السبت، 6 أغسطس 2011

تعليق على مسودة مقالي (بعيدًا عن "التهجّيلة الفكرية": حول التزام المفكّر وفتح أبواب الاحتمالات)

وصلني من الصديق العزيز حمد الغيثي التعليق الآتي على مسودة مقالي الذي يحمل عنوان

بعيدًا عن "التهجّيلة الفكرية": حول التزام المفكّر وفتح أبواب الاحتمالات (مسودة لمقال لم يكتمل)


حمد الغيثي (مصدر الصورة: موقع صحيفة السلطنة الأدبية)

تعقيبات بسيطة يا أبا هشام،
 1. يصور المقال سلطة واحد مهيمنة. يمكن اعتبار المقال مناسباً لتصوير مجتمعاً تقليدياً مثل المجتمع العماني حيث تتماهى السلطة الاجتماعية مع السياسية مع الاقتصادية لتخلق أوتوقراطية طبقية متسلطة. حدود وملامح هذه السلطة يمكن استشفافه، ويمكن كذلك التنبوء بنطاقات الأفعال التي يمكن أن تصدر منها. لكن، بالمقابل، فإن عالم اليوم هو عالم تتعدد وتتداخل فيه السلطات نتيجة لآليات العولمة التي تلغي الحواجز تباعاً، فتقع السلطات المحلية تحت تأثير سلطات بعيدة متضاربة المصالح والأهداف. لا أعتقد أن المقال يشمل الأوضاع الجديدة، بل يشمل برأيي الوضع التقليدي للسلطة
 2. الاستقطابية الثنائية بين السلطة المطلقة والمفكر الفذ، ثماثل ثنائية الخير والشر، أو الشرق والغرب. أيضًا أينما اتجهت هناك السلطة. إذ لا يوجد في فضاء المقال إلا المثقف الفذ والسلطة المتغولة في كل شيء عدا هذا المثقف. أينما شرقت أو غربت فهناك السلطة، وهناك جبروتها الطاغي بشكل مباشر أو غالباً بشكل غير مباشر. هذه الثنائية تختزل الواقع، ففي الشرق مشارق وكذلك في الغرب. السلطة (السياسية) التي ألمح لها المقال تواجه اليوم تحديات جدية من مناطق نفوذ جديدة مثل الإنترنت، المنظمات الدولية، طبيعة الاقتصاد والتفتت التدريجي للمجتمع الأبوي . أين يقف المفكر في مثل هذا الوضع؟ وهل يبقى أسير ثنائية السلطة والمثقف؟ وما العمل؟
3. وضعتَ شرطاً واحد فقط لالتزام المفكر وابتعاده عن التهجيلة، وهو التزامه في مواجهة السلطة القائمة، وصلابته في استكناه أماكن الخطأ، وفتح آفاق أخرى لا يراها الإنسان العادي. إذن فالتزام هذا المفكر وعدم تهجيلته مرهون بموقفه من السلطة القائمة. هذا معيار ربما يصف مفكراً ملتزماً في عمان، لكن لا أعتقد أنه كاف مثلاً لوصف مفكر ملتزماً في بلدان مثل العراق، لبنان، مصر، أو الدول الغربية، لأن للسلطة هناك أشكالاً أخرى أكثر تنوعاً وسطوة من دولة مثل عمان.

الأمر الآخر، أعتقد أن جزءً من مشكلة ما تعانيه الثقافة العربية هو وجود كم كبير من الأغبياء، والمدعين، والجاهلين الذين يتصدون للمسائل العامة، والأمور الثقافية، والفكرية (أشرتَ لهم في "التهجيلة الثقافية" و"التهجيلة الفكرية"). يمكن إجمال هؤلاء في المصطلح النبوي "الرويبضة". هؤلاء -بغض النظر عن موقفهم مع أو ضد السلطة القائمة- يجترون ما سبق ذكره في ثقافتنا العربية أو يستوردون من الثقافات الأخرى بشكل مشوه مفاهيماً أو نظريات مختلفة. يعدون على الأصابع أؤلئك الذين يمكن الخروج منهم بجملة مفيدة أو فكرة جديدة. ربما يكون جزء من هؤلاء مفكرين مدلسين -كما ذكرت في مقالك-، لكني أعتقد أن وجود معظم هؤلاء هو انعكاس للجهل العام في المجتمعات العربية.

ما يزيد الوضع سوءً في عمان مثلاً أن الأغلبية الساحقة من المدافعين عن السلطة القائمة هم من جملة "الواقعين في الوهم". وللوهم هنا مستويات متعددة، بعضه الخوف والتوجس الأمني، وبعضه اختلال في البنية النفسية حيث يحس هؤلاء أنهم غير راشدين ويحتاجون لراشد يدبر أمورهم، وجزء من جهل مدقع في الأمور العامة وثقة ساذجة في سلطة قائمة 
4. هل التهجيلة الفكرية هي نتيجة لتدليس المفكر، أو نتيجة لغياب صلابته وقدرته على رؤية منظومة السلطة وجوهرها؟ هل هو من التهجل وتزجية الوقت أم أن المتهجل الفكري منضوي تحت جبروت السلطة مشمول بسحرها؟ لم أستطع التفريق بين الأمرين من دلالة اللفظ وسياق الكلام.

تحيتي الحارة لك يا أبا هشام.

المخلص حمد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق