* كيف ترى حركة الترجمة في عمان في ظل عدم وجود قسم متخصص في الجامعة للترجمة؟ وكيف ترى مخرجات الكليات الخاصة كونك حاضنا للكثير من المواهب الشابة في مجال الترجمة؟
صحيح لا يوجد قسم للترجمة في الجامعة، ولكن يوجد أكثر من برنامج للترجمة على مستوى البكالريوس، وعلى مستوى الماجستير، وإن كانت تابعة لقسم اللغة الإنجليزية، ولكن حتى وإن تم إيجاد قسم سيوجد القسم من أجل البرامج، والبرامج قائمة ومتوفرة أصلا. أرى أن غياب القسم ليس بالقضية الأهم، ولكن ربما سيؤثر غياب قسم الترجمة وأقول هذا كأكاديمي في قسم اللغة الإنجليزية لكون التركيز قائما على اللغة الإنجليزية، وفي الترجمة هنالك حاجة للتركيز على اللغة العربية أيضا، وربما لو وجد قسم للترجمة لكان قد تكفل بأن يقدم البرامج بشكل آخر وأنا أقول ربما لأن هذا ما نفترضه.
أما عند الحديث عن حركة الترجمة في عمان فأنا في الحقيقة لا أرى وجود ما يمكن أن نسميه بـ حركة، ولكن يوجد اهتمام جيد بالترجمة من قبل بعض الأفراد، ومن قبل بعض من الشكل المؤسسي على مستوى جماعة الترجمة في الجامعة، وعلى مستوى أسرة الترجمة في النادي الثقافي وللأسف أن هذه الأسرة بدأت تحتضر..
لماذا تحتضر؟
تحتضر من قبل القائمين عليها، وليس من قبل النادي الثقافي ، ولا أدري ما السبب كوني لا أشرف على الأسرة.
أما على مستوى الكليات، والجامعات الخاصة فلديهم برنامج ترجمة، ولديهم أيضا مجموعة ترجمة.. مثل جامعة صحار وجامعة نزوى. وما يعزز مستوى الاهتمام بهذا النشاط هو وجود الجماعات التي تشكل حلقة ربط بين الأداء الأكاديمي في السلطنة، وبين حالة التلقي وتأثير هذه البرامج على المتلقي من خلال عملية النشر ومن خلال الندوات والحلقات النقاشية فيوجد اهتمام من قبل الطلبة، وهنا أشير إلى نقطة مهمة جدا وهي أن أفضل مشروع معاصر تم في عمان للترجمة هو "موسوعة عمان: الوثائق السرية" التي خرجت في ستة مجلدات والتي أعدها وترجمها محمد بن عبدالله الحارثي، وأنا الآن لا أتكلم عن تقييمي لها فهي ليست ترجمة أدبية تشتغل على الإبداع وإنما ترجمة حرفية لوثائق مهمة، ولكن للأسف لم يقدم هذا الكتاب باعتباره مشروع ترجمة فلم يحتف به بالشكل الجيد بالرغم من أنه من أهم المشاريع الثقافية في الترجمة وأهميته تاريخية لأنه وفر لأول مرة ترجمة للقارئ العربي والعماني خاصة لوثائق مهمة جدا تخص تاريخ عمان.
إذا أنت ترى أهمية وجود مؤسسة تحتضن مشروع الترجمة؟
بالضبط..لا يوجد لدينا في عمان مركز متخصص للترجمة تمارس فيه الترجمة بشكل منتظم ومنهجي وفق رؤية، و لابد من الاشارة إلى دور الملاحق الثقافية من مثل ملحق شرفات وملحق الجسر وملحق بيكونBeacon، ولكن بالمقابل لا يمكن أن نقول إلى الآن بأنه لدينا حركة ترجمة..
يجب أن نشير هنا أيضا إلى دور الجوائز كونها تعطى للاهتمام بالترجمة..جوائز على مستوى جامعة السلطان قابوس، وعلى مستوى النادي الثقافي والمنتدى الأدبي..
الحقيقة هنالك اهتمام ولكن لو تم مناغمته مع الرؤية الواضحة سيتحول هذا الاهتمام إلى حركة، علينا أن نشير أيضا إلى أن الوضع ليس سيئا فإنه يوجد اهتمام وهذا شيء رائع، ولكن أيضا ينبغي أن لا نخدع أنفسنا ونقول «هنالك حركة»، ولكن وضعنا مطمئن بالقياس على الكثافة السكانية في عمان، فمكمن الإجحاف أن نقارن بلدنا بدولة أخرى تعدادها السكاني يفوقنا بعدة مرات.
هنالك الكثير من الكتب الخاصة بعمان لم تترجم إلى الآن، وهنالك دراسات لو ترجمت إلى اللغة العربية لغيرت نظرتنا إلى أنفسنا كعمانيين ونظرتنا إلى الآخرين، وستعيد تشكيلنا من جديد، وهذا هو الدور الذي تقوم به الترجمة: "إعادة تشكيل الذات من خلال رؤية الذات للآخرين.. ماذا يقولون عنها"... لذا أعود وأقول ان وجود مركز للترجمة في عمان أمر مهم للغاية.
لغات في خطر
وماذا يمكنك أن تقول عن ملحق الجسر، وكيف تقيم تجربة الشباب فيه؟
أرى أن ملحق الجسر كان مهما في إعداد المترجمين الشباب لأن مزاولة النشر من شأنه أن يطور من أدواتهم وقدراتهم ويطور من إمكانياتهم
هنالك أكثر من مستوى لرؤية ملحق الجسر.. أولها: هنالك أصالة في العمل، فقد قاموا باستكمال الجهود التي قدمت في جامعة السلطان قابوس، وربما جامعات أخرى والتي توجت بإصدارات في الجامعة منها سلسلة اسمها "شذى ونوافذ" تصدر بشكل سنوي، وقد أصدروا مؤخرا أيضا كتابين عن مؤسسة الانتشار، وهذا يعد اهتماما كبيرا من قبل الطلبة، وهم على مقاعد الدراسة لذا لا ينبغي أن نحملهم أكثر مما يحتملون، ونحن نعلم أنهم يفعلون هذا خارج إطار دراستهم، وقد تشرفت أني تابعتهم في المرحلة الأولى لأنهم يقومون بعمل ضخم وجيد .. فقد نشروا الكتب كما ذكرت، واشتغلوا على ملحق الجسر ونشروا أيضا في مجلة نزوى، ونعلم أن هذه الأخيرة ما كانت لتنشر نصوص غير جيدة. ملحق الجسر جاء ليعكس هذا الاهتمام وكانت على مستوى عال في أمرين أولهما: في انتقاء النصوص الأصلية، وثانيهما: أن مستوى الترجمة كان على مستوى عال جدا ومبدع.
ربما أكثر ما لفتني وأراه مهما جدا هو ما نشره ملحق الجسر وكان يتعلق بالترجمة الداخلية بين اللغات العمانية. نعلم أن اللغة العربية هي اللغة الأساسية المتحدث بها ولكن هذا لا يلغي وجود اللغات الأخرى من مثل: السواحيلية البلوشية اللواتية ولغات الجنوب العربي المهرية الشحرية الحرسوسية وغيرها، حيث أنها تشكل منحنى أساسيا في الثقافة العمانية.
ما نشر جعلنا نرى أنفسنا في أنفسنا التي لا تتحدث اللغة العربية من جهة، وأيضا جعلنا من جهة أخرى نحافظ على هذه اللغات، وخصوصا لغات الجنوب العربي لأنها مرشحة للزوال.. اللغة البلوشية يتم التحدث بها في خارج عمان، والسواحيلية يتم التحدث بها في شرق أفريقيا بينما الشحرية والحرسوسية والمهرية هي لغات مرشحة لأن تختفي إلى الأبد لأنها لغات توجد فقط في عمان فقط، بالرغم من أن المهرية توجد أيضا في اليمن.
كيف يمكننا أن نترجم اللغات من مثل الشحرية والحرسوسية والمهرية ؟
كما نهتم بأي تراث، كما يحدث عندما نهتم بالتراث العماني التقليدي، كما يحدث أن نوثق الموسيقى العمانية غير المكتوبة..
لماذا هنالك خوف من اندثار اللهجات، ونحن مشروع قرية كونية واحدة؟
لدينا اتجاهان الاتجاه الأول: هو العولمة، وهو الذي يجعل من العالم قرية صغيرة، والاتجاه الثاني: هو حماية الذات والهوية.. علينا أن لا نقول أننا أشخاص عالميون فلا بد أن تبقى لنا أشياء ثابتة تشكل الهوية، ومن هذه الأشياء اللغة..الآن وإن كتب أحدهم بلغته يمكن لأي أحد ينتمي للغة أخرى وباستخدام نظام الترجمة المتوفر أن يعرف ما يكتب.. منذ فترة بسيطة بعثت رسالة عن مدونتي باللغة العربية لكل أصدقائي الموجودين على القائمة، ووصلت الرسالة إلى شخص أعرفه ولكن لا يتكلم العربية نسخ ما كتبته وترجمه، وهذا نظرا لتوفر آليات التواصل الآن...
علينا أن نضخم الاهتمام بلغات الجنوب العربي لأن عمرها يمتد إلى آلاف السنوات واختفاءها يعني الاختفاء إلى الأبد كما ذكرت سابقا، وسيؤدي إلى اختفاء ثقافة ضخمة، وكما كتب محمد الشحري منذ فترة في أحد مقالاته المهمة أن اختقاء هذه اللغات سيؤدي إلى الإضرار بالبيئة..اللغة تحتوي على مفردات خاصة بالأشياء كالنبات والحيوان... ستحدث أضرار ربما لا نراها الآن، والسؤال: هل نحن واعون جيدا لهذه التبعات؟ بالتأكيد لو اختفت هذه اللغات لن يختفي الكون..
ألا ترى أن الأمر طبيعي... ويحدث كما يحدث أي شيء آخر كأن تندثر بعض العادات والتقاليد مثلا؟
معلقة طرفة بن العبد من يفهمها الآن دون الرجوع إلى قاموس، ومعلقة امرؤ القيس من يفهمها الآن إلا المختص أو المهتم "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ"...تلك الثقافة واللغة اختفت وبالرغم من ذلك ما زلنا بخير، ولكن ينبغي أن نعي هذه التغيرات الاجتماعية المرتبطة باللغة، وما يحدث حولنا دون أن نسلم للأمر بسهولة، وأن نقول بأن النتائج ستكون حسنة في كل الأحوال..
ينبغي مناقشة هذا التغير في جدل تدافعي اجتماعي ضمن تفاعل الخطابات المختلفة من مثل الخطاب المحافظ، والخطاب المتغير وخطاب العولمة وخطاب الثقافات المختلفة، وهكذا...
البحث عن الذات
هنالك من يلاحظ أحيانا اهتمامك بترجمة أشياء تخص عمان كقصيدة الفرس العماني الأسود... فهل تعنيك صورتك كعماني عند الآخر.. بمعنى آخر هل هو غرور مترجم عماني؟
الترجمة الخاصة بالحصان العربي العماني الأسود التي انتقد فيها الشاعر "فرانسيس هيستنجز دويل" الشعب البريطاني لبيعه هذا الحصان الذي أهداه السيد سعيد بن سلطان لملك بريطانيا وليم الرابع في قصيدة هجاء بعد أن تم بيع الحصان بعد وفاة الملك بوقت قصير، وكانت هنالك قصيدة ثناء ومدح أخرى للسيد سعيد بن سلطان من قبل شاعر أمريكي، وهذه أتت في سياق بحثي الشخصي عن كل ما يخص مرحلة السيد سعيد بن سلطان، والأبعاد الثقافية لتلك الفترة حيث كنت أترجم أدب الرحلات في تلك الفترة، واهتممت أيضا بالدراسات التي تخص الترجمة في تلك الفترة، وهي فترة التفاعل بين عمان والحضارات الأخرى كالدول الأوروبية، والولايات المتحدة.. هذه القصائد تأتي في سياق الاهتمام بمرحلة مهمة.. فهل هذا غرور عماني؟ اعتقد أنه فضول عماني أكثر منه غرورا فعندما أجد قصيدة كتبت عام 1850، وأخرى كتبت عام 1837 عن عمان باللغة الإنجليزية في دورية أمريكية لولا الثورة الرقمية لما وصلت إليّ ..فهذا فضول، وأرى أن من المهم ترجمة هذه النصوص للقارئ العماني ليستكشف بعض جوانب تاريخه.. قصيدة الحصان العربي الأسود مهمة جدا وتكشف كيف دخل العنصر العماني في التفاعل السياسي داخل بريطانيا..اعتقد أننا لم نكن نعرف قبل ترجمة هذه القصيدة أن هدايا سعيد بن سلطان أدت إلى نقاشات حادة وإلى قصائد هجاء
ولكن أنا اتفق تماما "وقد كانت لدي فكرة كتابة مقال عن هذا الموضوع" من الخطر أن نأخذ هذا المنحى الثقافي في ترجماتنا بمعنى أننا نبحث عن كل ما هو عماني وفقط وعما يكتب عنا..
علينا أن لا نسطح هذه الأمور ونتعامل معها بصبيانية..كأن تكون هنالك قصيدة من ألف بيت لشاعر أجنبي يقول في أحدها الشاعر أنه مرّ على مسقط، ورأى أنوارها وهو متجه إلى الخليج العربي وأترجمها وأحتفي بها كمنجز من منجزات عمان..هذا بالطبع تسطيح كبير.. لأننا لسنا بتلك الضعة والهوان حتى نبحث عن أنفسنا عند الآخر، ولا ينبغي أن نتورط هذه الورطة، ولكن إن كانت القصيدة بأكملها عن عمان فلا بد أنها تحرك فينا فضولنا الشخصي، وعلينا أن نقيم عدلا في هذه المسألة.. فأنا لم أترجم فقط ماله علاقة بسلطنة عمان، بل ترجمت أشياء أخرى أيضا فعندما أجد قصة رائعة أو مقالا جيدا فأنا أشتغل على الترجمة.
ماذا عن ترجمة كل ما هو مثير، أو السرعة في ترجمة أي رواية تحدث ضجة في بلدها.. هل يمكن أن نسمي ذلك بالترجمة التجارية لكونها تفتقر للأصالة؟
من مزالق الترجمة المعاصرة، وهي تعبير آخر عن غياب الأصالة لدينا أن نترجم كل ما هو مثير ومفرقع.. بعض الروايات والكتب ظهرت لدينا قبل أن تترجم من قبل اللغات العالمية.. من مثل كتاب "عشت لأروي" لماركيز فقد ظهر بالعربية قبل أن يظهر بالإنجليزية، ولكي لا نظلم المترجم العربي سأقول الناشر العربي يعمد إلى عشرين مترجما على سبيل المثال، ويعطي كل واحد منهم خمس صفحات، وفي نهاية اليوم تكون الرواية قد ترجمت بالكامل وهذا حقيقة،إذ يتكسب الناشر أحيانا من وراء اسم الكاتب الكبير والمقروء وهذه هي الترجمة يمكن أن نسميها بالترجمة التجارية..
ألا تعتقد أن نترجم قبل اللغة الإنجليزية يعتبر شيئا إيجابيا، ونقطة تحسب لنا.. أو علينا دائما أن نأخذ مما يترجم للإنجليزية وفقط؟
ما قصدته الترجمة التي تكون لما قد أثار ضجة، أو فضيحة، أو لاسم كاتب معروف دون النظر إلى جودة العمل، ولنكن موضوعيين هذه الترجمة لا يعتد بها، وليس لها أثر ثقافي حقيقي.. وهي غير مخيفة بالنسبة لنا لأنها تظهر ثم ما تلبث أن تختفي وهي مظهر آخر من مظاهر غياب الأصالة..
كيف تختار ما تترجم؟ ولم تترجم شيئا دون غيره؟
أنا مشترك في العديد من المجلات والصحف الثقافية الأدبية الغربية، ومجلات استعراض الكتب التي تستعرض فيها الكتب، والقضايا الثقافية، والنصوص الأدبية..
لديك وقت كاف لتقرأ رغم مشاغلك الكثيرة بين عملك الأكاديمي والموسوعة والترجمة؟
لدي وقت لأقرأ، أو على الأقل أحرص على أن أتابع الكتب والمجلات التي تصلني، وأجد أحيانا نصوصا تنشر للمرة الأولى فأترجمها، ولكي لا تصفيني بالتسرع في النشر فأنا آخذ وقتي في الترجمة، وفي اتخاذ قرار نشرها لأنها في الأغلب نصوص قصيرة. ربما الواحد منا يجد نفسه في بعض الكتابات ويجد فيها العمق كالمقال الذي نشر لـ مارك توين عن فضيلة القبر ..أجد أن به رؤية ضخمة جدا، والبعض قال أن هذا المقال دخول على خط الندوة التي أقيمت عن حرية الكلمة وحدود المساءلة، والحقيقة أن الأمر لم يتعد المصادفة والتزامن لا أكثر.. ففي الندوة: هنالك من كان يقول يجب أن ننشر كل شيء، وهنالك من قال: لا يجب أولا أن نهندس المجتمع، ونتحكم بالنشر.. بينما المقال أتى برؤية أخرى تماما وقال لا توجد أصلا حرية كلمة لأن الحرية توجد في القبر فقط.
إذا تغريك الأبعاد الثقافية العميقة لما تترجم؟
لا بد أن تكون هنالك أبعاد وتأثير اجتماعي وثقافي لما نترجم ولا بد من وجود رسالة مثل أي كاتب أصيل وحقيقي له رسالة.. فأنا لا أبحث عن أي نص في الانترنت وأترجم.. وإنما أبحث عما يحمل فكرة ورؤية وعمقا أيضا..
إلى أي حد أنت موجود في نصك المترجم، وقد ذكرت في أحد حواراتك "تتعدد رؤى المترجمين للوجود والحياة" بمعنى أن الترجمة ليست واحدة؟
الرؤية التقليدية والسائدة للمترجم أن ليس له دور سوى في تغيير الكلمات من لغة لأخرى، وأنا اعتقد أن هذا خطأ ضخم ومن مسؤوليتي كمترجم أن أقول هنالك قدر كبير من التضليل الاجتماعي أن يقال أن المترجم ليس له دخل... فلماذا نشرت الآن أيها المترجم وليس في وقت آخر .. لماذا تدخلت الآن، وترجمت هذا دون ذاك..المترجم يقوم بفعل ثقافي أصيل من خلال ترجمته.. فإن يترجم عبدالله الحراصي غير أن تترجم هدى الجهوري مثلا وكلاهما فعل أصيل، وهنا لا أريد التورط بمقارنات أيهما أفضل في المستوى بالرغم من أننا بكل تأكيد نرفض الترجمات الساقطة والضعيفة..
لا قدسية للنص الأصلي
عدا تصرفك في اللغة .. رؤيتك وموقفك من الأشياء هل تحضر وأنت تترجم ؟
طبعا، وهذا مطلوب لأداء رسالة المترجم التي يريد.. دائما ما يقال: المترجم خائن بالضرورة، وهنا كلمة الخيانة أخذناها من الحياة الأخلاقية، وليس من حياة الكتابة.. من مثل: خيانة الزوجة لزوجها أو خيانته لها وخيانة الوطن.. فقد أخذت ضمن سياقات بعيدة عن الكتابة. إذا أخذ المجتمع هذا المعنى، وافترض أن المترجم هو شخص ثانوي على اعتبار أن الشخص الأصلي هو الكاتب الأصلي للنص، وهنالك من يخونه وهو المترجم، وأن القدسية هي للنص الأصلي وحسب..
أنا كمترجم الآن أعيش في زمن مختلف، وفي سياق اجتماعي وثقافي مختلف، وأنا لست ذلك الكاتب الأصلي للنص، وإنما أمارس أخذ النص، وإعادة بث حياة جديدة فيه، وفي نظريات الترجمة المعاصرة الترجمة ليست فعل نقل أو استعارة النقل فقد تم التخلي عن هذه النظرة.. فالنظرة إليها الآن على اعتبارها إعادة كتابة..
سكوبوس
تبدو المسألة أشبه بالناقد الذي يكتب نصا موازيا جرّاء دراسته لمادة أدبية ما؟
بالضبط .. هنالك نظرية تسمى نظرية "سكوبوس" وهي كلمة يونانية تعني الغرض أو الهدف تقول أن الترجمة هي: إنشاء نص جديد بناء على نص سابق وليست نقلا، وليست استعارة... هنالك نظريات عديدة ورؤى مختلفة للترجمة لذا ينبغي أن لا نتورط أبدا بمفهوم الخيانة المشحون بالبعد الأخلاقي.
أنا بصراحة أترجم بحرية، وإذا شعرت لهدف ما أنه ينبغي أن أغير فأنا أغير .. إذ لا توجد قدسية للنص الأصلي..
ولكن اسم الكاتب الأصلي يبقى موجودا عليه؟
صحيح أن النص الأصلي يبقى لكاتبه، ولكن الترجمة باسم المترجم فلان الفلاني..ومادمتُ قد وضعتُ اسمي أنا أيضا كمترجم على المادة فهذه ليست خيانة أبدا.. فأنا شخص جديد، وأقوم بفعل جديد، وأنتج نصا جديدا..
لأنك تنتمي إلى ثقافة أخرى، وعوالم أخرى، ورؤية أخرى تنتج نصا آخر.. ربما لا يشبه في بعض الأحيان النص الأصلي؟ ألا تبدو هذه الفكرة أكثر إخافة من فكرة خيانة النص التي كنت قبل القليل في موضع الدفاع عنها؟
أنا أنتج نصا مختلفا لأن الهدف مختلف والرؤى مختلفة، ولكنه يبقى نصا مرتبطا بالنص الأصلي، ولا أنقله أبدا كما هو.. أما بالنسبة للأفكار فهنالك دائما أفكار مخيفة ولكنها جميلة للغاية..
ماذا عن الترجمة من العربية إلى الإنجليزية .. هل ترجمت لغير الشاعر سيف الرحبي؟
هذه الترجمات قمت بها في بريطانيا قبل عشر سنوات تقريبا، ولم تكن ضمن أي مشروع أو رؤية ضخمة، وإنما كنتُ أجرب أن أترجم من العربية إلى الإنجليزية، وكنت وقتها أعرف الناشر صموئيل شمعون وهو الذي طلب مني أن أترجم من الأدب العماني أذكر أني ترجمت قصة قصيرة بعنوان "النقطة" للقاص محمد البلوشي، وبعض قصائد سيف الرحبي، وقصة "يوم صمت في مطرح" للقاص يونس الأخزمي، وقد ترجمت هذه الأعمال للعددين الثاني والثالث من مجلة بانيبال.
هنالك من يكتب لنوبل
المترجم العربي يترجم الكتب التي يراها مهمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، لماذا ينبغي علينا أيضا أن نترجم للآخر ما نراه مهما لدينا.. لماذا لا يترجم بنفسه ما يريد؟
الثقافة العربية الأدبية هي في الموقع الأضعف، لذا نحن مضطرون، وكما قلت أنا لا اعتبر نفسي مترجما للإنجليزية، وما ذكرته لم يتجاوز التجريب.
تحدث الآن وفي بعض الدول الغربية بعض المشاريع الترجمية من العربية إلى اللغة الإيطالية وإلى اللغة الإنجليزية، وعلمت أيضا بمشروع لترجمة أعمال نجيب محفوظ إلى السويدية، وفي الحقيقة هم يقومون بأعمال مهمة للغاية، هذا جانب يجب أن نذكره، ونثني عليه.. فهم ينطلقون من محدودية في رؤاهم وفي اختياراتهم وانتهاء بطريقة ترجمتهم، وبالرغم من محاسن هذا العمل أو مثالبه إلا أنه وضع إيجابي لأنه عمل أصيل.
ولكن بالمقابل بعض المؤسسات في الغرب تذهب إلى الإعلام العربي وتنتقي أسوأ ما قد يكتب فيه أو ينشر من الأخبار أو الكتب لخلق صورة معينة تقع ضمن أهدافها،وهذا بالتأكيد عمل غير أصيل.
ولكن أسوأ ما قد أراه هو التسابق إلى نوبل وهذا أمر تندمج فيه الترجمة، والكتابة لدى الكاتب العربي ..يضع الكاتب العربي الآن نوبل أمام عينيه، ويداعب مشاعر الغرب، ورؤاهم حول الشرق وحول الثقافة العربية، ينتقي بعض القضايا الثقافية لتكون محور نتاجه على مستوى الموضوع، وعلى مستوى اللغة يختار اللغة المبسطة، السهلة من أجل أن يأتي المترجم إليه، ولا يجد صعوبة وعينه على نوبل، وهنالك الكثير من كتاب يذهبون إلى مواضيع مكررة، ومستهلكة في القصة والرواية، وحتى في عمان هنالك من يكتب لنوبل، وبالتأكيد لن أذكر الأسماء، ولكن هذه القضية مهمة وخطيرة وينبغي أن لا نضع ظاهرة ضخمة مثل ظاهرة الترجمة من العربية إلى الإنجليزية في إطار ضيق وموحد فهنالك أكثر من وجه لها... وجه ملتزم ثقافيا وإن اختلفنا أو اتفقنا معه، ووجه سياسي ينتقي أسوأ الأشياء، والوجه القادم منا نحن في الكتابة أو الترجمة.
لكوننا في الموقع الأضعف أدبيا، ولكي لا يشوهنا الآخر .. ينبغي أن نترجم لهم؟
اللغة مصيبة.. "آخر" .. أي "آخر" نقصد.. هذه الكلمة توحد بدلا من أن تعطي دلالة محددة... عندما نقول غرب هنالك أكثر من غرب، وعندما نقول شرق هنالك أكثر من شرق.. وعندما نقول عرب هنالك أكثر من عرب.. الثقافة العمانية هنالك أكثر من ثقافة عمانية..علينا أن لا نتورط... وأنا أقول في هذا السياق "الآخر" كما قلت قد يكون ملتزم في مشروع ترجمته، وقد يكون غير ملتزم ولديه أهداف وتوجهات أخرى، وهنالك محاولات أصيلة ولكن قد تصيب أو تخطىء..
لماذا يتوسع مشروع الحراصي بالعرض في مجالات متعددة بدلا من أن يتوسع بشكل رأسي في مجال محدد؟
"مشروع"، "يتوسع"، "بالعرض"، "بشكل رأسي": من أين تأتون بكل هذه الكلمات وما معانيها؟ الحقيقة أنني أخشى على النقد من استخدام الاستعارات القادمة من مجالات التجارة والأعمال: مشروع، إنتاج، استنزاف، بل حتى كلمة "القيمة" ... كل هذه الاستعارات ضررها أكبر من نفعها. تستخدم هذه الكلمات في سعي لفهم السلوك البشري في ما يتعلق بالكتابة، ولكن سحرها انقلب على السَحرة، و"تفلّت" (انطلق) الجنّ المسجونون فيها ليصبحوا سجّانين للكتابة. النقد برغم جماله وفعاليته الخاصة أحياناً يصبح مضرّاً حينما يضعه الكاتب نصب عينيه قبل التفكير، وقبل التخيّل، وقبل الكتابة. النقد يصبح ضارّا، وظالماً، حينما يتم قبوله وقبول مفاهيمه واصطلاحاته هكذا دون مساءلة من قبل الكتّاب، وحينما يُسَلِّم به الكاتب ويأخذه خارطة يتبعها في مجاهيل كتابته.
انها نفس القصة التي نجدها في السياسة والصراعات الاجتماعية: الهيمنة. هنا النقّاد يسعون للهيمنة على الكتّاب (ولا آخذ التقسيم بين الكتّاب والنقّاد ليكون تقسيماً حاسماً وقاطعاً وحدّياً) من خلال افتراض معرفتهم، أي النقّاد، بصراط الكتابة المستقيم (بل حتى بصراط الحياة المستقيم) الذي ينبغي إخضاع الكتّاب له. و"الكتاب المساكين" يتبعون استراتيجية الهيمنة هذه دون مساءلة. أشعر بالحسرة وبالشفقة على هؤلاء الكتّاب.
أنا لا أشعر بأن لديّ مشروعاً بأي فهم أعرفه لكلمة "مشروع". فقط أفعل ما أجد نفسي فيه، دون الاهتمام بأن أقلّم حياتي واهتماماتي لتناسب "مشروعاً" ما، متخيلاً في رأس إحداهن أو أحدهم. مشروعي الوحيد هو حياتي، وأريد أن أعيشها، مثلي مثل أي انسان، كما هي أو، بقدر ما يتيسر، كما أريدها أن تكون، بصدقٍ وبعدلٍ. لم أشعر أني "أتوسع" بأي أتجاه عرضياً، كان أم طولياً، أو بأي مقدار، ضحلاً أو عميقاً.
أما إن كان المعنى المقصود هو الكتابة أو "الانتاج" الفكري والأدبي، فليس بها وحدها يعيش الانسان. أعني بأني لا أضع هذا نصب عيني في مسيرة عيشي لحياتي. قلت أن مشروعي هو حياتي، فإن شعرت للحظة أن حياتي ستجد لها تجلياً جديداً في ترجمة أو في مقال أو شيء آخر فاني أفعله دون أن أشعر أنه منفصل عني، أي دون أشعر بأني أمارس "طقس الكتابة". كتابتي هي أنا الكاتب/المكتوب.
قلت في حوارك مع موقع الحارة: " حلمي أن اكتب تاريخا لحركة الفكر في عمان"؟
رغبتي أن اكتب تاريخ الفكر في عمان، من خلال تتبع مجموعة من الأفكار المنفردة في سياقاتها التاريخية التي تتحدث عن أنماط الفكر في التاريخ العماني..
الفكر ليس فقط في سياقه المثالي المجرد لأن الفكر يتموضع أيضا في بعض المكتشفات الأثرية، وأنماط الدفن في المواقع الأثرية.. الفترات التي مرت بها عمان فترة قبل الإسلام، وبعد الإسلام، وتطور عمان خصوصا في المجال الفقهي، وفكرة تطور الفكر السياسي العماني، وانفعال وتفاعل المفكر العماني مع الأوضاع السياسية من مثل قضية الإمام الصلت بن مالك.. فهنالك تراث ضخم وكتب ضخمة تتحدث عن هذه الفترة، وإن وجدت قضية فكرية ضخمة حقيقية فهي قضية الانقسام بين الرستاقية والنزوانية فلا أحد يستطيع تخيل حجم المناظرات والمحاورات التي تمت حول هذا الانقسام.
ولو تم هذا الحلم ولا أقول المشروع .. بالتأكيد سأرجع إلى الكتب العربية وغير العربية لأتتبع ما كتب عن عمان، وما ذكرته عن فترة السيد سعيد بن سلطان جاء ضمن هذا التتبع أيضا، وقد سبق أن تتبعت في دراسة أخرى ما كتب عن عمان في الصحف الأمريكية في القرن التاسع عشر، واعتقد أن هذا أمر مهم جدا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق