساوم رحلنا على مهل نصعد الوادي الرئيسي الى تريم وقد أثرت في نفوسنا أيما تأثير كرم ضيافة بيت سعيد حيث وصلنا هناك يوم 22 فبراير.
وقد كنت آمل ان أمضي في رحلتي عبر الرمال الغربين من حصن العبر الى سليل غير انني لسؤ حظي قد منعت من ذلك. وكان ثلاثة من الرواشد الذين كانوا معي قد نووا الذهاب معي، وكنا قد جمعنا كل المعلومات المتوفرة عن الرمال والسهوب وأماكن الاستسقاء الى جهة شمال غرب تريم. وقد أضفتها الى في خريطتي، حيث ان الخرائط المتوفرة الى الشرق من الطريق الذي سلكه فيلبي كثيرة الأخطاء، ومن دلائل خطأها على سبيل المثال ان بعض الاودية قد رسمت على بعد 100 ميل بعيداً جهة الشرق. وهناك بئران الى الغرب من حضن العبر هما بئر ودعية التي تبعد 50 ميلا الى الشمال من هناك غير انه يقال انها قد جفت هذا العام، والبئر الاخرى هي بئر زمخ في وادي هدهي. والبئران توجدان في أراضي صيعر. وهناك مكان سقيا كبير هو منواخ في عيوة الصعر الى الجنوب الشرقي من زمخ. ويبدأ ظهور الصحراء على بعد 20 ميلاً شمال زمخ ويقال ان هذه الرمال كثبان عالية من الرمل الناعم، ويستحيل على المرء عبورها الا بعد ان يهبط من دابته. أما على الجانب الأبعد من الرمال هناك ماء في هاما التي تبعد حوالي 50 ميلا جنوب سليل غير ان العرب لا يساورهم أدنى شك بأنه لا يوجد ماء في الرمال غرب دكاكة. وقد عبرها صيعر للهجوم على الدواسر غير انها رحلة فيها كثير من المشقة تمتد حوالي ستة عشر يوماً دون ماء. ولم يسمع أي من البدو الذين تحدثت معهم عن الرمال السريعة في هذه المنطقة ولم يسمع أي منهم بالاسم "بحر الصافي"، غير انني حينما كنت في المكلا سمعت برجل كربي رأى قبل عشرين عاماً بقايا جماعته وقد اجتاحتهم الرمال وهم قادمين من رحلة نهب على مسير سبعة أيام الى شمال حصن العبر في رمال رملة الغرغ.
وفي تريم انفصلت عن البدو الذين كانوا معي وعن سلطان الذي أحببته كثيراً وعن مسلم بن كمام ورفيقه الذي لا يفارقه سعيد بن مسلم ومحمد ابن صالح بن كالوت وأخوه غير الشقيق ابن كبينة ذلك الصبي الضاحك، وعن شيوخ بيت يماني عوض بن خزي والأعور عبدالله بن مسعد ونمر بن سالم الذي كان شاعرنا و"ربيعنا" من المهرة مكتوب بن هريزي. وكان رجال الصحراء هؤلاء شم الانوف، مسمرو الوجوه نحيلو الاجسام، وكان جلياً للعين انهم في غير مكانهم بين رجال المدن اللينين، وكانوا في أشد التوق الى العودة الى مواطنهم. شعرت بالوحدة واليتم حينما أبصرتهم يقودون ابلهم في طريق العودة، راجعين الى فضاء الصحراء البديع.
[1] يختن القرا وكذلك بيت كثير اولادهم حين يصل عمرهم حوالي السادسة عشر سنة، اما الرواشد فيختونون أبناءهم وهم أصغر سناً، على الرغم من ان البعض في بيت يماني يؤخرونه الى السادسة عشر او السابعة عشر، والمهرة بين السابعة عشر والثامنة عشر وربما بعد ذلك. والقرا يختنون أولادهم حينما يتجمعون في مخيمات الشتاء. وطقوس الختان عند هذه القبائل يتم بأن يجلس الولد خلال العملية التي تتم في العلن على يد أحد افراد القبيلة على النحو البسيط الذي يقرره الاسلام.
[2] الوديان في جبال القرا من الشرق الى الغرب هي غشارب ودربيت وخيثيم وارزات وثاسا وريثوت وأربوت، ونيهاز وجرزيز وجردوم ونار وجيث وايشفت وارزوك وايثوف ونخليت ودامي ومغشي وافول وجيثان
[3] السمر والمرخ والراكة والهبلة والسلم والتمارسك والمتكة والهسار ولؤيلا والحرمل.
[4] كل منطقة السهوب بين واديي قتبيت وجناب تمسى عادة "السيح" (وجمعها "سيوح") وهي على عكس "الجدة" القاحلة الى الشرق من وادي قتبيت. والهضبة التي تقع الى الشمال من الجبال الساحلية تسمى "النجد" والرمال تسمى "الرمل"، ولا تعرف القبائل التي تقطن هذه المنطقة الاسم "الربع الخالي".
[5] التواريخ التقريبية للفصول هي كما يلي: الصيف من 20 مارس الى 4 مايو، والهميم بين 5 مايو و20 يونيو، ويشكل كل من الصيف والهميم ما يسمى "القيظ"، والخريف بين 21 يونيو و20 سبتمبر، والشتوي بين 21 سبتمبر و21 ديسمبر، والربيع بين 22 ديسمبر و20 مارس.
[6] يقول الدكتور و. كامبل يث W. Campbell Smith "صنع الفأس من حجر النفريت (nephrite) وهو أحد أنواع اليشم (حجر كريم). ولا يوجد النفريت في شبه الجزيرة العربية، ولا شك انه قد جلب الى المنطقة من احدى المناطق المجاورة التي كان يستخدم فيها النفريت في العصر الحجري الحديث."
[7] يرى بيستون Beeston ان الكتابات ليست حميرية، اي اي ان حروفها ليست هي حروف العربية الجنوبية، بل انها "ثمودية" وهي كتابة وجدت قبل الاسلام في شمال شبه الجزيرة العربية ووسطها بالرغم من قربها من حروف العربية الجنوبية.
[8] حصى العقاب التي تعرف بإسم "الجلجلة" كثيرة جداً في جروف الوادي على بعد أميال قليلة من قفع. كان بعضها بحجم كرة القدم، وقد حملت الاودية بعض الحصى الصغير الخفيف من هذا النوع الى مناطق بعيدة مثل مقشن.
[9] استخدمت كلمة "فهد" في بعض النقوش الاثرية التي تعود الى حوالي 100 عام قبل الميلاد وجدها فيلبي Philby في عقلة، التي تبعد حوالي 15 كيلومتراً غرب شبوة. ولا أعلم بوجود اي توثيق لوجود الفهد في شبه الجزيرة العربية على الرغ من بعض التقارير التي تتحدث عن وجوده في الكويت. وبالنظر الى التوزيع الجغرافي للفهد فإن عدم وجوده في شبه الجزيرة العربية أمر يبعث على الاستغراب.
[10] "خسفة" هو الاسم الذي تسمى به أي بئر تشتهر بأن سقوط أحد الشهب التي تهوي من السماء تسبب في حفرها، غير انه لا يوجد ما يوحي بهذا في شكل هذه البئر.
[11] يظهر تحليل الملح ملحاً عادياً ملوث يحتوي على كمية متوسطة من الكالسيوم وسولفات المنغنيس.
[12] يصلي أفراد القرا والمهرة وبيت كثير فرادى أما الرواشد فيصلون في جماعة.
[13] أسماء الجمل عند هذه القبائل هي: السنة الاولى "محولية"، والثانية "بنت لبون" او "جضاعة"، والثالثة "مزروبة"، والرابعة "ثني"، والخامسة "رباع"، والسادسة "سداس"، اما الجمل البالغ "موني". ويستخدمون كلمة "بوش" للإشارة الى قطيع الجمال، وكنت قد سمعت هذه الكلمة في جبل الدروز فقط.
[14] بيت كثير والرواشد وبيت يماني والمهرة والمناهيل يستخدمون هذا السرج. ويسموه "شداد"، ولا يعرفون الاسم "زانة". اما قبائل مرة وصيعر والقبائل الغربية فيستخدمون سرج الركوب ذا القطبين.
[15] يصف البروفيسور أ. ج. اي. كيف A. J. E. Cave الجمجمة في ورقة في مبنى الجمعية، ويستنتج انه "بناء على اسس مورفولوجية وعظامية فإنه من الواضح ان القحف انه لشخص ينتمي الى عرق من البحر الابيض المتوسط، انتشر في الماضي والحاضر ليشمل شبه الجزيرة العربية".
ترجمة جميلة ورائع لرحلة غاية في الأهمية،تكبد فيها "لولفرد ثيسجر" كثير من العناء خاصة في جبال القرا،التي يقال أنه تعرض فيها هو وقافلته للأذى ومنعوا من المكوث بسبب أن السلطان و واليه حسب ماقيل لم يستأذنوا القبيلة قبل تسير الرحلة لتلك الجبال على غرار الاستذان الذي تم لرحلة طوماس مؤلف كتاب البلاد السعيد،فلم يسمح له بسبب التوجس من الغرباء ونواياهم والتعنت القبلي الذي فيه تأخذ العزه بالإثم سوى بالمرور العابر عبر الجبال ومن هنا كان عندما يصف يقول "حسب ما أظن" معتمدا على الرؤيه الخاطفة خلال العبور والمغامرة الأولى،ومع ذلك بشجاعة منقطعة النظير واصل رحلته في عالم مجهولا وغريب بالنسبة له.
ردحذفهذا هو أدب الرحلات ينقل لك نمط الحياة بأدق تفاصيلها وباسلوب جميل و مشوق.
شكرا دكتور على الترجمه الرائعة