كيف شقّ آينشتاين صفّ يهود أمريكا
وصلني قبل أيام عدد ديسمبر 2009 من مجلة أتلانتك the Atlantic الأمريكية، ومن بين أهم مقالاته مقال بعنوان How Einstein Divided America’s Jews "كيف قسّم آينشتاين يهود أمريكا" كتبه ولتر آيزاكسون Walter Isaacson (الذي كان قد كتب سيرة حياة آينشتاين ونشرها تحت عنوان "آينشتاين: حياته وكونه" Einstein: His Life and Universe. يكشف مقال آيزاكسون الجديد عن معلومات حديثة وغاية في الدلالة عن الدور الذي قام به آينشتاين في إنشاء الدولة اليهودية ومؤسساتها العلمية.
يتمحور مقال آيزاكسون حول رحلة آينشتاين الشهيرة إلى أمريكا في عام 1921 حيث حظي باستقبال النجوم بعد أن ذاعت شهرة نظريته النسبية في الآفاق، غير أن بعض رسائل آينشتاين التي تم الكشف عنها ونشرتها مطبعة جامعة برنستون هذا العام 2009 تظهر بأن آينشتاين وجد نفسه وسط صراع بين الصهاينة الأوروبيين الذين كان يقودهم حاييم وايزمان الذي كان يرافق آينشتاين في رحلته ويهود أمريكا الذين كانوا يبدون بعض الحذر والشكوك حول المشروع الصهيوني، ويمثلهم لويس د برانديس Louis D. Brandeis وفلكس فرانكفورتر Felix Frankfurter.
يشير مقال آيزاكسون أن آينشتاين تربى تربية علمانية ونأى بنفسه عن المعتقد الديني اليهودي وطقوسه، غير أنه برغم ذلك كان يفتخر بأنه ينتمي إلى التراث الثقافي اليهودي، وهي آصرة تجمعه مع بني قومه من اليهود كان يشدد عليها ويتباهى بها آينشتاين. ولعل هذه الآصرة هي التي دفعت آينشتاين لزيارة أمريكا لجمع الأموال لتشييد جامعة في القدس. وكان تصاعد العداء لليهود هو الذي دفع آينشتاين لتعزيز انتماءه لتلك الآصرة، فقد رفض الدعوات لذوبان اليهود في المجتمع الألماني وتحولهم إلى الديانة المسيحية، بل واتجه في الخط المعاكس الذي يؤكد على الهوية اليهودية وضرورة المحافظة عليها من خلال تبني المشروع الصهيوني الرامي إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
ويكشف آيزاكسون عن زيارة قام بها إلى بيت آينشتاين أحد قادة الصهاينة وهو كورت بلومنفيلد Kurt Blumenfeld عام 1919 لدعوته للمشروع الصهيوني، وكان رد آينشتاين "باعتباري إنساناً فأنا ضد الوطنية غير أني كيهودي أعد نفسي من اليوم نصيراً للجهد الصهيوني"، وركز منذ ذلك الحين جهده على إنشاء جامعة يهودية في القدس (هي الجامعة التي أصبحت فيما بعد "الجامعة العبرية")، وهو الجهد الذي دفعه إلى زيارة الولايات المتحدة الأمريكية التي كان يسميها مازحاً بـ "دولاريا"، بطلب مباشر من رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان عبر بلومنفيلد الذي نبهه بأن هذه قبوله القيام بهذه الزيارة سيدل على أنه يأخذ اعتناقه الصهيونية مأخذ الجدّ.
ويقول آيزاكسون بأن قرار آينشتاين القيام بهذه الزيارة يعبر عن تحول جذري في حياته، فقد كان حتى ذلك الحين مكرّساً حياته للعلم، غير أنه كان مضطراً ليشدد على هويته اليهودية بسبب تنامي العداء لليهود في ألمانيا، حيث قال في رسالة بعثها إلى ناشر كتبه باللغة الفرنسية "لست متحمساً للذهاب إلى أمريكا ولكني أقوم بهذه الزيارة نيابة عن الصهاينة ليس إلا"، وأضاف "إنني أبذل قصارى جهدي لمصلحة إخواني في القبيلة [يعني اليهود] الذين يتعرضون لأفظع معاملة في كل مكان".
حين وصلت السفينة التي تقل آينشتاين إلى أمريكا كان في انتظاره الآلاف المؤلفة من المعجبين به من اليهود وغيرهم، غير أن مجموعة من الناس كانوا غائبين بشكل واضح وفاضح عن هذا الاستقبال، وهم قادة المنظمة الصهيونية في أمريكا، بل أن رئيسها الفخري القاضي لويس د. بانديس لم يبعث حتى مبعوثاً لينقل ترحيبه بوصول آينشتاين، والسبب هو خلاف وقع بين بانديس ووايزمان بسبب رؤيتهم للوضع في فلسطين والصراع على قيادة المنظمة الصهيونية، وتطور إلى خلاف شخصي قوي يمثله وصف بانديس لوايزمان بأنه "لا يعرف ما هي الأمانة" وهو تشكيك في الذمة المالية لوايزمان ومؤيديه من يهود أوروبا الذين يرى بانديس بأنهم ليسوا أهلاً لكي يتسلموا أموال المتبرعين للقضية الصهيونية.
كما أن سعي آينشتاين للحصول على أموال طائلة جزاء أي محاضرة يلقيها في الجامعات الأمريكية زاد من حدة التأزم، فبانديس وجماعته كانوا يرون بأن من اللائق أن يقوم آينشتاين بإلقاء محاضرات عن الفيزياء وبالمجان، لا ليكرس همه بجمع المال من أجل المشروع الصهيوني في فلسطين، وأتهموه بأنه "يتاجر بعلمه".
كما كانت هناك جماعة يهودية أخرى عارضت المهمة التي أتت بآينشتاين إلى أمريكا، وهي جماعة اليهود الإصلاحيين في نيويورك وهم من أصول ألمانية، ويعارضون الصهيونية برمتها، حيث قال أحد ممثليهم "شخصياً لدي أعظم الشكوك فيما يتعلق بالخطط الصهيونية وأتوقع عواقبها بدهشة أصيلة صادقة". كما كان هناك عديد من اليهود البارزين الذين عارضوا تلك المهمة من بينهم أول وزير يهودي أوسكار شتراوس Oscar Straus وعضو الكونجرس السابق جيفرسون ليفي Jefferson Levy وغيرهم.
وعلى عكس هؤلاء فقد كان أبرز من رحب بآينشتاين ووايزمان اليهود الذين كانوا يعارضون فكرة الاندماج في المجتمعات الأخرى. غير أن الوسطاء حاولوا ترتيب لقاء بين بانديس ووايزمان لكن هذا اللقاء لم يحدث بسبب التعارض بين آراء الطرفين في مسائل عديدة، غير أن آينشتاين قام بزيارة بانديس وأجب كل منهما بالآخر، غير أن هذه الزيارة لم تسفر عن أي تحسن بين الفريقين المختلفين من الصهاينة.
عقب هذا قام آينشتاين بزيارة جامعة برنستون التي وقع في غرامها ووصفها بأنها جامعة فتية وفي تشبيه جميل وصفها بأنها "غليون لم يدخنه أحد"، وهذا كما يقول آيزاكسون، مديح من رجل مولع بتدخين الغليون. أما جامعة هارفارد فلم تأسر لبّه كثيراً، كما أن الجامعة نفسها لم تقدم له أي دعوة ليلقي محاضرة فيها. ومن آخر محطات رحلته الأمريكية كانت مدينة كليفلاند حيث استقبله ووايزمان الألوف من اليهود المؤيدين لوايزمان الذين أدى ضغطهم لاحقاً إلى استقالة بانديس من الرئاسة الفخرية للمنظمة اليهودية واستقالة رئيسها المؤيد لبانديس وهو جوليان ماك Julian Mack.
عاد آينشتاين إلى أوروبا بقناعة تؤيد المشروع الصهيوني حيث ذكر في إحدى رسائله أن "الصهيونية تقدم في الواقع مثالاً يهودياً جديداً يمكن أن يمنح الشعب اليهودي فرحاً بوجوده مرة أخرى"، ولاحظ أن تصاعد العداء لليهود هو الذي تسبب في ظهور الصهيونية، فاليهود في الماضي "كانوا يعتبرون أنفسهم أعضاء في مجموعة دينية" بعكس ما حدث بعد تنامي معاداة اليهود التي أدت إلى رفضهم الاندماج في المجتمع الألماني، وقبولهم للمشروع الصهيوني لإنقاذ هويتهم كما يعتقد آينشتاين.
ان تصليطكم الضوء على دور العالم إنشتاين في الحركة الصهوينة فهو أمر في ذات الأهمية لأن الحقيقة اليهودية بأنهم مساهمين بصورة مباشرة أو غير مباشرة في خلق دولة الصهاينة في ارض بلسطين حتى أن جان بول ساتر لم وبما عرف عنه بأنه مع حركات التحرر لم يدين ولو ببنس شفاه الإعتداءات المتكررة من الصهاينة في فلسطين وكان الحال يشى عن رضى في إغتصاب فلسطين تحت شعار ما يسما بأرض الميعاد فجل المثقفين اليهود كان لهم دور مؤثر في تنامي الحركة الصهيونية عبر التاريخ ، ومن أمثلة ذلك دور العلماء الفرنسين (اليهود) في بناء المفاعل النووي لإسرائيل لا يخفى علاى
ردحذف