الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

هوامش من .."التأثيرات الاجتماعية للتكنولوجيا.. بعض آثار الإنترنت على المجتمع العُماني"



هوامش من .."التأثيرات الاجتماعية للتكنولوجيا.. بعض آثار الإنترنت على المجتمع العُماني"

)
محاضرة لعبدالله الحراصي بالنادي الثقافي)

(نشر هذا التحقيق في ملحق "أشرعة" الثقافي بجريدة الوطن يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2009)

سماء عيسى: المجتمع العربي متخلف في علاقاته الاجتماعية ويستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا

عبدالله حبيب: إثارة موضوع التكنولوجيا الإنترنتيَّة في عصر ما بعد الحداثة أهم من مناقشة معلقات الشعر الجاهلي

آسية البوعلي: علينا أن نستخدم التكنولوجيا بطريقة تخدم أهدافنا الرئيسية

محمد الحجري: الإنترنت أحدثت نقلة حقيقية في وسائل التعبير عن الرأي

حسين العبري: النت حولت المجتمعات إلى اسماء مستعارة وأرقام وشفرات



كتبت ـ هاجر محمد بوغانمي:

تقول النظرية الماركسية ان المجتمع محكوم بمسلمة مفادها، أن التطور من البدائية إلى الحضارية مرهون بمدى السيطرة على الطبيعة، ومن ثم نمو قوى الإنتاج، وتطور الوسائل التكنولوجية، وانفصال الإنسان تدريجيا عن بيئته وطبيعته التي اعتاد عليها، ويترسخ ذلك من خلال إيجاده لما يعبر عنه بـ"الوسائط" التي بدأت في شكل أدوات بسيطة ثم تطورت إلى آلات، وصولا إلى الوسائل التكنولوجية الحديثة..

لن أتحدث هنا عن نظرية "الاغتراب" (حسب المفهوم الماركسي)، وليس المجال هنا مجال تقييم للثورة التكنولوجية التي عرفها الإنسان الحديث، بقدر ما هي محاولة لتسليط الضوء على التأثيرات الاجتماعية الناجمة عن ثورة المعلومات والاتصالات وانتشار الإنترنت في المجتمع العُماني باعتباره جزءا من كل (عربي) وعام (دولي)..

بعض هذه التأثيرات تتعلق بنشوء مجتمعات افتراضية مثل المنتديات العمانية الشهيرة (سبلة العرب، سبلة عمان، الحارة العمانية، فرق)، واتساع دائرة الحوار وحرية التعبير، وظهور مفاهيم إنسانية جديدة على المجتمع وظهور ثقافة الزاوج عبر الإنترنت.. وهي محاور عالجها الدكتور عبدالله الحراصي في محاضرة بالنادي الثقافي الأسبوع الفائت، وسط حضور ملفت لمجموعة من الكتاب والباحثين والمهتمين.. أقول ملفتا، نظرا لتواجد أدباء في أمسية تتجه نحو تخصص علم الاجتماع وعلم النفس والأنثربلوجيا وغيرها.. لأن لغة الحوار في مثل هذه المواضيع تختلف عن لغة الأدب، ولذلك توجهنا بسؤالنا التالي: فيما تكمن أهمية المحاضرة؟ نحو بعض الأسماء البارزة على الساحة الثقافية، فكان التالي:

الثقافة والتكنولوجيا

الكاتب عبدالله حبيب ربط أهمية المحاضرة بمفهوم الثقافة حيث قال "من الجوانب التي تجعل هذه الأمسية مهمة هي أن فيها توسيعا لمفهوم الثقافة لأنه للأسف في اللاوعي العربي ترتبط كلمة الثقافة بالأدب وهذا فيه إخلال كبير بالثقافة لأن الثقافة كما نعلم جميعا ـ سواء في السوسيولوجيا أو في الأنثربولوجيا كما علَّمتنا الكتب التمهيدية ـ هي النتاج الروحي والمادي لجماعة بشرية معينة في زمان ومكان معينين ففي هذه الحال الأدب ليس إلا جزءا بسيطا من هذه الثقافة.. أعتقد بأن إثارة موضوع التكنولوجا في عصر ما بعد الحداثة قد يكون أهم من مناقشة معلقات الشعر الجاهلي لأن هذا الموضوع يمسنا مباشرة.. ليس هناك من أحد لا يستخدم اليوم التكنولوجيا وليس هناك من أحد غير معرض لإيجابياتها كما لسلبياتها.

أما الشاعر سماء عيسى فنحى منحى آخر في إجابة صديقه عبدالله حبيب وعلق قائلا "ألاحظ وجود ازدواجية في تجربة الإنسان العربي في الوقت الحالي من حيث أنه مازال محافظا على قيم وعادات وتقاليد في مجتمع ليست له علاقة بالتكنولوجيا، في الوقت الذي يستخدم فيه أحدث منجزات التكنولوجيا في العالم وهذا يعطي ازدواجية في الشخصية وفي التكوين.. ربما الأجيال الحديثة ستكون أكثر ترافقا مع التكنولوجيا لأنها على تماس مع النتاج الحضاري أكثر من الجيل السابق ولأن هذا الأخير تربى وفق قيم وعادات وتقاليد بعيدة كل البعد عن نتاجات التكنولوجيا".

سألته:

تتحدث عن نفسك ؟

فرد:

لا، أنا أتحدث عن مشكلة اجتماعية وثقافية وسياسية عميقة في المجتمع العربي. هناك أشخاص متقدمون جداً في فضاءاتهم التكنولوجية كما في استخدامهم الاحترافي للحاسوب ولكنهم متخلفون جداً في علاقاتهم الاجتماعية كما في فهمهم للمرأة وتعاملهم معها. هنا تكمن الازدواجية: التخلف في العلاقات الاجتماعية، والتقدم في التعامل التكنولوجي.. هذه الفوارق الحادة التي يعيشها الانسان العربي تأخذ بعدا ومنحنى آخر عندما يكون الانسان نفسه نتاج ما صنع مثل ماهو موجود في الغرب أو في اليابان، لذلك تجدين الإنسان في تلك البلاد متقدما في العلاقات الاجتماعية بقدر ماهو أيضا متقدم في استخدام التكنولوجيا..المجتمع العربي ظل متخلفا في علاقاته الاجتماعية ويستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا، وهذا يفترض التعجيل بعملية التغيير الاجتماعي والذي لا يمكن فصله عن عملية التغيير الثقافي والسياسي أي دخول المجتمع العربي إلى الحداثة بمفهومها العام والواسع..أو الانساني بشكل عام.

وفي غمرة سفرنا مع الشاعر سماء، طرأت أسئلة أخرى غيرت وجهة الحوار إلى عبدالله حبيب:

*
ما مدى تأثير التكنولوجيا على المبدع؟

**
المبدع مثله مثل أي إنسان آخر لا يستطيع أن يتجنب التكنولوجيا..

*
هل يعني ذلك أن المبدع مورط؟

**
التكنولوجيا ليست حكم قيمة.. التكنولوجيا يمكن أن تستخدم استخدامات مختلفة ونحن في عصرنا وفي جيلنا شهدنا استخدامات مريعة للتكنولوجيا في الحروب وفي وسائل التعذيب في السجون مثلاً، فلا أستطيع أن أصدر حكما على التكنولوجيا بالسلب أو بالإيجاب وهذه الإشكالية طرحت في الفلسفة ففي الماركسية مثلاً هناك تيار بأكمله تأسس حتى قبل تأسيس مدرسة فرانكفورت يقف ضد التكنولوجيا، وماركس الذي كان يدعو للتقدم في كل شيء كان يتوجس من التكنولوجيا وينقدها لأنه رأى أن الرأسمالية أساءت استخدامها وتنبأ بما يشهده العالم اليوم من تغيرات مناخية وأزمة ضمور المسافات الخضراء بسبب إطلاق العنان للتكنولوجيا لأن الرأسمالية لا تستطيع أن تستمر من غير ذلك وقد ظل هذا التراث موجودا حتى لما كان الاتحاد السوفيتي موجودا كانوا متقدمين جدا تكنولوجيا -فهم أول من وصلوا إلى القمر مثلاً - لكن نظريا في قاعات الدرس يتذكرون أعمال ماركس الشاب الناقدة للتكنولوجيا.. المسألة لا تتعلق بالحكم على التكنولوجيا وإنما كيف تستخدم التكنولوجيا.

تكنولوجيا العقل

حذو هذا الثنائي كانت تجلس الدكتورة آسية البوعلي، والتي عبرت عن رأيها في الموضوع قائلة:

**
في الحقيقة أنا أدعم ما قيل فنحن دائما ما نربط الثقافة بالإبداع الأدبي وهذا قصور في مفهوم الثقافة، لأنه إذا ما نظرنا إلى كلمة ثقافة فهي كلمة فضفاضة تستوعب كل العلوم فالطب ثقافة والتكنولوجيا ثقافة والإبداع ثقافة.. إذن ليست الثقافة حكرا على الأدب، ومسألة التكنولوجيا في المجتمع هي مسألة هامة جدا ولكن قدر ما نعي أهميتها نعي أيضا أن تكون التكنولوجيا تكنولوجيا العقل وليست تكنولوجيا الاستهلاك في المجتمع، ونحن وصلنا إلى مرحلة: كيف تعمل هذه الأدوات وأتمنى أن نصل إلى مرحلة: كيف نستطيع أن نبدع إلى حد نقترب من صناعة هذه الأدوات التكنولوجيا.

*
ما مدى توظيفك كمبدعة وباحثة وكاتبة لتلك الأدوات؟

**
طبعا ليس هناك شخص في هذا العصر يستطيع أن يكون محايدا أو مناقضا للتكنولوجيا لماذا؟ لأنه سينعزل تماما.. لابد أن يكون هناك حد أدنى لاستخدام التكنولوجيا حتى وإن كان الشخص لا يميل لهذا العالم.. على سبيل المثال لم يعد هناك استخدام للورقة والقلم فالكتابة أصبحت مباشرة عن طريق الحاسوب، وأدعي أن عصر المراسلات الورقية انتهى، حتى التسجيل فأنت الآن ستفرغين هذا التسجيل بطريقة تكنولوجية بينما العمل الصحفي في الماضي كان يقوم على التسجيل الورقي، إذا لا نستطيع أن نكون محايدين ولامعارضين للتكنولوجيا ولكن أن نستخدمها بطريقة تخدم أهدافنا الرئيسية.

رأي علم النفس

حسين العبري (طبيب نفساني وقاص) التقيناه بعد نهاية المحاضرة وسألناه عن رأي علم النفس في هذا الموضوع فرد قائلا:

"
تؤثر الإنترنت على المجتمع بطرق مختلفة فهي تشكل عالما مختلفا عن العالم الواقعي الذي نعيشه ولذا يمكن القول إن أولئك الراغبين في الفرار من العالم الواقعي ربما يجدون مخرجا لهم عن طريق الدخول في عالم الإنترنت، والجيد في عالم الإنترنت أنه عالم متسع ويستطيع أن يضم في داخله العديد من الأمور الجاذبة لعدد كبير من أفراد المجتمع من مختلف الأعمار والتوجهات، فهو يضم صفحات الألعاب والمسابقات للأطفال، وآخر صرعات الموضة والقدرة على صنع العلاقات مع الجنس الآخر للمراهقين، وهو يمد المرء بالمعرفة من خلال صفحات المعلومات والمناقشات، ويوفر لمن يريد الحوار حول أية موضوع مجالا رحبا، وقد بدأت الإنترنت في بلدنا تدخل عالم التجارة؛ فيعلن التجار عن سلعهم في النت ويقومون بعملية التبادل عن طريقه، وعلى هذا الأساس فالنت لا تؤدي دورا صامتا كما تفعل الجرائد والمجلات، ولا دورا من جهة واحدة مُعطِية للمعلومات في مقابل مُستقبِل خامل، فمستخدم النت يفعل ويتفاعل ويتغذى ويغذي. وما يميز النت كذلك تلك القدرة على تجاوز الحدود التقليدية ، فهي تعلو على قيد الجغرافيا فتوصل الناس بعضهم ببعض وهي تتجاوز الأديان والأعراف والتقاليد الاجتماعية فتوصل إلى الأفراد أفكارا ومعلومات من جهات بعيدة كل البعد عن أنساق التفكير المعهودة داخل مجتمعاتهم، وهي أيضا تتجاوز الشخصيات والبنى الجسدية، فبالنت يمكنك أن تتناقش وتتفاعل مع الآخرين كما لو أنك لا تملك جسدا ولا شخصية معينة ذات طابع معين. لقد حولت النت المجتمعات إلى أسماء مستعارة وأرقام وشفرات وتدخلت في طرق التعلم والبحث عن المعرفة والتعارف والحوار والتجارة وإدارة الدولة وأظن أنها في طريقها لاكتساح مناطق جديدة في المجتمعات في مستقبل الأيام".

تأصيل المفاهيم

أما الباحث محمد الحجري فكان مهتما بشكل بدا واضحا من خلال تدخله في النقاش الذي دار بين الحضور بعيد إنهاء الحراصي ورقته، وحول انطباعه عن المحاضرة قال "فيما يتعلق بتأثيرات التكنولوجيا - والإنترنت من بينها -على واقع المجتمع العماني فإننا نفتقد إلى الدراسات الجادة والمعمقة، وإذا كنا نشتكي من قلة الدراسات الإجتماعية عامة فإن قلة المنشور من هذه الدراسات في هذا الجانب تبدو أشد، وهذا الأمر يعود إلى عدة أسباب من أهمها افتقار بعض المؤسسات المعنية بالشأن الإجتماعي إلى دوائر دراسات متخصصة ومنتجة، كما تعود أيضاً إلى حساسية المجتمع تجاه دراسة بعض قضاياه.. لهذا مثلت محاضرة الدكتور الحراصي فرصة مهمة لاستقراء هذه التأثيرات خاصة بعد أكثر من أحد عشر عاماً من دخول الإنترنت للسلطنة، وأكثر من عشر سنوات على إنطلاق أول منتدى عماني الكتروني عام، وبذلك يفترض أن هذه التأثيرات قد بلغت مداها الذي يستحق الرصد والفحص، ذلك لأن لكل أداة أو آلة أو تقنية نسقها الاجتماعي الذي تحمله معها وهي تلقائياً تصنع قدراً من التغيير في المحيط الذي تستخدم فيه".

وتابع الحجري يقول "من المهم التأكيد هنا على أن الإنترنت أحدثت نقلة حقيقية في وسائل التعبير عن الرأي، و أدى هذا الأمر إلى هز المكانة التقليدية لوسائل النشر العادية، ودفعها هذا إلى توسيع مساحة التعبير لديها للحد من ابتعاد المتلقين عنها باتجاه وسائط النشر الالكترونية ومحاولة صنع قدر من التوازن المتاح والضروري للحفاظ على مكانتها.. لقد تطرق الدكتور الحراصي إلى نقاط مهمة للغاية تتعلق بتطور تعاطي المجتمع مع الوسيلة الجديدة القادمة، وركز على الأبعاد المفهومية والقانونية والقيمية والأخلاقية والدينية التي سعى المجتمع إلى استيعاب نقلة الإنترنت عبر آلياتها، وهو ما يشير بقوة ـ في نظري ـ إلى أن المجتمع لايمكن بسهولة أن يجري عملية نقل قسري للتقنية مع سياقاتها التي نشأت فيها في مجتمعات أخرى، بل هو ينمي سياقاته وآلياته الخاصة به وهي تنطلق في العادة من مرجعياته الاجتماعية والدينية والقانونية.. نعم إن جدلاً ينشأ قد يوحي بوجود إرباك أو تناقض، ولكن هذا أمر طبيعي خاصة في تلك المجتمعات المتحصنة بخصوصيتها مثل مجتمعاتنا، هذا الجدل أو التناقض ينشأ بين الوسيلة " التقنية" وما تفتحه من آفاق تعبيرية بعيدة عن السيطرة والرصد والحجب وما تمارسه النظم الاجتماعية والسياسية والقانونية لضبط كل هذا الكم من المعلومات والأخبار والتحليلات والآراء، ومن وراء ذلك ضبط الوعي والرأي العام، وهذه القوى أو النظم ليست دائماً متسقة أو متحدة الهدف بل هي تنظر للأمر من زوايا مختلفة، فالنظام الاجتماعي يرغب في مزيد من حرية التعبير ولكنه يتخوف على خصوصيته مثلاً، والنظم القانونية والسياسية يهمها ألا يحدث التجاوز للخطوط التي تقررها، وهكذا من سياق كل هذا الجدل يمكث في الأرض ما ينفع الناس".

ولم ينأى الحجري عن إبداء اختلافه مع الحراصي حول بعض الاستنتاجات التي توصل إليها في دراسته، وأبرزها ظهور قضايا ومفاهيم تتعلق بحقوق الإنسان والحرية وحرية التعبير...إلخ، حيث قال "من المهم التأكيد على أن جملة من المفاهيم التي رآها الدكتور الحراصي وافدة ـ في صيغها الحديثة ـ إلى المجتمع العماني هي مفاهيم غير غائبة تاريخياً عن الوعي والوجدان العماني الجمعي، كمفاهيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وغيرها.. فكثير من الأدبيات التي عبرت عنها الوثائق والتاريخ المدون والمحكي تشير إلى حضور هذه القيم ليس فقط في التاريخ بل في التفكير العلمي والمعرفي، ربما يكون هناك انقطاع في مرحلة تاريخية ما، و قد نبه إليه الدكتور الحراصي في معرض رده على المناقشات التي أعقبت المحاضرة، ومن وجهة نظري أرى أن هذا الانقطاع ـ إن كان حدث ـ ليس انقطاعاً بقدر ما هو تغليب لقيمة اجتماعية على حساب قيم أخرى وأذكر هنا على سبيل المثال أن قيمتي "العدالة" و"الاستقلال" في التاريخ العماني أكثر حضوراً بكثير من قيمة الحرية مثلاً، وهي رؤى تحتاج مع ذلك إلى بحث وتدقيق وتوثيق علمي لا يكتفي بالآراء الاستقرائية الأولية، وأعتقد أن نظرات فاحصة كالتي طرحها الدكتور الحراصي في محاضرته ربما تكون فاتحة باب لهذا النوع من الدراسات الاجتماعية الفكرية المعمقة في خصائص البنية الاجتماعية والفكرية والثقافية للمجتمع العماني".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق