الثلاثاء، 1 مارس 2011

كلمة حول الشغب والاحتجاج

كلمة حول الشغب والاحتجاج
الدكتور عبدالله الحراصي
[نشر ضمن استطلاع في الصفحة 8 من جريدة "عُمان" العمانية، يوم  الثلاثاء 1 مارس 2011]

تتباين رؤية الناس للشغب، فمنهم من يراه بعين الرضا فيعده صوت أولئك الذين لا يستمع إليهم أحد في الأيام الطبيعية، ويدلل هؤلاء على صواب رأيهم ببعض الأقوال المأثورة مثل "عجبت لمن لا يجد قوت يومه أن لا يخرج على الناس شاهرا سيفه"، وهنا فإن الشغب عند هؤلاء هو طريقة مقبولة للاعتراض وقول "لا" حين لا تحقق الوسائل الأخرى المطالب، وهناك من يرى الشغب بعين السخط والرفض فيعده شكلًا من أشكال الفساد وفعلًا شائنًا تعافه فطرة الإنسان ومصالحه لأسباب عديدة، منها أنه لا ينطلق من أسلوب حضاري لقول "لا"، كما أنه ربما قاد إلى تلف الممتلكات بل وقد يتجاوزه إلى هلاك البشر، وهلاك النفس البشرية وتلف الممتلكات، بحسب الرافضين للشغب، هما أمران يناقضان تمامًا ما يدعيه من يقوم به من أنه ينطلق من أسباب تتعلق بالسعي لإحقاق العدالة ومحق المظالم، فكيف يكون الظلم وسيلة لتحقيق للعدل، وكيف يعالج الفساد بالفساد؟
وإذا نظرنا إلى ما وقع في صحار يوم الأحد (27 فبراير 2011) من أعمال شغب وتخريب لأمكن بناء على ما تقدم أن ننظر إليها بعيني الرضا والسخط معًا، غير أن الأمور ينبغي أن ينظر إليها في سياقاتها، فالشغب ربما يُقبَل أن يكون صوت من لا يستمع إليهم في حالة عدم السماح لمن قاموا به بالتعبير السلمي عن مطالبهم، وهو ما لم يحدث في صحار، إذ لم يكن هناك اعتراض من الدولة على التظاهر والتعبير السلميين في صحار، كما لم يعترض المسيرتين الخضراء الأولى والخضراء الثانية أحد، ولم يعترض الاحتجاج والاعتصام في صلالة وغيرها من مدن عمان أي مؤسسة من مؤسسات سلطة الدولة. هذا يقودنا إذًا إلى الرفض التام لأعمال التخريب والشغب التي وقعت في صحار، وإلى رفض وقوعها في أي بقعة في بلادنا العزيزة.
غير أن رفضنا لأعمال الشغب لا ينبغي أن ينسينا أمرًا مهمًّا وهو أن الشغب ليس إلا جزءًا من قصة الاحتجاجات في عُمان، وهو جزء حَادَ بلا ريب عن الطريق القويم للاعتراض السلمي والإفصاح عن المظالم والسعي للإصلاح، أما المتن والأساس فهو أن الأرض العمانية تشهد موجة احتجاج كبرى غير مسبوقة تعبّر عن نفسها من خلال المسيرات والاعتصامات والاعتراضات وغيرها من وسائل الاحتجاج، ولا ينبغي أن يقع أي طرف في وهم اختزال المطالب الإصلاحية في حادثة الشغب المأساوية في صحار بلا شك، بل ينبغي أن تعالج قضية الشغب والتخريب تلك ضمن إطار القانون، فمن ارتكب جريمة إهلاك النفس أو تخريب أو تدمير المال العام أو المال الخاص يُقدَّم للمحاكمة جزاءًا وفاقًا على ما جنته يداه، أما الأهم فهو العظة الكبرى التي لا سبيل أمام الجميع، وخصوصًا الدولة العمانية، لتجاهلها، وهي ضرورة التعامل الجادّ مع قضية الإصلاح ومتطلباته، وإشراك الجميع فيه، وقبل هذا فإنه يتوقع من الدولة العمانية أن تعي وَعيًا صادقًا أن الزمن قد تغيّر، وأن هناك معطيات جديدة على أرض الواقع لا يمكن إنكارها والعودة إلى الوضع المعتاد وكأن شيئًا لم يكن، فالمطالب كبيرة وتشمل إنجاز عقد اجتماعي على هيئة دستور حقيقي متفق عليه ينظم شؤون البلاد وخصوصًا علاقة الحاكم بالمحكوم، وتحديد المال العام وتنظيم صرفه، وسبر قضايا الفساد ومحاكمة مرتكبيه، وحريّة الرأي ونشره في وسائل الإعلام العمانية، ولأن المطالب كبرى فإن استجابة الدولة ينبغي أن تكون أيضًا استجابة كبرى لتَعْبُر عُمانُ هذه الفترة الحرجة في تاريخها، لا لتعبر فقط فالعبور ليس مهمًا إن لم يوصلك إلى شيء، بل لتبني أساسًا راسخًا لمستقبل يحكمه دستور متفق عليه، ويسوده الاستقرار والوئام، وتظلله الوحدة الوطنية التي عليها جميعًا أن نعتصم بحبلها المتين.

هناك تعليق واحد:

  1. حسين الحراصي1 مارس 2011 في 12:50 م

    كلامك صحيح دكتور عبدالله اوافقك الراي في كل ما جاء في مقالك هذا, السلطنة بعد اربعة عقود من عهد النهضة المباركة اعتقد اننا وصلنا لمرحلة يمكن ان تكون كل مكونات المجتمع مشاركة في صنع مستقبلها بعيدا عن اسلوب التلقين(انا ادرى بمصلحتك) . فالولد(المواطنون) اصبح شابا قادرا على تحمل مسؤولياته وصنع قراره بنفسه بأسلوب يتفق مع ما هو عليه من معطيات حوله وفرها له الاب(الوطن).
    فشكرا لك ايها الاب لكن دعني وشأني فانا شاب مكتمل النضوج(والكمال لله) استطيع ان اسير امور حياتي فلكل زمان رجاله راجيا منك النصح والارشاد.

    ولي وطن آليت ألا أبيعه
    وألا أرى غيري له الدهر مالكا

    ردحذف