ترجمات نجيب محفوظ: تجارب وقضايا
عبدالله الحراصي
(نسخة غير نهائية)
أود في البدء أن أتقدم بشكري الجزيل لوزارة التراث والثقافة الموقرة على دعوتها الكريمة للمشاركة في هذه الندوة الموسعة حول كاتبنا الراحل نجيب محفوظ. والحقيقة أن العنوان الذي قدم لي للحديث حوله وهو "ترجمات نجيب محفوظ إلى لغات العالم" هو عنوان واسع ومتشعب كما لا يخفى لأنه يشمل إضافة إلى مسح لترجمات نجيب محفوظ إلى مختلف لغات العالم مواضيع أخرى مثل جودة هذه الترجمات وطبيعة المترجمين وأنماط استقبال الترجمات في الثقافات الأخرى والعوامل المؤثرة على ذلك الإستقبال وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالترجمة وتلقيها. وبعد تفكير متأنٍ ولضيق الوقت الذي منح لي منذ تلقي الدعوة وحتى إلقاء هذه الورقة والذي لا يزيد على ثلاثة أسابيع فقد رأيت أن من المناسب أن أتحدث بعض الشيء عن بعض المواضيع المتعلقة بترجمات نجيب محفوظ على نجو يجعل منها تنسل من خصوصية ترجمة نجيب محفوظ إلى عمومية تر جمة الأدب العربي عموماً.
لا ريب أن نجيب محفوظ هو عملاق الرواية العربية ورمزها الأول غير أن البعض ربما سيتفاجأ حينما يعرف أن أول كتاب صدر لنجيب محفوظ لم يكن رواية كتبها بل ترجمة قام بها من اللغة الإنجليزية عام 1932 وكانت لكتاب جيمس بيكي "مصر القديمة"، ولعل هذه الترجمة مؤشر على أمرين أساسيين يتعلقان بخصوصية نجيب محفوظ المصرية العربية وعالميته في آن، ذلك أن فعل الترجمة ذاته يعني تواصلاً مع ما يكتبه الآخر وسعياً لنقله إلى ثقافة المترجم وهو شكل من أشكال الانعتاق من المحلية الضيقة وفي الآن ذاته فإن محفوظ قد انتقى كتاباً له علاقة بمصر، وانتقاء المترجم للعمل الذي يترجمه لا يأتي خبط عشواء وأنما يتم وفق رؤية ولتحقيق غرض، وهنا فإن ترجمة هذا الكتاب المتعلق بمصر القديمة يمكن أن تفسر على أنها محاولة للتقرب من المكان المصري – الفرعوني – من خلال ما كتبه الآخر.
وإن انتقلنا إلى ترجمات نجيب محفوظ فإنه يمكن الإشارة سريعاً إلى أن رواياته قد ترجمت إلى نحو 40 لغة من لغات العالم المختلفة، وتعد مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة هي الناشر الرئيس لترجمات نجيب محفوظ حيث نشرت ترجمات لأعمال محفوظية في 28 لغة من لغات العالم وفي نحو 400 طبعة، وكانت أكثر من ربع تلك الترجمات في اللغة الانجليزية التي بيع فيها أكثر من مليون نسخة من أعمال محفوظ (وهو رقم يزيد على العدد الكلي لنسخ أعماله التي طبعت باللغة العربية ذاتها). ويقول مدير قسم النشر بالجامعة الأمريكية في القاهرة مارك لنز أن رواية "زقاق المدق" قد صدرت في 25 طبعة في 12 لغة فيما طبعت روايتي "اللص والكلاب" و"ميرامار" في ما يربو على 20 طبعة في 10 لغات.
ومن الأمور المهمة هنا أن نتوقف عند رؤية نجيب محفوظ للترجمة ذاتها، فنجيب محفوظ يدرك تماماً ما قدمته الترجمة للأدب العربي المعاصر من خلخلة لمنظومة الكتابة الأدبية العربية التقليدية عموماً وفي أنماط الكتابة السردية على وجه الخصوص، فقد كانت الترجمة هي القناة التي دخلت عبرها القصة القصيرة والرواية إلى الأدب العربي الحديث في القرن التاسع عشر حين بدأت ترجمة الروايات والقصص الغربية والتي تأثرت في البداية بالأسلوب العربي التقليدي (والتي من أمثلتها تغيير عنوان "مغامرات تليماك" إلى "مواقع الأفلاك في مغامرات تليماك"[1]) وما تبع ذلك من غلبة للأسلوب الغربي في الكتابة والتخلي التدريجي عن الاسلوب العربي الموروث. يقول نجيب محفوظ في إحدى حواراته الصحفية مثمناً أثر الترجمة في نشوء القصة القصيرة الرواية العربية الحديثة "استعرنا نحن الكتاب العرب المفهوم الحديث للقصة القصيرة والرواية من الغرب، غير أنهما قد أصبحا جزءاً أصيلاً من أدبنا الآن. فقد ظهرت الكثير من الترجمات خلال الأربعينات والخمسينات (من القرن العشرين)، وقد تقبلنا أساليب [تلك الترجمات] على أنها هي الأساليب التي تكتب بها القصص. وقد استخدمنا الاسلوب الغربي للتعبير عن قضايانا وأساليبنا" غير أن نجيب محفوظ يستدرك ليؤكد على أهمية التراث السردي العربي الذي يشكل هو الآخر منهلاً أساسياً لتجربة القصة والرواية العربية المعاصرة حين يقول "ولكن [بالرغم من هذا] فلا ينبغي عليك أن تنسى بأن تراثنا يحتوي على أعمال مثل "أيام العرب" التي تتكون من العديد من القصص من بينها قصة "عنترة" وقصة "قيس وليلى" – و"ألف ليلة وليلة" بطبيعة الحال"[2].
وعن بدايات ترجمة كتبه يقول محفوظ "عندما ترجمت قصصي القصيرة إلي الانجليزية، والفرنسية، والألمانية، كانت قصة 'زعبلاوي' بصفة خاصة ناجحة إلي أبعد حد، وعادت عليٌ بكسب مالي أكثر من أية قصة أخرى. وكانت أول رواية لي تترجم 'زقاق المدق'، وقام ناشر لبناني يسمي خياط بنشرها. ولم أحصل، كما لم يحصل المترجم علي أية نقود لأن خياط غشنا. وقد قامت دار النشر 'هاينيمان' Heinemann بإصدارها من جديد في حوالي 1970، وترجمت بعد ذلك إلى الفرنسية، وسرعان ما تبعتها ترجمات أخري لأعمالي."[3] وبعيداً عن هذه التجربة غير السعيدة فإن ترجمات نجيب محفوظ توالت في اللغات الغربية، وقد تحدث نجيب محفوظ في أكثر من سياق عن دور الترجمة في شهرته العالمية حيث نقل عنه قوله أن الناشرين قد عرفوا أعماله من الترجمات وأضاف "أنني على يقين بأن تلك الترجمات كانت من بين أهم العوامل التي ساهمت في حصولي على جائزة نوبل"[4].
ويمكن أن نعتبر أن قصة فوز نجيب محفوظ بنوبل في الآداب عام 1986 هي في الآن ذاته قصة علاقة نوبل بترجمة الأدب العربي ذاته ويمكن تبين هذا من خلال ما يقوله مترجمو محفوظ، ويمكن لأجل الإختصار أن أسوق رؤية روجر ألن، وهو أحد أشهر مترجمي نجيب محفوظ إلى اللغة الانجليزية، حول علاقة الترجمة بجائزة نوبل فهو لا يشكك بطبيعة الحال حول المستوى الأدبي العالي لنجيب محفوظ غير أنه في الآن ذاته يقدم نظرة أكثر واقعية لطريقة عمل جائزة نوبل، فيقول في حوار مع جريدة الشرق الأوسط "أريد أن أقرر هنا أن نجيب محفوظ حصل على نوبل لجدارته بها، وقيمة ما يبدعه جماليا وبسبب عدد الكتب أيضا التي صدرت له. لكن هناك سببا آخر مهما جدا وهو الترجمة، وهي الوسيلة التي تتعرف بها لجنة نوبل على الكاتب وابداعاته، وأتذكر هنا تعليقات الأديب يوسف ادريس التي دافع بها عن جدارته وأفضليته على نجيب محفوظ بالحصول على نوبل، وقد حاولت في بغداد أن أنقل ذلك الى إدريس، وكان في زيارة لها بعد اعلان الجائزة، وقلت له ان الجدارة رغم أهميتها ليست كافية، فلا بد من وجود ترجمات لعدد كبير من مؤلفاته حتى تتعرف عليها اللجنة المانحة للجائزة، وهذا هو الواقع الذي تتحرك فيه جائزة نوبل. من هنا تسأل اللجنة عندما يرشح أي مبدع لنوبل عن ترجماته وهل هي كافية، ثم تسأل عن وفرة مؤلفاته وقيمتها الادبية. ولا يمكن الحديث هنا عن قيمة الكاتب وابداعاته بدون أن تكون هناك ترجمة كافية لها، وبغيرها لا تكون هناك جدوى من البحث عن نوبل للعرب مرة أخرى. عدم الترجمة هو الذي يقف عثرة امام فوز كتاب عرب بالجائزة." كما يقول ألن "وأستطيع القول بأن هناك طريقا واحدا لنوبل وهو الترجمة، بغض النظر عن الجدارة الأدبية للكاتب في العالم العربي أو عدد الأعمال المنشورة. هناك سؤال أطرحه عندما يسألونني لماذا لم يفز فلان؟ وهو: هل ترجمت أعماله لعدة لغات أوربية حتى يتسنى لأعضاء لجنة نوبل قراءتها؟ والجواب دوما هو "لا"، فإذا لم تتوافر نسخ كثيرة مترجمة لمؤلفات الكاتب في الأربع لغات التي تقرؤها لجنة نوبل، وهي: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسكندنافية؛ فلا فائدة مطلقا مما ترشحه."[5]
والحقيقة أن الترجمات وإن أدت إلى حصول محفوظ على نوبل في الآداب إلا أن تلك الترجمات لم تكن كافية في نظر النقاد الغربيين ويمكن أن أمثل على هذا بقول أحد النقاد الألمان معلقاً في إحدى الصحف الألمانية على حصول محفوظ على نوبل:
"نزلت إلى المكتبات وسألت عن أعماله المترجمة إلى الألمانية، فلم أعثر إلا على ترجمة لرواية بوليسية عنوانها "اللص والكلاب"، وقيل لي أن ترجمة لرواية أخرى قد صدرت في برلين الشرقية، ولكنها غير متوفرة في المكتبات وما فاجأني أكثر من ذلك هو أن الصحافة لم تتفق حتى على شكل واحد لكتابة اسمه، فهناك من يسميه "مخفوتس"، بينما يدعوه آخرون "مهنوس" أو "مهفوس"، وأنا أتساءل:" كيف تمنح جائزة نوبل لأديب لا يعرف الرأي العام اسمه الصحيح؟[6]"
وبعيداً عن هذا فإن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل كان منعطفاً في الترجمة من العربية إلى لغات العالم، ولغات الغرب على وجه الخصوص، وربما لا يعادل ذلك المنعطف في في الفترة المعاصرة إلا أحداث 11 سبتمبر التي قادت أيضاً إلى هوس بالترجمة من اللغة العربية. ولكي لا أطيل الحديث في هذا الموضوع المعروف سأنقل إليكم بعض الأرقام التي تبين تأثير حصول محفوظ على نوبل على ترجمة الرواية العربية في اللغة الايطالية كما أظهرتها إحدى الدراسات[7] كما يلي:
1900-1949: روايتان
1950-1959: لا توجد أي ترجمة
1960-1969: روايتان
1970-1979: سبع روايات
1980-1988: 16 رواية
1989-1999: 112 رواية
سأنتقل الآن إلى تجربة لأحد مترجمي نجيب محفوظ قمت بالاتصال به عن طريق البريد الالكتروني لغرض تقديم رأيه حول ترجمة نجيب محفوظ في هذه الندوة، وهذا المترجم هو بيكا سوني Pekka Suni الذي ترجم خمس روايات محفوظية إلى اللغة الفنلندية هي "زقاق المدق" و"ميرامار" و"بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية"، وقد وجدت في رده ما يفيد وما يمكن الانطلاق منه للحوار حول جوانب عامة تتعلق بترجمة الأدب العربي على وجه العموم. يقول سوني:
"قبل أن يفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل كانت "الايام" لطه حسين هي الرواية العربية الوحيدة التي ترجمت مباشرة من اللغة العربية الى الفنلندية، ولم تعرف الثقافة الفنلندية من الثقافة العربية قبل هذا إلا "القرآن الكريم" و"ألف ليلة وليلة"
"وكنت قد درست اللغة العربية (وتاريخ الفن والأدب العربي) في جامعة هلسنكي وقضيت شهراً واحداً في معهد بورقيبة في تونس غير أني لم أترجم أي شيء من هذه اللغة، وكانت لدي بعض التجربة في ترجمة الاعمال التلفزيونية كما ساهمت في دورات في كتابة النصوص السينمائية والكتابة الابداعية وهو ما منحني الثقة بأنني سأكون مترجماً ناجحاً، ولهذا فحينما اشتهر نجيب محفوظ قمت بتقديم ترجمة لمقاطع من رواية "ميرامار" لدار النشر تامي التي فازت بعقد النشر، وكانت "ميرامار" أول رواية تنشر بالفنلندية لمحفوظ... "
"كانت تجربتي بترجمة الأدب شحيحة وكانت مهاراتي العربية متواضعة ولهذا فقد كانت الترجمة في غاية البطء والمشقة، ولم يكن النجاح ليحالفني بغير العون الذي تلقيته من صديقي المصري مصطفى شيكبن، وكان الناشر في غاية القلق لأن الترجمة السويدية حظيت بنقد ضعيف لأن المترجم لم ينجح في الحفاظ على المستوى الاسلوبي الراقي، وبالاستمرار في الترجمة أخذ الناشر في الارتياح أكثر فأكثر، وهكذا أبصرت "ميرامار" النور في نسختها الفنلندية عام 1989."
"وكان تلقي هذه الترجمة طيباً بصورة استثنائية. فقد استعظم الجمهور القيام بالترجمة مباشرة من العربية وليس عن طريق اللغة الانجليزية وهو ديدن المترجمين في ترجمة الأعمال التي تكتب باللغات النادرة، وما أود قوله أساساً هنا فيما يتعلق بالتلقي الايجابي هو أن محفوظ قد منح العرب، بمشاعرهم ومطامحهم، وجهاً إنسانياً طيباً، حيث أنهم كانوا يربطون في شاشات التلفاز بظروف العنف في فلسطين. وهذه هي وظيفة الأدب الجيد، فهو الذي يجعل من الغرباء بشراً ويمنحنا القدرة على أن نرى عقولهم، وقد جادل بعض النقاد بأن محفوظ قد فاز بنوبل على أساس أنه "آن الأوان لعربي أن يخطو خطوة نحو المنصة"-ولعله نفس الرأي الذي يحيط بالفائز هذا العام وهو أورهان باموك الذي يشك بأنه فاز بالجائزة لدواعي سياسية. والأمر في حالة نقاد محفوظ هو أنه ليس داعياً للحداثة ولا طليعياً كثيراً كي يرضي النقاد الذين يصعب إرضاءهم، غير أن أغلبهم قد اقتنع بأن العالم في روايات محفوظ هو كون ثري ومتنوع وممتع."
وعن تمويل الترجمة يقول:
"إن نحن قارنا الترجمة إلى العربية بالترجمة إلى الانجليزية لوجدنا أن العربية تستهلك الكثير من الوقت، ونتيجة لهذا فانها قليلة الثواب المادي، غير أنني الحظ قد حالفني في أن أحظى ببعض الدعم المادي من جمعية الادب الفنلندية، وبدون ذلك العون فإن الترجمة كانت ستودي بي إلى المجاعة."
وعن أثر الترجمة الحضاري يقول:
"لقد كانت ترجمة محفوظ بداية طيبة لمزيد من المعرفة والتقدير للثقافة العربية والاسلامية في فنلندا، وحينما رأى بعض الناشرين أن هناك طلباً أكبر للثقافة الغريبة والبعيدة فقد ترجم منذئذِ مزيد من الأدب، غير أن الأدب المترجم مباشرة من العربية ليس كثيراً."
إن حديث مترجم نجيب محفوظ الفنلندي بيكا سوني عن تجربته ترجمته لنجيب محفوظ تشير إلى الوضع الصعب الذي يعاني منه كثير من مترجمي الآثار الأدبية العربية إلى اللغات الأخرى، وتتلخص مظاهر هذا الوضع في إدبار الناشرين الأجانب، وخصوصاً في الغرب، عن نشر الترجمات التي لا تناسب توجهاتهم وضعف الحوافز المادية التي تقدم للمترجمين. يقول روجر آلن حول ضرورة توثيق علاقات مع الناشرين الغربيين:
لا بد أولا من عقد اتفاقيات مع المكتبات في أوروبا واميركا لتوزيع الكتب العربية المترجمة لأنها المسيطرة كما قلت على عملية نشر الكتب وتسويقها هناك بعد أن خرجت دور النشر الصغيرة من السوق وأفلست بسبب دخولها في عملية نشر وترجمة كتب عربية. أما عن تحسين الوضع السيئ في ميدان الترجمة للأدب والآثار الأدبية العربية الى اللغات الأخرى فيحتاج الى تعاون بين المترجمين والمؤسسات المعنية المسؤولة في العالم العربي نفسه، كما يجب التغلب على المشكلات التي تواجه عمليات الترجمة بين الأقطار العربية فضلا عن التوزيع. ولا بد من وجود عملية تنسيق بين القائمين على الترجمات والمؤسسات توفيرا للجهد والمال وتحقيق الأهداف التي يطمح لها الأدب العربي، وهناك شيء آخر وهو خاص بالآثار التي تركها الاستعمار على الدول العربية. ففي مصر مثلا تتجه معظم الترجمات من والى الانجليزية وباستثناء نجيب محفوظ الذي ترجمت أعماله الى لغات عدة، لا تجد الا قليلا من الأعمال العربية المترجمة الى الفرنسية أو غيرها من اللغات الأخرى. وهذا ينطبق أيضاً على الكتاب في المغرب العربي، الذين نادراً ما تترجم أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية."[8]
ويشير دينيس جونسون ديفيز[9] وهو مترجم آخر من مترجمي نجيب محفوظ إلى قضية العائد المادي بقوله في لقاء مع مجلة نزوى العمانية "اكتشفت شيئا مدهشا، فقد انصرفت مؤخرا، الى كتابة قصص للأطفال ذات خلفية عربية وشرقية بشكل عام وفوجئت بأن العائد المادي من تأليف كتيب صغير للأطفال باللغة الانجليزية يفوق العائد من ترجمة رواية عربية ضخمة تستغرق وقتا وجهدا وحوارات ممتدة مع المؤلف والنقاد." ويشير جونسون ديفيز إلى الجشع المادي للناشر الغربي وعدم رغبته في تقديم دور ثقافي يخلو من البعد المادي فيقول " أصدرت دار دوبلداي أربعة كتب من ترجمتي لأعمال نجيب محفوظ، وقد عاد عليها حصولها على حقوق نشر أعمال محفوظ بعوائد تقدر بملايين الدولارات، ويكفي أن أشير الى أن الثلاثية وحدها وزع منها أكثر من ربع مليون نسخة، وفي تصوري أنه كان من المنطقي أن يتم تخصيص جانب من هذه الأرباح لتشجيع المزيد من تعرف جمهور القراء الغربيين على الأعمال الأدبية العربية واتاحة المجال لأفضل المترجمين لتقديم هذه الأعمال، وفي هذا أيضا نوع من رد الجميل بحسب تصوري، وفي إطار هذا التصور كتبت مؤخرا لمديرة الدار، مقترحا عليها أولا إصدار مجموعة من القصص القصيرة المصرية في إطار كتاب واحد يلقي الضوء على الوضعية الواهنة للقمة القصيرة كما تكتب الآن في مصر، وقد جاء الرد بالاعتذار عن عدم نشر كتاب من هذا النوع".
أخيراً لم تستعرض هذه الورقة كل ما له علاقة بترجمات نجيب محفوظ إلى لغات العالم كما هو عنوان المحور لكنها ألقت الضوء على بعض جوانب هذه الترجمات وهي جوانب تتعلق في كثير من مستوياتها بترجمة الأدب العربي ذاته إلى لغات العالم المختلفة، فلا شك أنه لا يمكن الوصول إلى الانتشار والذيوع العالميين بدون الترجمة، فحتى لو كان الكاتب عظيماً وكانت آثاره عظيمة فإنه سيظل سجين ثقافته المحلية بدون ترجمة أعماله، غير أن للترجمة عالمها الخاص المتعدد الجوانب، فهناك المترجم الذي ينبغي أن يكون كفئاً لينتج نصاً يعكس عظمة النص الأصلي ويوازيه في تأثيره الجمالي، وهناك الناشرون العالميون بشروطهم الخاصة التي لا تنظر دائماً إلى القيمة الأدبية بقدر نظرتهم واهتمامهم بالكسب الذي ستأتي به الترجمة لهم، وهناك كذلك التباينات الثقافية التي قد تقرب بين الحضارات المختلفة حين ترغب ثقافة ما في التعرف على الثقافات الأخرى وقد تفعل العكس أحياناً حينما تتسبب هذه التباينات في رفض التواصل الحضاري والانكفاء عن الاقتراب من الثقافات الأخرى بسبب صور نمطية أو بسبب مركزية ثقافية. لقد بينت ترجمة نجيب محفوظ إلى اللغات الأخرى وحصوله على جائزة نوبل الدور الكبير الذي يمكن للترجمة أن تقوم به في توصيل الأدب العربي والثقافة العربية إلى العالم، وكسر حدة الصور النمطية العنيفة والدموية عن الثقافة العربية المعاصرة.
[1] عصفور، جابر” (2000) الترجمة ونشأة الرواية العربية"، مجلة العربي، العدد 498، صص 78-83
[2] http://weekly.ahram.org.eg/2002/572/cu2.htm
[3] http://www.theparisreview.org/media/2062_MAHFOUZ.pdf
[4] http://weekly.ahram.org.eg/2002/572/cu2.htm
[5] http://www.asharqalawsat.com/details.asp?article=227007&issue=9261§ion=3
[6] عبد عبود (1988)، "سبيل الأدب إلى العالمية. نجيب محفوظ نموذجا" مجلة الأسبوع الأدبي، عدد 147.
[7] بولاندة غواردي "الأدب الجزائري في إيطاليا: بين الدراسة العفوية والآراء الجاهزة" في http://liste.unimi.it/wws/d_read/araboscpol/articolo%20benhaduga%20in%20arabo.doc
[8] http://www.asharqalawsat.com/details.asp?article=227007&issue=9261§ion=3
[9] http://www.nizwa.com/volume11/p159_166.html