الأربعاء، 19 أكتوبر 2005
السبت، 1 أكتوبر 2005
ترجمة لقصيدة "صريع النجمة: تلميذ الفلكي ثابت بن قرة"
الخميس، 1 سبتمبر 2005
الحاضر والخوف من التاريخ وعليه
الحاضر والخوف من التاريخ وعليه
عبدالله الحراصي
يخشى البعض منا التطرق للتاريخ، وهو خوف له أكثر من وجه وسبب. والتاريخ هو أحداث الماضي، وبطبيعة الحال فإن هذا تعريف عام جداً لا يُخفِي قصوره، فكل الأحداث حدثت في الماضي أو أنها تحدث الآن وسرعان ما تصبح ماضياً بمرور الوهلة التي حدثت فيها، ويشمل هذا أحداث تشكل الكون، بتعدد نظرياتها وفرضياتها، وكل أحداث نشوء الأرض والحيوانات والنباتات والإنسان.
لنغض النظر عن تاريخ غير الإنسان، من طبيعة أو حيوان أو نبات، لا لأنه غير مهم في ذاته أو في دلالاته الإنسانية، بل لأن ما ذكرته أعلاه حول الخوف وعلاقته بالتاريخ يتمحور على تاريخ الإنسان، فالقليل من البشر يظهر خوفاً ورهبة من التاريخ الطبيعي. هل سمعت أن إنساناً، عادياً كان أم من الملأ السياسي أو الثقافي، يمتعض حين تحدثه عن تاريخ نشوء الصخور الرسوبية أو عن أحد أنواع الديناصورات ويسعى جاهداً لمنعك من الحديث؟ الحقيقة إنني لا أعرف الكثير ممن يمكن أن نضعهم في هذه الخانة، ولا أعتقد بكثرتهم إن وجدوا، ولكن هناك الكثيرون من بيننا نحن بني الإنسان من يخشى من ذكر أحوال البشر وأحداث ماضيهم. ومن نافل القول إننا حين نتحدث عن التاريخ الإنساني هنا فإننا لا نتحدث عن كل أحداث الإنسان الماضية، فذلك أمر غير ذي فائدة. لنضرب مثلاً: قبل ثلاثمائة عام وجد شخصٌ عمانيٌ عاش في أحد الجبال، وكان يرعى غنمه صباحاً ويأوي إلى ما ومن يأوي إليه ليلاً. هل أحداث حياة هذا الشخص تاريخ (يمكن أن يخاف منه أي إنسان)؟ لا، وإن وجد البعض ممن يخاف منه فلن يكونوا كثيرين أيضاً، وأسباب خوفهم لن تكون موضع اهتمام جدي من قبل أحد، اللهم إلا علماء الأمراض النفسية ومعالجيها.
ينبغي هنا أن نتذكر أن التاريخ يكتبه المنتصر دائماً، أما المهزوم فليس له تاريخ باستثناء هزيمته. يعمد المنتصر دائماً إلى فرض قراءة يتم تقديمها على أنها القراءة الحقيقية لما حدث في الماضي، ويوازي فرض القراءة هذا إجراءات أخرى كإخفاء وطمس أية معالم مادية أو معنوية يمكن أن تقود إلى قراءة مغايرة تهدد المنتصر وجماعة المصالح التي ستنتج عن وجوده. من هذا المنظور فإن "الخوف" يستدعي معه حرفين من حروف الجر هما "على" و"من"، فالخوف يكون "على" القراءة المهيمنة التي يطرحها الطرف المنتصر، و"من" القراءات الأخرى التي تهز شرعية انتصار المنتصر وشرعية قراءته لأحداث الماضي التي يطرحها.
قانون علاقة التاريخ بالخوف يتمثل إذاً في ثلاث كلمات "ابحث عن المصلحة": إن المصالح والخوف عليها وحثيث السعي لتعظيمها هي التي تجعل البعض يخشى التاريخ المغاير وأحداثه. هؤلاء البعض من أصحاب المصالح هذه يبررون خوفهم من هذا التاريخ بعبارات إيجابية شكلاً كالقول "لا نود أن ننكأ الجراح" أو "ليس من مصلحة الجماعة (بشتى مستوياتها) أن تُثار هذه المواضيع" أو "تلك مرحلة ومرت" وأحياناً يتم الاستعانة بنصوص ذات وقع تأثيري على المستمعين كالحديث النبوي الشريف حول الفتنة "الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها" (الفتنة نائمة؟! القضية إذاً ليست تاريخاً وإنما نحن إزاء أمر حاضر لا يُراد للإنسان أن يتحدث عنه أو يثير أسئلة حوله).
وإذا كانت هذه الفئة جالبة أو محافظة على مصلحة فإن هناك فئة الصامتين الذين يتبنّون القراءة المخالفة للقراءة المهيمنة للتاريخ، لكنهم يخافون من القوى المهيمنة فيلجئون للصمت على قاعدة "ابعد عن الشر وغني له"، ولا خوف بالنسبة للقوى المهيمنة من هذه الفئة الصامتة ما دامت لم تتحرك فعلياً لإعلان قراءتها الأخرى للماضي، لأن إعلان القراءة المغايرة هذا هو أمر من أمور الحاضر وليس من شأن التاريخ كما سنرى بعد أسطر.
إن صراعات الماضي صراعات بين جماعات تبين لها في لحظة من لحظات الماضي أن مصالحها لا يمكن أن تستمر دون حالة الصراع تلك، وأن حالة الصراع لا راد لها حتى تعود الأمور إلى نصابها أو إلى نصاب جديد رأت جماعة من هذه الجماعات المتصارعة أنه لا بد من إحلاله فقامت بالصراع. ولكن ما شأن هذا بالحاضر؟ له شأن كبير، بل أن القضية برمتها صراع حول الحاضر (الفتنة "النائمة"، وليست "الميتة") ليس له علاقة مباشرة بأحداث الماضي التي مضت ولن تعود. ما يحدث في هذه الحالة هو أن أصحاب المصالح، بشتى أنواعها، يرغبون في حفظ مصالحهم والذود عنها، ويرون أن التطرق للماضي أو لبعض أوجهه سيؤثر بالسلب على مصالحهم الحالية ولهذا فإنهم يبادرون إلى درء هذا الشر بقطع دابره ورفضه التام. أصحاب استمرار قراءة المنتصر للتاريخ هم إذاً أصحاب مصالح لا يمكن المحافظة عليها إلا بتبني رؤية المنتصر في حدث وقع قبل عشرات أو مئات السنين، وقد يتبرقع رفضهم للقراءات الأخرى بـ"الموضوعية" وبغياب المشروعية التاريخية لهذه القراءات المغايرة غير أنك إن حككت جلد رفضهم هذا لوجدت رعباً من أن تُهَزّ مصالحهم التي ارتبطت بمنظومة الجماعة التي تبنت خطاب المنتصر ورؤيته الكونية.
إن الماضي قد مضى، أما الحديث عنه فهو قضية الحاضر، وقضية تقصيه هي قضية الحاضر كذلك. الداعون لتجنب التاريخ وأحداثه والخائفين من إثارته هم ممن يسعون للحفاظ على مصالحهم كما ذكرت أعلاه، أما دعاة التطرق إليه وإعادة النظر فيه فهم أحد فريقين، إما أن يكونوا من سدنة العلم "الموضوعيين" المنبتين عن المصالح المباشرة باستثناء ولاءهم لما يعتقدون أنه حقيقة تاريخية يرغبون في معرفتها والذين يفنون عمرهم لمعرفة أسباب وقوع الأحداث ومحركات أشخاصها وأبطالها ومهزوميها ومآلاتهم (وهؤلاء تجدهم في الجامعات ومراكز البحوث ينكبون على الماضي يدرسونه باعتبار أن تلك الدراسة هي نشاط عقلي محض لا صلة له بمصلحة يستلجبونها أو يحافظون عليها أو بدرء مفسدة أو مهلكة تضرهم)، أو أن يكونوا من فريق آخر يتمثل في الجماعات التي ترفض القراءة المهيمنة لأحداث التاريخ، وهو في حقيقته رفض للمنتصر (ألم نقل أن التاريخ يكتبه المنتصر وأن تاريخ المهزوم هو الهزيمة؟) ولقراءته للماضي وأحداثه، وهذا الفريق هو منبع الخطر بالنسبة للقراءة المهيمنة للتاريخ وللجماعات التي تعمل على المحافظة عليها لارتباطها بمصالحها.
بمصطلحات سياسية فإن دعوة الفريق الثاني لقراءة التاريخ أو لإعادة قراءته في هذه الحالة هي خطاب تغييري يسعى إلى تغيير الحاضر بالحيلة، فبدلاً من الصراع المباشر على المصالح بأشكاله السياسية أو العنفية المعهودة تتخذ الجماعات التغييرية سبيلاً آخر هو محاولة التطرق لما قد يبدو بعيداً عن صراع المصالح هذا وهو الماضي. غير أن مجسات السلطات المهيمنة عادة ما تكون قوية في هذا الشأن فترفض طرح التاريخ للنقاش أصلاً أو أنها ترفض محاولة طرح قراءات أخرى لأحداثه وشخوصه ومآلاتهم، وهو ما يقود، إن أصرت الجماعات التغييرية على رغبتها في "نبش" التاريخ، إلى حالة صراع قد تخلق حاضراً جديداً وتاريخاً مغايراً ربما تتغير فيه وبسببه مواقع الخوف من التاريخ وعليه.
دعوة للحفاظ على لغات ظفار
دعوة للحفاظ على لغات ظفار
عبدالله الحراصي
في إحدى قمم الجبال في ظفار استضافتني قبل أشهر أسرة كريمة تعيش في خيمة متواضعة. كنت وما أزال معجباً بنمط المعيشة في تلك البيئة البِكر، غير انه كان يقودني في زيارتي الأخيرة اهتمام شخصي بأثر الحياة الحديثة في هذا المجتمع المرتحل القديم. سألت فتاة في المرحلة الأخيرة من مراحل المدرسة عن بعض المسميات الجبالية (الشحرية) لبعض النباتات وكانت في الأغلب تقول أنها لا تعرفها فتحيلني لأمها التي كانت تذكرها جميعاً. سألت نفس الفتاة، التي كانت تتباهى بإصرارها على التحدث معي باللغة الانجليزية الخالية من الأخطاء (بعد أن أخبرتها أني ادرس في قسم اللغة الانجليزية بالجامعة)، إن كانت تسمع أشرطة محاد الفهد، وهو منشد قصائد دبرارت المعروفة في ظفار، فما كان منها إلا أن هبت غاضبة وأخرجت من تحت أكوام من الجلد شريطاً لفيروز وقالت ما أنقله بالحرف "نحن خلاص تحضرنا".
هذه الحادثة هي التي أثارت في نفسي الكتابة حول خطورة الوضع اللغوي في ظفار، وهو وضع تتعرض فيه لغات ذات أهمية عريقة تشمل الجبالية (الشحرية) والمهرية والحرسوسية والبطحرية وغيرها، لخطر الأنقراض (أو حالة "موت اللغة" كما يسميه فقهاء اللغة). سأتحدث في البداية عن أوجه أهمية هذه اللغات ثم أعرج على ذكر بعض المقترحات التي يمكن من خلالها أن نحافظ ما أمكن على هذه اللغات وثقافاتها.
تتميز لغات ظفار بأهمية تاريخية لا تخفى عند فقهاء اللغة، فهذه اللغات هي لغات قديمة، بمعنى أنها لم تتعرض لتغيير أساسي في تراكيبها النحوية ولا في ألفاظها منذ قديم الزمان، وسبب هذا الثبات هو أن متحدثي هذه اللغات يعيشون في بيئات يصعب فيها التواصل مع العالم الخارجي، كالجبال في حالة اللغتين الجبالية (الشحرية) والمهرية، والصحراء في حالة الحرسوسية على سبيل المثال. وتشكل هذه اللغات كنزاً لا يقدر بثمن لدى دارسي اللغات لأنها حفظت كذلك الثقافات القديمة، فمفردات هذه اللغات هي سجل أمين لكثير من الظواهر الثقافية التي كانت تسود في الثقافات العربية القديمة، ولم تعد توجد حالياً بعد انتشار الاسلام ومعه اللغة العربية التي نعرفها. ويمكن التدليل على ذلك بعودة كثير من الآثاريين وعلماء الاناسة الى هذه اللغات لفهم تاريخ المنطقة أو لفهم بعض النقوش التي عثر عليها في المنطقة. كما يستدل من هذه اللغات على الوشائج التي تربط بين اللغات السامية ومن بينها لغات نائية في التاريخ عن منطقة عمان والجنوب العربي مثل لغات العراق القديم على سبيل المثال، بل ولغات نائية جغرافياً مثل لغات البربر في شمال أفريقيا.
كما تتميز هذه اللغات بأهمية ثقافية عظيمة، فهذه اللغات هي كنز لم يكتشفه الباحثون حتى الآن فيما يتعلق بدراسة الظواهر الثقافية والحضارية. لنأخذ الأدب على سبيل المثال: فقد أنتج متحدثو لغات ظفار ابداعات أدبية أثرتها الخبرة التاريخية التي لم تنفتح على الثقافات الأخرى، حيث تتميز هذه اللغات بقصائد وقصص وأمثال شعبية بديعة، بل وتوجد فيها كذلك أنماط فنية أدبية لا توجد في لغات أخرى، ويمكن التدليل هنا على فنون شعبية تلقى بهذه اللغات مثل الدبرارت والنانا على سبيل المثال. كما أن هذه الأهمية الثقافية ترتبط كذلك بالثقافة العمانية (والعربية) المعاصرة التي لا يمكنها أن تقضي على عناصر اغترابها سوى بالتقرب من الذات من خلال إدخال عناصر من آداب وفنون هذه اللغات المحلية.
ما الخطر الحالي؟ يكمن الخطر تحديداً في التخلي التدريجي للأجيال الجديدة عن هذه اللغات، وهو تخلٍ يتبعه تلقائياً فقدان نهائي لكل الأوجه اللغوية والحضارية التي تحملها. وما يثبت واقعية هذه الخطورة أن هناك لغات كانت موجودة في ظفار قد اختفت فعلاً مثل لغة الهوبيوت التي لم يعد يتحدث بها أحد الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للغة الحكليوت (يرى البعض أنهما لغتان متقاربتان، غير أن هذا ليس محور حديثنا هنا). ان الموت شبه التام لهاتين اللغتين هو مبعث حزن من الناحية العلمية ومن الناحية الحضارية، فقد فقد علماء اللغة وغيرها من الحقول ميداناً للدراسة له أهمية جوهرية في فهم المجتمع العماني في ظفار وتاريخه، كما فقدنا بفقدان هذه اللغات آداباً وفنوناً وأوجه حضارة عريقة عميقة الجذور والتجربة والتاريخ.
يكمن الخطر إذا في أن اللغة العربية (بل واللغة الانجليزية كذلك) تتقدم على حساب اللغات المحلية، وهو ما يستوجب من النخبة الفكرية في عمان، ومن العلماء المهتمين بهذا الشأن عموماً، ومن الدولة العمانية التدخل السريع للقيام بما يجب من إجراءات لإيقاف هذه الخسارة الوطنية والعلمية والحضارية، وسأقدم فيما يلي بعض المقترحات المبدئية الواجبة لحماية هذا التراث العماني والعربي والإنساني الذي يتعرض للخطر الداهم.
ينبغي أولاً تعزيز الاهتمام العلمي بهذه اللغات وثقافاتها. فيمكن أن تقوم الدولة بحفظ هذا التراث عبر إجراءات مثل إنشاء مركز لدراسات اللغات والثقافات في ظفار والمنطقة الوسطى يقوم على الحفاظ على هذه اللغات من خلال تسجيلها وتحليلها بالمناهج العلمية المتبعة في حالات اللغات المعرضة للخطر. كما يمكن للدولة من خلال المؤسسات العلمية والثقافية في عمان (مثل جامعة السلطان قابوس ووزارة التراث والثقافة) أن تقوم بندوات ومؤتمرات لدراسة مختلف أوجه هذه اللغات والثقافات المرتبطة بها. يمكن للعلماء بطبيعة الحال أن يقوموا ببعض الإجراءات الأساسية لحفظ هذه اللغات مثل تطوير نظام كتابة لها، فهذه اللغات لم تزل لغات شفهية منطوقة غير مكتوبة (بالرغم من وجود بعض النقوش القديمة التي لم يتم فك أسرارها حتى الآن في بعض جبال ظفار) إضافة الى تسجيل ألفاظها معجمياً، ويمكن أن تقوم مؤسسات التعليم العالي بتقديم بعض المقررات الدراسية لتدريس هذه اللغات وثقافاتها. إن مؤسسات التعليم العالي في عمان تدرس الانجليزية والفرنسية ولغات اوربية أخرى، وتنسى أن لدينا لغات على شفى الموت دون أن تقوم بأدنى جهد منظم لدراستها وتدريسها (على الرغم من وجود بعض الجهود الفردية المهمة ككتاب الدكتور محمد المعشني المعنون بـ "لسان ظفار الحميري المعاصر").
أما ثقافياً فلا يمكننا أن نفتخر بترجمتنا من الغرب (أو أن نحزن لضعف هذه الترجمة كمياً ونوعياً) دون أن نلتف إلى ترجمة أنفسنا لأنفسِنا. أعني أنه ينبغي أن ندخل في منظومة الثقافة العمانية فنون الحياة والأدب في ظفار والمنطقة الوسطى. وهنا فإنني أود الإشارة إلى أمر مهم، وهو أن هذا الإهتمام لا ينبغي أن يكون فلكورياً تقليدياً، أي أن نستخدم بعض ألحان النانا في مهرجاتنا الموسيقية مثلاً، بل بالقيام بحركة تعريف بهذه الثقافات وآدابها لكي تكون رافداً أساسياً في الثقافة العمانية العامة. ينبغي على سبيل المثال أن نقوم بأنشطة عاجلة تتضمن ترجمة لنصوص شفهية من هذه اللغات.
لا نرغب هنا في تكرار الحديث (الممجوج والدعائي في الأغلب) عن هجمة العولمة والغزو الثقافي، وإنما ننطلق من رؤى واقعية بسيطة. اننا نُدرِّس اللغة الانجليزية في كل مراحل التدريس، وهو بطبيعة الحال أمر لازم في عالم متداخل يقوم عموده الفقري اللغوي على اللغة الانجليزية، غير أن من الواجب بالتوازي مع ذلك القيام بتخطيط لغوي حكيم للمجتمع العماني، يأخذ بعين الإعتبار ضرورات الواقع المعاصر وكذلك المخاطر التي تواجه لغات مجتمعاتنا المحلية، وهي مخاطر ستؤدي إلى موت هذه اللغات إن لم نحسن إدارة هذا التخطيط اللغوي ولا نترك هذا الأمر خبط عشواء لا يقود إلا إلى خسارتنا لثروة قومية حضارية لا يمكن تعويضها بعد فوات الأوان.
الاثنين، 16 مايو 2005
حوار حول طاولة مستديرة: الترجمة تبوح بأقلامها
العدد (162) من ملحق أنوار(جريدة الوطن) - يوم الاثنين الموافق 16/5/2005م
المشاركون في الطاولة:
الدكتور عبدالله الحراصي
هلال بن خلفان المعمري، رئيس جماعة اللغة الإنجليزية والترجمة
يونس بن خصيب الحراصي
بدر الجهوري
شيخة المحروقي طالبة بقسم اللغة الإنجليزية والترجمة
فرح بنت سالم الحرمي
تماضر بنت منصور الوهيبي
أن للترجمة دور كبير ومهم في سير الحركة الثقافية والتعليمية في أي بلد وتلعب الترجمة في السلطنة دور لا بأس به في هذه الحركة وقد تكون الترجمة في السلطنة من الحركات التي نشأت حديثا في المؤسسات التعليمية والجامعة لها الشرف في تبني بدايات هذه الحركة سواء كان من خلال مجموعة الترجمة أو قسم الترجمة في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية
دور الترجمة
من البديهي أن نتوجه بالسؤال الأول للدكتور عبدالله الحراصي فبدا جاهزا للحديث وتبسم قائلا الترجمة حالة ثقافية جديدة لم تكن موجودة ولم تكن متأصلة في الحالة المعرفية العامة والكتابات القديمة على سبيل المثال حيث كانت كتابات أصيلة لم تكن ترجمة سواء كانت في الكتابات الفقهية والأدبية فلم يوجد في التاريخ العماني مترجم فالترجمة ظهرت حديثا على المستوى الثقافي من خلال وزارة التراث من خلال ترجمات الأستاذ محمد أمين عبدالله كرائد الترجمة في عمان على المستوى العلمي في عمان يكون من التجاوز أن نقول أن هناك إنتاج علمي كبير والترجمة جزء من الحالة العلمية العامة وما زال الإنتاج العلمي في بداياته كتأصيل للحالة العلمية وككتابة ولكن يجب أن نضع في الاعتبار ما يوجد من مساهمات الطلبة العمانيين الذين يدرسون في الخارج ويقومون بدراسات وأطروحات ورسائل ماجستير والدكتوراه وهذه الرسائل موجودة كنشاط علمي ولكن ليس في عمان كتبة العمانيين لكن هذا النشاط لم يترجم حتى الآن ولم يدخل في الحالة العلمية العمانية فما زلنا على المستوى الأدبي في البدايات ودور مجموعة الترجمة دور يجب أن لا نبالغ في تضخيمه ولا الاستخفاف به فهي بدايات لحالة تغيير ثقافية فكرية.
وعبر هلال بن خلفان المعمري عن رأيه قائل عارضا جزءا من تجربته الشخصية حيث قال في البداية لم يكن لدي إطلاع على الترجمة كحركة ثقافية قبل أن أقرأ عن الترجمة في قسم اللغة الإنجليزية وفي اللحظات التي كانت تولد بها مجموعة الترجمة مع الدكتور عبدالله الحراصي وأحمد المعيني في تلك اللحظات عرفت أن للترجمة دور كبير في الحركة الثقافية في السلطنة وأن هذا الدور لم يستغل بعد فبدأت في هذا المجال وأتيحت لنا فرصة النشر فأحسست أنني كعضو في المجموعة في تلك الأيام أنني بدأت أساهم في هذا الدور.
مؤسسة واحدة لا تكفي
استهلت شيخة المحروقي حديثها عند سؤالي هل مؤسسة واحد كافية لاحتضان هذه الحركة بالمثل الذي يقول يد واحدة لا تصفق وقالت على الرغم من أن جامعة السلطان قابوس رائدة المؤسسات التعليمية والثقافية إلا أنه لابد من قيام مؤسسات أخرى تعنى بحركة الترجمة وخاصة أنها تلعب دور كبير في تسيير حركة الثقافة والتعليم في أي بلد ومن خلال تجربتي المتواضعة في هذا المجال استطعت أن أطلع على العديد من الثقافات الأخرى من خلال ترجماتي المختلفة.
مؤسسات ومساهمات
يقول الدكتور عبدالله الحراصي أعتقد أن هناك الكثير من المؤسسات التي يجب أن تساهم وخاصة المؤسسات الثقافية والعلمية والإعلامية الآخرى فإذا توقفنا عند العلمية مثلا جامعة السلطان قابوس أحدى هذه المؤسسات وهناك جامعات وكليات أخرى تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية فيجب على هذه المؤسسات أن تهتم لموضوع الترجمة فيجب أن تهتم بالترجمة كموضوع وفعل فالأمر له جانبان الاهتمام بالترجمة من خلال نشر الوعي الترجمي والقيام بالترجمة نفسها ، كما أن يجب عدم النظر إلى الترجمة أنها حالة منفصلة عن الحركة الثقافية والعلمية العامة في البلد بل هي جزء من هذه الحركة وهي دعوة لحالة حضارية قادمة.
ويضيف يونس بن خصيب الحراصي أن للمؤسسات الحكومية دور لا بأس به في سير حركة الترجمة وهناك أيضا مؤسسات خاصة تعنى بهذا الشأن كجامعة صحار والتي طرحت مؤخرا تخصص الترجمة وجامعة ظفار وجامعة نزوى إلا أنه لا توجد هناك مؤسسات أخرى غير تعليمية تعنى بهذا الجانب كالمنظمات والهيئات الخاصة كمنظمة الترجمة العربية في بيروت وقد يكون السبب أن الترجمة في السلطنة ما زالت في بداياتها بالنسبة للسلطنة والدخول في مشروع كهذا غير مضمون ويعتبر مغامرة وخاصة أنه لا يوجد له مردود في نفس الوقت هناك الكثير من المترجمين العمانيين الذين نادوا بضرورة وجود جمعية للمترجمين العمانيين وأتوقع أن هذه الفكرة ستطبق مستقبلا وخاصة أن هناك أفواج كبيرة من المترجمين الذين تحتضنهم الجامعة بالإضافة إلى الذين يدرسون الترجمة خارج السلطنة.
ويرى هلال المعمري يجب أن لا نقارن الترجمة في عمان بالبلدان الأخرى كلبنان وغيرها من الدول العربية فالحركة الثقافية في عمان بشكل عام ليس بذلك المستوى وهناك تردد كبير للاستثمار في الجانب الثقافي والترجمة بشكل خاص فلن يكون حضها خير من إخوانها في هذا المجال وخاصة أنها ما زالت (تحبوا)، ويقول بدر الجهوري أن فكرة المؤسسات الخاصة هي فكرة قديمة ففي أحدى المقابلات مع أحمد المعيني مؤسس مجموعة الترجمة قال أن حلمي هو العودة إلى عمان وتكوين إتحاد للمترجمين العمانيين، الفكرة موجودة سابقا ولكن المشكلة التي تواجهنا هي أين مسألة الإبداع ، فالثقافة في السلطنة تحتاج إلى دعم كثر ، البعض يقول أن الترجمة شيء جديد ولابد أن نمشي على وتيرة محددة لكن برأي يفضل أن نبدأ في هذه الخطوة بطريقة مبكرة لأن العولمة بدأت تطغى فترك الناس الكتب واتجهوا إلى الانترنت ، حيث أنه عندما أدرس مواد ويُُطلب فيها بحوث فبدوري سوف أتجه إلى الانترنت وأترك الكتب ، فإذا تركنا الموضوع لما هو عليه فقد تنسى الكتب ويقل دورنا كمترجمين وستكون مجازفة وذلك بأن نبدأ بأسرع وقت لنكون جمعية مترجمين عمانيين حتى نضع حجر الأساس للترجمة في السلطنة .
ويرد عليه يونس الحراصي بالنسبة للمجازفة التي تكلم عنها بدر بخصوص إنشاء جمعية مترجمين عمانيين يفترض أن تكون ذات كفاءة عالية بمعنى أن تضم أكثر من عشرين أو ثلاثين شخصا ، فلا يعقل أن تُكون جمعية تضم خمسة أو عشرة أشخاص فقط ، فنجد العديد من المترجين العمانيين يعملون في مجال الدفاع وأماكن أخرى لا تسمح لهم بالنشر ، والأشخاص الذين يطالبون بهذا الأمر قد يكونون أصحاب محلات الترجمة أو مؤسسات خاصة للترجمة بمعنى أنه عدد محدود جدا ، فإذا أخذنا بعين الاعتبار فستكون فكرة جمعية لإتحاد للمترجمين العمانيين خطوة جريئة وجيدة جدا ، ولابد أن تتوفر قبل ذلك العناصر التي نبني عليها هذه الجمعية .
تضيف تماضر الوهيبي أتوقع أن مثل هذه المؤسسات قد ترى النور قريبا إذا رأى المستثمر اهتماما من الجانب الحكومي ، فحسب ما علمنا أنه تم إصدار قرار وزاري مؤخرا بإنشاء قسم لدراسات الترجمة في وزارة التراث والثقافة ، فإذا رأى المستثمر الاهتمام الحكومي في هذا الجانب سيكون له الحافز الكبير في ذلك .
تقول شيخة المحروقي بالنسبة للمؤسسات الخاصة فالمشكلة تكمن في الجانب المادي ، فمن الذي سوف يمول المؤسسة برأس المال ، والمشكلة الأخرى هي أن أغلب المشاكل التي يواجهها العالم هي صفة البشر نفسهم ، فمثلا نجد أن الترجمة متعلقة بالثقافة في الأول والأخير ، إذا أن الناس يهتمون بالثقافة سوف يهتمون بالثقافات الأخرى وقراءة الكتب ، فالترجمة في التاريخ العربي كانت تعتبر حركة ثقافة كبيرة كما أنه كان لها دور كبير في تنظيم الحركات الثقافية الأخرى ، وأتى فشل الترجمة لأن العرب قاموا بالإشادة بإنجازاتهم وكانت من ضمن الترجمة إلى أن العمل بالترجمة قل والإشادة بالترجمة ارتفع مستواها إلى أن تلاشت أعمال الترجمة جميعها ، فالتاريخ قام بإعادة نفسه ونحن كعرب يجب دائما أن نبحث عن الجديد وعن الأسباب التي أدت إلى قصور العرب في جانب من الجوانب وفي حق أنفسهم ،فهم وصلوا إلى مستوى عالي وإلى القمة ثم نجد أن المنحنى ينزل تدريجيا ، فبدلا من أن يستفيدوا من ثقافاتهم قاموا بالأخذ من الثقافات الغربية الأخرى ، فخوفنا من أن نصل إلى هذا المستوى أي أننا نشيد بالترجمة فقط دون أن تكون هناك أعمال في الترجمة ، وكل ذلك أولا وأخيرا يرجع للأشخاص المهتمين بالثقافة ، فالحركة الثقافية الآن جدا بطيئة حيث أننا نادرا ما نجد أشخاص مثقفين يهتمون بمثل هذه الأمور ، فالترجمة متعلقة بكمية المثقفين الموجودين في السلطنة ، فإذا كان هناك مستفيدين فالترجمة سوف تشهد طاقم كبير لكن إذا ظل الحال كما هو عليه فلن تأخذ الثقافة ولا الترجمة حقها .
واقع ترجمي
يضيف الدكتور عبدالله الحراصي لابد من أن نفرق بين الواقع والضرورة، فواقع الترجمة وواقع الحضارة العامة في العالم العربي يميل إلى الآراء التي تأخذ عدم الرضا من الواقع،أكثر من الرضا ونشير إلى أن هناك مجال كبير للفعل البشري فلا بد من أن نفرق بين هذا الواقع والضرورة فإذا تحدثنا على مستوى السلطنة فهي الآن ضمن تكتلات اقتصادية كبيرة كمنظمة الدول المطلة على المحيط الهندي على سبيل المثال ومنظمة التجارة العالمية وما يتبعها من عالم العولمة المتداخل المفتوح دون حدود والسلطنة قامت بتوقيع اتفاقيات والالتزام بها دوليا وقانونيا والالتزام أيضا بتوابع الحالات الاقتصادية الكبرى فهذه ستؤدي إلى ضرورات لابد منها فإذا أردنا أن نظهر بالواقع هذا فلابد من الترجمة فالمستقبل عبارة عن سلع اقتصادية وثقافة الإنسان تتحول إلى سلعة ونحن يجب أن نسوق أنفسنا كحالات ثقافية وحضارية وتراث وماضي ولآ يجب أن نتخوف من كلمة السلعة ولا ننظر إليها كشيء سلبي فالموسيقى والأدب والأزياء وغيرها من المجالات تتحول في النهاية إلى سلع بحاجة إلى تسويق فإذا أردنا أن نصدر أنفسنا كسلعة للخارج لا بد من أن نترجم كذلك إذا أردنا أن نستورد من ثقافات العالم الخارجي لابد من أن نترجم فإذا تكلمنا عن العرب في الفترة العباسية وكيف ساهموا في تلك الفترة فكانت مساهمة عظيمة أدت إلى حفظ التراث الأغريقي وإلى الترجمتين العربية وحالة حراك ثقافي عربي وفي تلك الفترة الثقافات كانت تتعايش بعيدة عن بعضها فدور الترجمة كانت مختلفا كان دور يقرب بين الشعوب ويعرف بين الأمم وهوياتها وعلومها وثقافتها ويجب أن ننتبه أن دور الترجمة الآن مختلف تماما بس التقارب بين الحضارات وسهولة التواصل بين الأمم الأخرى فحضارات وأمم العالم اليوم غير منفصلة كما الحال في السابق وهناك تيار حضاري قادم يجب أن نساهم فيه ويجب أن نتخلى عن قضايا ترجمة الفلسفة والترجمة القديمة فالفترة القادمة مختلفة تماما سواء من حيث المدخلات أو المخرجات.
أكثر من لغة
نلاحظ أن الترجمة في عمان والجامعة بشكل أخص تكون من وإلى اللغة العربية والإنجليزية دون النظر إلى اللغات الأخرى يرد الدكتور عبدالله الحراصي على ذلك قائلا يجب أن نعترف أن اللغة الإنجليزية هي اللغة المهيمنة على جميع العالم وكون ترجماتنا أغلبها باللغة الإنجليزية وضع طبيعي وسلمي ولا توجد به أي سلبية ووجود الترجمة مؤشر على فعل ما ووجود الترجمة خير من أن لا توجد .
إعداد وحوار: خولة الحوسني